نستكمل اليوم غوصنا في كتاب «12 قاعدة للحياة: ترياق للفوضى»، فننتقل إلى آفاق جديدة من التفكير والتأمل. في هذا الجزء، سنتعمق في فهم قواعد تكوين لبناتٍ أساسية لحياة متوازنة وذات مغزى. لقد تناولنا في الجزء السابق "الجزء الثاني" مفاهيم جوهرية مثل أهمية الثقة بالنفس، واختيار الرفقة الصالحة، ومفهوم المنافسة الذاتية بديلًا صحيًّا للمقارنات. والآن، ننتقل لاستكشاف قواعد جديدة تعالج موضوعاتٍ أكثر ارتباطًا بعلاقتنا بالآخرين ومع العالم من حولنا.
استعد لاستكشاف هذه الأفكار، وتأمَّل كيف يمكنها أن تكون نبراسًا يضيء طريقك وسط فوضى روتين الحياة، ويقودك نحو حياة أكثر توازنًا.
الفصل السابع: اختر التضحية بالمتع اللحظية العابرة مقابل المتعة الكاملة بالمستقبل
هل سمعتَ يومًا قصة القرد الذي علقَت يده في برطمان قطع البسكويت؟ لقد كانت يده الصغيرة تدخل بسلاسة إلى داخل برطمان البسكويت، لكن ومع بلوغه أصبحت كبيرة جدًّا للخروج حين يحمل قطعة بسكويت. وبسبب ذلك، وجد القرد نفسه في مأزق؛ عليه الآن أن يختار بين التخلي عن البسكويت لتحرير يده أو التمسك بالغنيمة والبقاء عالقًا إلى الأبد. انتهت القصة بإمساك الصيادين بالقرد، لتترك لنا هذه القصة عِبرةً مفادها أن الطمع هو جحرٌ لطالما نُلدغ منه.
ربما رأينا سلوكًا مشابهًا في حياتنا، فننساق وراء إغراءات تحقيق ما نريد، حتى لو أدى ذلك إلى عواقب وخيمة. لكن هل يجعلنا ذلك الاستسلام لرغباتنا أفضل حالًا؟ الإجابة غالبًا لا. للأسف، ترتبط هذه القاعدة الحياتية بما ناقشناه في الفصل السابق، إذ إنه غالبًا ما تُنتج الخيارات العفوية غير الصائبة الشعور بالندم واليأس.
لنختصر المسافة في القول إننا عندما ننظر إلى العالم من منظور قاتم وكئيب نسعى بطبيعتنا لتخفيف آلامنا بأي وسيلة تمنحنا قدرًا من المتعة واللذة اللحظية مهما كانت عواقبها. وهكذا نجد أنفسنا تبرر ذلك بالقول إنه لا عيب في السير نحو طريق السعادة، وهي حجة قد تقودنا إلى قرارات كارثية ومأساوية. فكيف يمكننا التصدي لذلك؟
يرى "بيترسون" أن الحل الأمثل يكمن في تفضيل التضحية بالمتعة اللحظية. تعني التضحية هنا التخلي عن متعة الحاضر لصالح تحقيق أمور أعظم في المستقبل. نحن ندرك ذلك فعلًا في حياتنا اليومية؛ فنحن نضحي بأوقاتنا لنعمل ونكسب قوت يومنا، أو لنوفر المال من أجل رحلة نستمتع بها لاحقًا.
ما فتئ هذا النوع من التضحية مرتبطًا بالمكسب الشخصي، فيخدم بقاءنا أو تحقيق رغباتنا لاحقًا. أما التضحية الحقيقية التي يراها "بيترسون" جوهر التحول إلى أشخاص أكثر سعادة وتوازنًا، فتتجسد في العطاء للآخرين. بدلًا من اللهث وراء متعٍ أنانية وفورية، حاول أن تخصص جزءًا من وقتك في العمل التطوعي أو مساعدة الآخرين. سترى أنك عندما تركِّز على الخير الذي يمكنك تقديمه للعالم فأنت تمنح نفسك فرصة للهروب من النظرة السلبية القاتمة، وتسمح للتأثيرات الإيجابية أن تقود حياتك.
حينها قد تستلهم الإلهام من زهرة اللوتس، تلك النبتة التي تبدأ حياتها في قاع بحيرة موحلة، لكنها تنمو تدريجيًا وببطء، إلى أن تخترق سطح الماء وتتفتح تحت أشعة الشمس. يمكنك أن تخوض رحلة مماثلة من النمو إذا جعلت التضحية من أجل الآخرين أولوية تتفوق على الإشباع الفوري؛ لأن الإيثار وإنكار الذات لا يغير رؤيتك للعالم فحسب، بل يجعلك إنسانًا أفضل.
الفصل الثامن: توقََّف عن الكذب ولو على نفسك!
نميل جميعًا إلى الكذب على أنفسنا بطريقة أو بأخرى. سواء بإيهام أنفسنا بأننا سنحقق هدفًا معينًا دون بذل أي جهد حقيقي لتحقيقه، أو بخداع أنفسنا بشأن عصمتنا من بعض العيوب، في الواقع، نحن جميعًا كذابون.
أطلق عالم النفس النمساوي ألفرد أدلر على هذه العادة اسم "أكاذيب الحياة"، وعرَّفها بأنها "الأشياء التي نقولها ونفعلها للحصول على ما نعتقد أننا نريده".
هذا التمييز -ما نعتقد أننا نريده- مهم للغاية؛ لأنه يكشف عن حقيقة أننا كثيرًا ما نخدع أنفسنا لنتوق إلى أشياء قد تكون في النهاية غير مفيدة لنا. وينطبق الأمر ذاته على قدرتنا على إقناع أنفسنا بأننا نعلم فعلًا كل ما نحتاج إلى معرفته. فهذا النوع من الكذب شديد الخطر؛ لأنه إذا افترضنا أن لدينا الأدوات الصحيحة فعلًا لتحسين أنفسنا، فإننا نفقد كل رغبة في التعلم والنمو. ولذلك، تأتي القاعدة الثامنة لـ"بيترسون" في الحياة: توقَّف عن الكذب وصارح نفسك بالحقيقة!
عليك أن تُطوِّر وعيك الذاتي، وأن تتعلم التعرف على "أكاذيب الحياة" التي تخدع بها نفسك. ثم ابدأ في العمل على تصحيحها! إعادة ترتيب أهدافك وتصالحك مع حقيقتك الشخصية يمكن أن يساعدك في استعادة مسار حياتك، وأن تكون صادقًا مع نفسك بشأن تقدمك.
الفصل التاسع: شارك في نقاش صحي
إذا قضيت وقتًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فأنت تدرك أنها أصبحت غالبًا ساحة للصراعات والنقد اللاذع. لقد استوعبت الناس سريعي الغضب، ويميلون إلى الرد بأسلوب مملوء بالكراهية تجاه الغرباء على الإنترنت. وللأسف، أصبح هذا السلوك السمة الغالبة للمحادثات في مجتمعاتنا الحاضرة؛ ما يشوِّه تمامًا معنى النقاش الجماعي الذي كنا نعرفه.
تتطلب استعادة القدرة على الدخول في محادثة حقيقية العودة إلى المبادئ التي فهمها فلاسفة اليونان القدماء، فأدركوا أن تحدي فكرة شخص ما باحترام لا يعني الهجوم على شخصه.
اتباع هذا النهج يجاري القاعدة التاسعة من قواعد الحياة عند "بيترسون"، وهي أن تستمع لما يقوله الآخرون مع افتراض أن لديك دائمًا ما تتعلمه منهم. بدلًا من التعامل مع المتحدث بصفته منافسًا وتبحث عن فرص لإثبات أنك على صواب والطرف الآخر على خطأ، أو للبحث عن سبب لتُشعره بالإهانة، فقط ركِّز على الاستماع أكثر من التحدث.
الحقيقة أنك قد تختلف مع الآخرين وهذا أمر طبيعي، لكن حتى في تلك الحالات، يجب أن تردد في ذهنك قبل كل محادثة هذا القول البسيط: استمع جيدًا ثم لخِّص ما سمعته بصوت عالٍ. إن إعادة صياغة ما فهمته بكلماتك الخاصة هي وسيلة رائعة للتواصل مع الطرف الآخر والتحقق من أنك فهمته على نحو صحيح، وهي تُظهر أيضًا مدى اهتمامك الحقيقي ورغبتك في الاستماع والاستيعاب لما يقوله.
كتاب رائع .. وسوف اطلع عليه ... مشكور على المعلومات عنه
العفو وشكرًا على التفاعل
رائع جدا
شكرًا على التفاعل
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.