أليس رائعًا أن يقدِّم لنا أحد ما دليلًا يشرح لنا بوضوح قواعد الحياة؟ ألن يوفر علينا كثيرًا من الوقت والجهد في محاولة التكيف مع تقلبات الحياة ومصاعبها؟ يعتقد دكتور علم النفس الكندي جوردان بيترسون أنه يوجد دليل بسيط لقواعد الحياة يتألف من اثنتي عشرة قاعدة فقط. وفي رُباعية هذه السلسلة من المقالات، سأستعرض بكل مقالةٍ ملخص 3 قواعد من كتاب "12 قاعدة للحياة ترياق للفوضى" لطريقة الوصول إلى الحياة المثلى، مع الكشف عن بعض الحقائق غير المتوقعة.
تأهب قارئي العزيز فنحن على وشك خوض مغامرة فكرية ستساعدك في تغيير نظرتك إلى كثير من أمور الحياة.
الفصل الأول: تصدر قمة الترتيب الهرمي بين من حولك
لعلك سمعت من قبل عن عبارة "ترتيب الدَّرْبَخة" التي كثيرًا ما نستخدمها في الأحاديث اليومية. ولكن هل تعرف من أين نشأت بالضبط؟ لقد صاغها عالم الحيوان النرويجي ثورليف شيلدراب-إيب خلال دراسته لدجاج الحظائر في عشرينيات القرن الماضي. فقد لاحظ وجود تدرج واضح بين سلطة بعض الطيور عن غيرها. كان عندما يحين وقت الطعام، يُلاحظ أن الدجاج الأقوى والأصح يأكل أولًا، مجبرًا الدجاج الضعيف أو ذليل النفس خجلًا على الانتظار، حتى لا يتبقى سوى الفتات الزهيد الباقي. كان هذا النظام يضمن احتفاظ الدجاج القوي بهيمنته، في حين يزداد ضعف من لا حول لهم ولا قوة.
وينطبق الأمر ذاته على أنواع أخرى من الحيوانات، سرطان البحر على سبيل المثال، تُظهر سلوكيات مشابهة سواء نمت في بيئة اصطناعية أو في الطبيعة الأم، ما يثبت أن شعورها بـ"ترتيب الدَّرْبَخة" فطري وليس مكتسبًا من الطبيعة. وقد لاحظ العلماء ما يثيره السرطان البحري من معارك عدائية للتنافس على أفضل مواقع المأوى، وما تُحدثه من تغييرات بيولوجية في أجسادها.
على سبيل المثال، يمتلك الفائزون نسبة أعلى من السيروتونين مقارنة بالأوكتوبامين، في حين تقل هذه النسبة لدى السرطان التي يخسر باستمرار. وهذا يعني أن الميزة الهرمونية تجعل السرطان الفائز أكثر هيمنةً وصحةً، إضافة إلى اتخاذه وضعية وقوف تُظهر مدى ثقتها بنفسها. على النقيض، يصبح السرطان الآخر أكثر خجلًا وتنكمش خوفًا.
لقد خطر بذهنك الآن، قارئي العزيز، أننا -بني البشر- لدينا هذه السلوكيات نفسها، فنجد أنفُس من يترددون على أندية الفوز بمعترك الحياة تغدو في أوجه شعلة حماستها التي ما تفتأ تتلظى عبر توالي تسلسل نجاحاتهم المتتالية؛ ما يدفعهم لمجابهة التحديات الجديدة بكل شجاعة ومثابرة. وغالبًا ما تُمكنهم هذه الحماسة التي لا تخبو نيرانها في واقع الأمر من تحقيق نجاحات أكثر.
وبالمثل، عند أولئك الذين تُحكِم قبضة اليأس لجامها حول نفوسهم التي تتحاشى المخاطر التي ترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى الندى فوقها إكليلًا، نراهم يواجهون مواقف الحياة عبر خور عزمهم الذي يدفعهم لترقب الفشل الذي لا منجاة منه. ومن ثم يغدو فشلهم كالنبوءة التي تنبعث إلى الحياة بمجرد تطايرها بفضاء ذهنهم الذي يدور في ظلام نظرتهم الكئيبة إلى العالم.
لذلك إن كنت تسعى إلى النجاح بالحياة أو بالخروج من دائرة سلوكيات أو علاقات أنت في سلامٍ داخلي دونها، فإن أفضل نصيحة يمكنني أن أقدمها لك هي: "فكر وكأنك سرطان البحر!" قف وقفة الواثق في تلك الوضعية التي تُظهر أنك تترقب فرحة النجاح، لا غُمة الفشل، واستمر بالتظاهر هكذا حتى تحقق النجاح!
الفصل الثاني: حبَّ لنفسك ما تُحبه لغيرك
يبدو هذا القول للوهلة الأولى وكأنه مقلوب رأسًا على عقب. فلطالما اعتدنا سماع عبارة: "حب لغيرك ما تحبه لنفسك". لكنني عكستها لأمرٍ في نفس يعقوب هُنا؛ لأننا غالبًا ما نولي اهتمامنا إلى الآخرين مما نوليه لأنفسنا. ويرجع ذلك إلى وعينا المفرط بعيوبنا التي نخشى أن يراها الآخرون بنا فنهتم لنظرة الآخرين لنا عبر تحاشي الوقوع في هذه العيوب أمام محض أنظارهم، وهو وعي قد يقودنا إلى كراهية الذات.
وبينما نغرق في التفكير في كل الأسباب التي تجعلنا نرى أنفسنا أقل شأنًا، نقتنع بأننا لا نستحق الاهتمام الكافي أو اللطف أو المشاعر الإيجابية. ولهذا السبب، نميل إلى توجيه كل طاقتنا الإيجابية نحو من نحبهم، وخاصة الأصدقاء، وشركاء الحياة، في حين نهمل تقديم القدر نفسه من اللطف لأنفسنا.
هل يُمكن تحقيق التوازن بالحياة عبر فلسفة اليين واليانغ الصينية؟
تعترف الفلسفة الشرقية بهذه الأنماط السلوكية السامة بواسطة تعاليمها حول ثنائية الطبيعة. فذلك الرمز البديع المعروف بـ"الين واليانغ" يجسد جانبًا مظلمًا وآخر مضيئًا، مع الإشارة إلى أن كل جانب يحمل في طياته شيئًا من نقيضه، وأن أحدهما لا يمكن أن يوجد دون الآخر.
وتذهب الفلسفة الشرقية إلى القول إن الانسجام لا يتحقق إلا إذا تقبل الإنسان كلا الجانبين وسعى لتحقيق التوازن بينهما. ويكون هذا التوازن ممكنًا فقط بتجنب الإفراط والمغالاة، ويُستدل عليه من مثال علاقة الوالدين بأبنائهم. تخيل أبًا يريد لابنه الخير المطلق، ويتملك قلبه خوف عارم من أن يمس ابنه أي مكروه، فينتهي به الحال أسيرًا للمغالاة التي قد تفسد أكثر مما تصلح.
ولكن إذا بالغ الوالد في حماية طفله، ومنعه من اكتشاف العالم أو خوض تجارب جديدة، فإنه بذلك يدفعه نحو طرفٍ نقيض. فبدلًا من أن يكون الطفل محصنًا ضد التأثيرات السلبية، سيشعر بأنه مقيد، وقد يتمرد بأساليب أشد قسوة لاستعادة شعوره بالحرية.
إن كلا النقيضين ليسا صحيين، لذا وأنت تسعى لتحقيق التوازن في حياتك، تذكَّر ألا تنجرف بعيدًا نحو الجانب المظلم، ولا تفرط في محاولة تحقيق الكمال. فالكمال أمر مستحيل، والفوضى أمر لا مفر منه في الحياة، فلا تهدر وقتك وطاقتك في مقاومة ما لا يمكن تغييره. ومع ذلك، من المهم أيضًا ألا تركِّز فقط على الأشياء التي تُسعدك. فقد تنجذب نحو ما يمنحك مشاعر الدفء والرضا، لكنه بالنهاية لن يؤدي إلى نموك الذاتي.
لذا، وجِّه تركيزك نحو ما هو أفضل لك، تمامًا كما يفعل الوالد المحب لطفله. فقد لا يرغب الطفل في تناول الخضراوات أو النوم في الوقت المحدد، لكن الوالد يحرص على ذلك من أجل مصلحته. والأمر ذاته في حياتك، حدِّد غايتك واتجاهك في الحياة، ثم اتخذ قرارات صائبة تساعدك في تحقيق ما تصبو إليه عزيمتك.
الفصل الثالث: تخير أصدقاءك بذكاء وحكمة
هل لاحظت يومًا كيف تنساب العبارات التي يستخدمها أصدقاؤك إلى ما تقوله من مفردات يومية دون أن تنتبه؟ لا غرابة في ذلك، فكلما قضيت وقتًا أطول مع الآخرين، زاد تأثيرهم فيك. وعلى الرغم من أن تعلم أنماط حديثهم قد يبدو أمرًا غير ضار بالمرة، لكن القلق يبدأ عندما تلاحظ أن عاداتهم السامة وطباعهم السلبية بدأت تؤثر فيك كذلك.
غالبًا ما نختار أصدقاءنا بناءً على معايير سطحية، مثل الاهتمامات المشتركة أو حس الفكاهة المتقارب، دون أن نتوقف للتأمل في نوعية الأشخاص الذين نحيط أنفسنا بهم، أو في أثر عاداتهم السلبية في تطور ذواتنا. فالسلبيون والقرارات الخاطئة لديهم قدرة مرعبة على الإطاحة بالناجحين، وللأسف، يحدث هذا التأثير بسهولة سواء في الحياة المهنية أو الشخصية.
على سبيل المثال، يعتقد كثير من المديرين والأساتذة أن وضع شخص متقاعس في مشروع جماعي مع أصحاب الأداء العالي سيحفزه لتقليد أفضل الممارسات. ولكن الدراسات أثبتت أن النتيجة العكسية أكثر احتمالًا، فيتأثر الأفراد الناجحون سلبًا بتأثير الشخص المتقاعس. ولهذا السبب، من الضروري أن نحيط أنفسنا بأشخاص إيجابيين يسعون لتطوير عادات جيدة في حياتهم.
تذكر، عزيزي القارئ الكريم، أن التمييز بين الآخرين ليس مرادفًا للغرور أو إطلاق الأحكام السطحية. فبدلًا من رفض الآخرين بناءً على أمور تافهة، مثل ذوقهم في الملابس أو خلفيتهم الاجتماعية، عليك البحث عن الأشخاص الذين يمكنهم الإسهام في إحداث تغيير إيجابي في حياتك. وجمال مثل هذه الصداقات يكمن في أنها تُثمر عن منافع متبادلة.
فالصديق الجيد لن يسمح لك بالتغاضي عن نفسك أو الانغماس في حديث داخلي سلبي، وسيواجهك بشلالٍ من النقد والنصائح عندما يلاحظ تطور عادات ضارة لديك. وبالمثل، ستقوم أنت بالأمر ذاته من أجله؛ لأنكما تسعيان معًا إلى تحسين أنفسكما والعالم من حولكما، وسوف تساعدكما هذه الصداقة على تحقيق أفضل نسخة من ذواتكما. لذا، اختر أصدقاءك بعناية!
معلومات قيمة ورائعه... ابدعت
بارك الله فيكي
معلومات مفيدة ربنا يوفقك
العفو
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.