بعد أن خضنا معًا رحلة فكرية عبر الجزء الأول والثاني والثالث من كتاب "ما وراء النظام: 12 قاعدة أخرى للحياة"، واستكشفنا خلالها جوهر الهوية البشرية، وأهمية الغاية، ودور المسؤولية في بناء حياة ذات معنى، نصل الآن إلى محطة جديدة في هذا المسار. لقد أدركنا أن مواجهة التحديات ليست مجرد خيار، بل ضرورة يفرضها نسيج الوجود نفسه، فالإنسان في سعيه الدؤوب نحو التحول، يجد نفسه عند مفرق طرق بين الفوضى والنظام وبين الإدراك والضياع، إذ لا يملك رفاهية التهرب من الحقيقة.
استعد لخوض غمار المزيد من الأفكار العميقة، سنسلط الضوء على دروس مستمدة من الأساطير والتاريخ والوجود الإنساني ذاته، في رحلة لا تهدف إلى الفهم فحسب، بل تسعى إلى التطبيق الفعلي لمبادئ الحياة ذات المغزى.
القاعدة الخامسة: لا تفعل ما تكره
يروي المؤلف قصة إحدى عميلاته التي تحدَّت موظفي شركتها بسبب معارضتها للفكر الأيديولوجي السائد. لكي تفعل ذلك، كان عليها أن تتحلى بالشجاعة، وتواجه الضغوط الاجتماعية والمخاطر المهنية، ما أكسبها قوة داخلية. قلة هم الذين يجرؤون على ذلك، قلة هم الذين يقفون ضد ما يرونه ظلمًا أو خطأً أخلاقيًّا، ولكن إذا لم تواجه الظلم الآن، فمتى ستفعل ذلك؟
ولماذا تعتقد أنك ستكون محصنًا ضد الوقوع في مستنقع التعديات عندما تنفلت الأمور عن السيطرة؟ جزء من التحرك إلى ما بعد النظام هو معرفة متى يكون لديك سبب وجيه للوقوف في وجهه، ثم إن جزءًا منه هو إدراك أن ضميرك يمتلك الحق الأصيل في توجيه أفعالك، وهو حق يتجاوز الواجبات الاجتماعية التقليدية، فعندما ترفض الامتثال لما تراه ظلمًا أو انحرافًا أخلاقيًّا، تصبح جزءًا من قوة الحقيقة التي توقف الفساد والطغيان. وفي النهاية، فإن الفرد الواعي هو القادر على منع الجماعة من الانجراف إلى الجنون.
تعزيز موقفك في الحياة
عندما تنهار الثقافة -لأنها ترفض أن تكون على وعي بعطبها الذاتي، ولأن البطل المثالي غائب- ننحدر إلى الفوضى التي تكمن خلف كل شيء. في مثل هذه الظروف، يجب على الفرد أن ينشد المبادئ الحقيقية التي تجعل الحياة جديرة بالعيش، وإلا غرق في محيط من اليأس والفساد والعدمية.
لا يمكنك أن تفعل ما تكرهه إذا كنت ترغب في أن تكون جزءًا من مشروع عظيم، لا بد أن تعزز موقفك، وإلا أصبحت دمية في يد غيرك، تحيا وأنت تدرك أنك مسؤول عن مصيرك. لكننا لسنا بلا أمل. عدوك، مهما بدا جبارًا، قد لا يكون بالقوة التي تتصورها، وأنت لست بذاك الضعف الذي تظنه. من الناحية العملية، إذا كنت لا تتحمل عملك، غيِّره. انتقل.. إنه أمر صعب، لكنه أفضل من أن تسحق روحك تحت وطأة ما تكره.
القاعدة السادسة: تخلَّ عن المعتقدات الزائفة
لقد فشلنا على مدى العقود الخمسة الماضية في تعليم الأفراد كيفية تحمل المسؤولية؛ لأننا ركزنا أكثر مما يجب على تلقين الحقوق والواجبات. نتيجة لذلك، يغفل الشباب أن المعنى يُستمد من عبء المسؤولية. إنهم يبحثون عنه في أماكن خاطئة، ويحفقون في العثور عليه، ثم ينجذبون إلى بريق الحلول السهلة.
أعلن نيتشه أن العقلانية قد قضت على الدين، وعلى معظم القيم التي قامت عليها المجتمعات الغربية، وأن لهذه الحالة نتيجتين محتملتين لهذه الحالة:
- سيحلُّ الاستبداد السياسي محل الفراغ الديني الناجم عن الابتعاد عن الله (وقد كان محقًا في ذلك).
- في عالم مفرغ من القيم، سيبتكر الإنسان (الرجل فوق الإنسان) قيمه الخاصة ويلصقها بالعالم (وكان أيضًا محقًا).
لكن فرويد ويونغ حذَّرا من أن البشر غير مؤهلين لخلق منظومة قيمية خاصة بهم من العدم، لا على المستوى الفردي ولا المجتمعي؛ إذ إن مجتمعًا يتبنى فيه كل فرد قيمه الخاصة سيكون، في نهاية المطاف، مجتمعًا ممزقًا بلا هوية.
لكن إذا كانت القيم -على الرغم من انتشارها المشترك- غير موضوعية، وكانت التجربة الدينية ذات طابع شخصي، فكيف يمكن لها أن توحِّد الناس؟
يبدو أن الوحي الديني قد ألهم الأفراد ليتجمعوا حول إعلاناته الكبرى، ليجعلهم في منطقة تتجاوز الثنائية التقليدية بين الموضوعي والذاتي. ومن ثم، قد يكون من الخطأ افتراض أن القيم غير حقيقية؛ إذ إنها معقدة إلى حد يجعل إخضاعها للتفسير العلمي أمرًا عسيرًا، لكن حقيقة أنها قادرة على جمع البشر المختلفين تحت مظلة واحدة تشير إلى احتمال وجود بُعد عالمي فيها، وإن كنا ننكر ذلك جميعًا.
الجاذبية القاتلة للتمثال الزائف
تأمل في المحافظين والنسويين والبيئيين والاشتراكيين وغيرهم. من الناحية الجوهرية، هذه الأيديولوجيات ليست سوى أديان زائفة لها آلهة متعددة، تتمثل في المسلّمات والمعتقدات الأساسية التي يجب قبولها دون مساءلة. وعندما تُعتنق وتُطبق على الواقع، تنشأ أوهام بأن المعرفة قد أُنتجت.
إليك كيف تُبنى هذه الأيديولوجيات
يختار المؤسس مفاهيم ضخمة وغامضة مثل "الاقتصاد"، "الفقراء"، "الأغنياء"، "البيئة"، ثم يضع نفسه على الجانب "الأخلاقي" الصحيح من المعادلة، محددًا عدوًا يُعتقد أن إصلاح العالم لن يتحقق إلا بالقضاء عليه. بمجرد قبول هذه الفكرة، يصبح نقد الأيديولوجيا الجديدة محظورًا، ومن يجرؤ على التشكيك فيها يتم شيطنته فورًا.
هذه النظريات جذابة للأذكياء، لكنها مغرية أيضًا للكسالى. فـماركس، على سبيل المثال، اختزل الإنسان إلى قيمته الاقتصادية، وفرض عدسة صراع الطبقات لفهم التاريخ. وعندما ظهرت حركة "الوكنيس" في فرنسا، استبدلت ببساطة الدافع الاقتصادي لـماركس بمفهوم "السلطة"، فولد بذلك نقد العنصرية النقدي (CRT).
هذا الاختزال الأيديولوجي هو سمة أخطر المفكرين الزائفين. فالأيديولوجيون هم المعادل الفكري للمتطرفين: جامدون غير قابلين للانكسار، وخطرون؛ لأنهم يتظاهرون بالعقلانية، في حين يعترف المتطرفون في الأقل بتطرفهم -وهكذا تعرف من تتعامل معه.
وماذا بعد الاستياء؟
يحدث الاستياء عندما يلوم الخاسر إخفاقه على النظام والفائزين، فيصبح النظام "فاسدًا" و"غير عادل"، والفائزون "لصوصًا" أو "مستغلين". وما إن تترسخ هذه الفكرة، تصبح جميع الهجمات على الفائزين مبررة، ويُنظر إلى الضحايا دائمًا بعدِّهم أبرياء، وكأن خسارتهم نتاج ظلم العالم بأسره لهم.
لكن طريق الاستياء يؤدي إلى المرارة، وهو أيضًا بالغ الخطورة؛ لأن تحديد "ال
👍👍👍👍👏👏👏
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.