ملخص كتاب «ما وراء النظام.. 12 قاعدة أخرى للحياة» ج1

قدمتُ قبلًا تلخيصًا لكتاب "12 قاعدة للحياة: ترياق للفوضى" للبروفيسور وعالم علم النفس جوردن بيترسون على أربعة أجزاء (الجزء الأول، الثاني، الثالث، والأخير). هذا الكتاب هو تكملة للكتاب الأول مع التعمق أكثر في الفصل الثاني من الكتاب الأول في كيفية تحقيق التوازن بين النظام والفوضى.

إذ إن الفوضى، إذا زادت عن حدها، تهددنا بعدم الاستقرار والقلق، في حين أن النظام غير المنضبط يمكن أن يحولنا إلى كائنات آلية في حالة الخضوع له. ويدعونا كتاب "ما وراء النظام" إلى تحقيق التوازن بين هذين المبدأين الأساسيين للواقع نفسه، ويرشدنا عبر المسار المستقيم والضيق الذي يفصل بينهما.

لماذا كتاب "ما وراء النظام"؟

لأن النظام هو واحة الأمان وسط صخب الحياة، لكنه على الرغم من ذلك لا يظهر الحقيقة الكاملة؛ فالحياة ليست دومًا آمنة أو مستقرة، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك. عندما تطرق الفوضى بابك، قد تبدو كعاصفة عاتية تعصف بكل يقين. وهنا يكمن الخطر: قد تدفعنا رهبة الفوضى إلى التمسك بقبضة من حديد، عن طريق فرض أنظمة صارمة في محاولة يائسة للسيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه.

كيف تسيطر على الفوضى في حياتك

وهذا ليس حلًا، البديل أن تغوص في أعماق الفوضى بكل ثقة، أن تواجه المجهول بعين الباحث لا بعين الخائف، لتكتشف الكنوز المخبوءة في ركام الفوضى. فلا إفراط ولا تفريط -لا في النظام ولا في الفوضى.

وهنا، قارئي الكريم، يكمن السر في التوازن. فإذا كان كتاب 12 قاعدة للحياة قد تناول كيفية بناء النظام، فإن "ما وراء النظام" يأتي ليحذرنا من الإفراط فيه. للمضي قدمًا في رحلة الحياة، علينا أن نثبت أقدامنا على أرض النظام الصلبة، في حين تتقدم الأخرى بخطى واثقة نحو المجهول الذي يكمن فيه النمو الحقيقي واستكشاف آفاق جديدة لم نعهدها من قبل.

القاعدة الأولى: لا تستهِن بقدر المؤسسات الاجتماعية أو بالإنجازات الإبداعية

إن الحوار هو الخيط الذي ننظم به عقدة أفكارنا، فنحن بحاجة إلى التفكير، ولكننا لا نفكر إلا بواسطة الكلام، ولا يمكن للعقل أن ينضج في عزلة تامة خلف أبواب مغلقة، ولهذا نحتاج إلى وجود الآخرين من حولنا، ويرى كل من يونغ وفرويد أن الاتزان العقلي يتحقق عندما تتناغم ثلاث هويات مختلفة داخل الإنسان:

الهويات الثلاث للإنسان حسب رؤية فرويد

الهُو: ذلك الدافع الغريزي.

الأنا الأعلى: الصورة التي نرسمها للنظام الاجتماعي والقيم الأخلاقية.

الأنا: الذات الواعية التي تدير هذا الصراع الداخلي بينهما.

لا تعمل هذه المكونات الثلاثة في عزلة، بل يحافظ الآخرون على توازنها بالتفاعل المستمر؛ فلا تقوم الصحة النفسية فقط على قوة الفرد الذهنية، بل على كونه جزءًا من شبكة اجتماعية تُذكِّره باستمرار بكيفية التفكير والتصرف والكلام، فعندما يبدأ سلوكك في الانحراف عن المألوف، سيتدخل الآخرون -سواء بنظرة استغراب أو بتعليق عابر- ليعيدوك إلى المسار الذي يعدونه طبيعيًّا، وتتحدد ماهية "الطبيعي" في منظومة القيم التي نُعلي شأنها، فما نعده طبيعيًّا هو انعكاس لما نؤمن به ونقدِّره كمجتمع.

فائدة الحُمق

الوجود في أدنى درجات الأفضلية بين الرفاق ليس عارًا، بل هو مدرسة يتعلم فيها الإنسان دروس الامتنان والتواضع. فلا يعني التواضع التقليل من شأن الذات، بل الاعتراف بأن افتراض الجهل خير من وهم اليقين.

ولهذا السبب، يجب لك أن تحيط نفسك برفقاء يعرفون أشياء تجهلها؛ لأن في صحبتهم يكمن مفتاح نموك، فمن الحكمة أن تظل أحمقًا، وأن تحافظ على روح المبتدئ في داخلك، لأن هذا هو الدافع الأول للشروع في خوض التجارب، وليس عيبًا مصارحة نفسك والآخرين في أمرٍ تجهله؛ بل هو المحرك الذي يدفعك للسعي وراء المعرفة.

حتمية وجود الرفاق

الأطفال الذين يفتقرون للأصدقاء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والميول الانعزالية، أما أولئك الذين لديهم أصدقاء قلائل، فهم أكثر احتمالًا لمواجهة البطالة أو العزوبية في مرحلة البلوغ. لكن لا تتلاشى أهمية الصداقة مع تقدم العمر، فتُشير البحوث إلى أن من يعيشون لمدد أطول يحققون ذلك بفضل شبكاتهم الاجتماعية القوية؛ لأن الحياة في جوهرها ليست مجرد سنوات نعدّها، بل علاقات نصنعها ونحيا بها.

من يستحق أن يكون في القمة؟

البشر كائنات هشَّة، ولهذا فإن المعاناة جزء لا يتجزأ من نسيج الحياة. وللتخفيف من وطأة هذه المعاناة، لا بد من التعاون لتأمين الطعام والماء والمأوى وسائر مقومات البقاء؛ فعندما يتكاتف الناس لتحقيق هدف مشترك، يتقدَّم في الصفوف أولئك الذين يعرفون الطريق. وحينئذ تتضح الأفضلية بين البشر، لا على أساس القوة، بل على أساس الكفاءة. إذا كنت بارعًا فيما تفعل، فمن الطبيعي أن تتصدَّر القمة.

الأفضلية هي الكفاءة وليس القوة

الشخصية المثالية

نكتشف أن الشخصية المثالية هي التي تستطيع أن تكون محافظة وإبداعية في ذات الوقت؛ لأن ليس كل القواعد يجب اتباعها، وبعض القواعد قد تغدو غير مناسبة لبعض الأشخاص.

على سبيل المثال، في رواية هاري بوتر، كان بوسع الأبطال الثلاثة تعلم أشياء جديدة واتباع قواعد المدرسة، حتى إذا اضطرتهم هذه القواعد إلى اتخاذ قرارات تتناقض مع المبادئ الأساسية التي كانت قد وُضعت في مدرسة هوغوورتس لتجنبها، مثل دخول الغابة المحرمة وغيره. لهذا السبب، أنت بحاجة إلى المحافظة والتحول إلى نسختك المبدعة في ذات الوقت. في النهاية، أقول لك: احترم القواعد، ولكن لا تتبعها إذا كانت تتعارض مع مبدأ أخلاقي أعلى لديك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

أتمنى تعجبكم المقالة وتستفيدوا منها
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرًا على تفاعلك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة