ملخص كتاب «ما وراء النظام.. 12 قاعدة أخرى للحياة» ج2

استعرضنا في المقالة السابقة القاعدة الأولى: لا تستهِن بقدر المؤسسات الاجتماعية أو بالإنجازات الإبداعية، فقد وضح (جوردن بيترسون) أن التوازن بين الامتثال إلى القواعد وكسرها بوعي ضروري للنمو الشخصي، فالعقل لا ينضج في عزلة، بل بالتفاعل مع الآخرين، وأن النجاح يتطلب مزيجًا من المحافظة والإبداع.

سنناقش في هذا المقال تأثير الرفاق في رؤيتنا لأنفسنا، ولماذا قد يكون الحُمق فضيلة أحيانًا في رحلة بين النظام والفوضى؟

القاعدة الثانية: تخيَّل مَن يمكنك أن تكون ثم اسعَ لتحقيق ذلك بكل عزيمة

من أنت؟ ومن يمكنك أن تكون؟ لا شيء أكثر تعقيدًا من الإنسان، ويتعزز تعقيد هويتك بما يمكنك أن تصير إليه.

يدرك الجميع أنهم قادرون على أن يكونوا أفضل مما هم عليه الآن، إلا أن هذا الإمكان قد لا يتحقق بسبب مشكلات صحية أو مآسٍ أخرى، لكن أيضًا بسبب عدم الرغبة في اغتنام الفرص.

انعكس هذا التعقيد في القصص التي تناقلتها الأجيال من العصور القديمة التي لا نزال نرويها حتى اليوم، مثل المآسي اليونانية والكتب السماوية وغيرها.

كان سقراط يعتقد أن التعلم هو استعادة للمعرفة، وأن الروح تعرف كل شيء، لكنها تنسى عند الولادة، ومن تجربة الحياة يمكننا إعادة اكتشاف ما غاب عنا.

ظهور البطل

كيف تُولَد القصة الاستثنائية؟

أولًا، ما القصة الاستثنائية؟ إنها القصة التي تلتقط جوهر الإنسانية، وتُصفّيه، وتُوضّحه، وتضع ما نحن عليه وما ينبغي أن نكون عليه في بؤرة التركيز.

إنها مجموعة من المبادئ التي يجب على الإنسان اتباعها في مواقف معينة، وهي مبادئ أثبتها الزمن، فاستمرارها عبر الأجيال دليل على صحتها، والقصص التي تحفزنا هي تلك التي تخاطبنا وتلهمنا، فتدفعنا إلى الرغبة في أن نكون مثل البطل.

المادة الأولى: من يمكنك أن تكون؟

مفهوم المادة الأولى من نظر الكاتب

يوضح الكاتب لاحقًا الصورة أعلاه، التي رسمها كيميائي قديم، مشيرًا إلى مفهوم المادة الأولى (Materiam Prima) التي كانت تُعد الأساس الذي انبثقت منه الأشياء جميعها.

هذه المادة الأولى ترمز إلى ما نشعر به حين نفكر فيما يمكن أن نصبح عليه في المستقبل، إنها أيضًا كل الفرص والإمكانات التي سنستخدمها لبناء ذواتنا المستقبلية، وقد تأخذ هذه المعلومات أشكالًا مختلفة: ربما رسالة تخبرك أنك مدين بمبالغ ضخمة لسلطات الضرائب، أو أخرى تفيد بقبولك في الجامعة التي طالما حلمت بها، مهما كان محتوى الرسالة، عليك أن تقرر: هل ستتصرف بناءً عليها، أم ستتجاهلها؟

في مرحلة ما كان كل شخص مفتونًا بشيء ما، لم نختره، بل هو الذي اختارنا، وعندما نتبعه يقودنا إلى طريق، ثم إلى آخر، وهكذا.

قد لا يكون الطريق سهلًا، لكنه مغامرة مملوءة بالمعرفة، تصوغ مَن سنصبح عليه.

الحاجة إلى هدف

يجب أن يكون لك هدف، وأن تعرف وجهتك، ولتحقيق ذلك عليك أن تدرك أين كنت وأين أنت الآن، وإلا ستغرق في الشكوك، لا تتهرَّب من العقبات التي تعترض طريقك، وإن قررت تغيير مسارك، فليكن ذلك عن وعي، لا هروبًا نحو طريق أسهل، فقط تخيَّل من يمكنك أن تكون، ثم اسعَ إلى تحقيق ذلك بكل عزيمة.

لا تلقِ بكل صحونك غير المرغوبة في الضباب

ليس كل أمر صغير مزعج في حياتك (أو علاقتك) مشكلة، لكن عندما تتراكم المئات منها، يصبح الأمر خانقًا، عندما لا تحب شيئًا، قُل ذلك، ناقشه الآن، لا تؤجله؛ لأن التأجيل يزيد الأمر سوءًا.

 الأشخاص الذين لا يعبِّرون عن خلافاتهم يخدعون الآخرين، لكنهم أيضًا يخدعون أنفسهم، قد يبدو خداع النفس مستحيلًا منطقيًا، لأنك تعرف أنك تفعل ذلك، لكن العقل البشري قادر على حمل فكرتين متناقضتين في آن واحد.

كان يرى فرويد أن الأمراض النفسية جميعها تنشأ بسبب الكبت، لكنه أخطأ عندما ركَّز على الأخطاء الناتجة عما يفعله الناس، وتجاهل ما لا يفعله الناس، على الرغْم من أن الأخيرة قد تكون مدمِّرة أيضًا.

الكبت سبب الأمراض النفسية

مثلًا إذا كنت مديرًا تنفيذيًا وتشعر بأن محاسبك فاسد، فإنك تتجاهل الأمر؛ لأنك تفضِّل ألا تعرف، فقد ينتهي بك المطاف في السجن، وافترض فرويد أيضًا أن الذاكرة سجلٌّ موضوعي للماضي، لكن الحقيقة أنها قد تكون زائفة أو انتقائية. اسأل زوجين عن تفاصيل مشاجرة بينهما، وستحصل على روايتين مختلفتين تمامًا.

ما الضباب؟

إنه المعرفة التي اكتسبتها من طفولتك، لكنها أدت إلى خيبات أمل أكثر من المفاجآت السعيدة، فقد كنت تظن أن العالم كله جميل ومتسامح، ثم أدركت أنه قاسٍ، وأن البقاء فيه للأقوى، ربما بلغت مرحلة انهار فيها عالمك الداخلي مرات عدة.

فلماذا تسعى إلى مزيد من خيبات الأمل؟ الجهل نعمة، أليس كذلك؟ تخيَّل أنك تخشى الواقع إلى درجة أنك لا تريد معرفة ما تريده حقًا؛ لأنك إن عرفت فقد تأمل في تحقيقه، وإن كان لديك أمل، فقد يتحطم، أو قد تفشل، وحينها لن يكون لديك عذر، لأنك تعلم أن ذلك خطؤك.

استراتيجيات الهروب من الضباب

  • إبداء خيبة الأمل عندما يجعلك الآخرون غير سعيد.
  • كبت الاستياء بدلًا من التعبير عنه.
  • تجنُّب مواجهة الأشخاص الذين قالوا أكثر مما ينبغي.
  • عدم التواصل، وإجبار الآخرين على التخمين.
  • ترك الآخرين يضيعون في الضباب الذي أنشأته.

قد يمنحك الضباب راحة مؤقتة، لكن ثمنه هو فقدان الهدف، وغياب الهدف يولِّد:

  • ألمًا مزمنًا وقلقًا شديدًا.
  • فوضى لا تُطاق بسبب الإمكانيات غير المستغلة.

إذا كان لك هدف فقد تفشل، لكن إن لم يكن لك هدف، فستفشل حتمًا.

واجه مخاوفك واعترف بها

يتمثل البديل في إزالة الضباب، ومعرفة ما تخشاه، والاعتراف بما ترفض الاعتراف به، لن يكون الأمر سهلًا، وقد يكون محرجًا، لكنه ضروري، فالمطلوب الاعتراف والشفافية والشجاعة، لا الإيمان الأعمى.

الأحداث والذكريات

الماضي ليس قاعدة بيانات يمكننا الرجوع إليها متى شئنا، بل يحتاج إلى تحليل وتفسير، لا يكفي أن نعرف ما حدث، بل لماذا حدث.

قد يغدو من العسير فهم الماضي، لكنه ضروري للتطور، وتجاهله يتركك ضائعًا ومشوَّشًا، ويمنع وعيك من النمو، وإذا تراكمت الفوضى ستنفجر في لحظة غير متوقعة؛ لذلك لا تُخفِ صحونك غير المرغوبة في الضباب.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال مفيد فى علم النفس
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرًا على تفاعلك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

تلخيص رائع جدا وملم بالموضوع المختار
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرًا على التفاعل
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة