إن نشر الثقافة وحسن استخدام أجهزتها يُعدُّ من العوامل الفعَّالة في حل المشكلات التي قد تواجهنا في الحياة، ولا نعني بالثقافة هنا التعليم الذي نتلقاه في المدارس أو الجامعات، وإنما المقصود هو أجهزة الثقافة التي تخدم المراد بجدارة -التثقيف-، ومنها: الكتاب المطبوع، والسينما، والمسرح، والإذاعة، والصحف، والمجلات.
اقرأ أيضاً روايات الكاتب جمال الغيطاني.. تعرف على رواية الزويل وعلاقتها بحكم العالم
أولًا الإذاعة
ما من شك في أن الإذاعة قد أصبحت اليوم أقوى جهاز تملكه الإنسانية في نشر الثقافة والفن وتوجيه الشعوب، وخاصَّة بعد أن أخذت العديد من الفنون والآداب الشعرية في التراجع والانقراض، مثل: منشدي الملاحم الشعبية على الربابة، وخيال الظل والقراقوز، وصندوق الدنيا، وغيرها...
ويزداد تأثير الراديو؛ بسبب ارتفاع نسبة الأمية في العالم العربي، بالإضافة إلى فساد مناهج التربية والتعليم وأهدافها، كما أنه يمثل أقل الجهود في تحصيل الثقافة هو والسينما والمسرح، مقارنة بالقراءة التي تتطلب مجهودًا عقليًا وعصبيًا.
وبما أن الراديو تم اعتباره وسيلة لزيادة الثقافة، لا بدَّ الآن أن ننظر في مدى قدرة هذا الجهاز على تثقيف الناس، وما تقدِّمه الإذاعة من مواد ثقافية وأدبية وفنية.
1. المواد الثقافية
يقدِّم الراديو مواداً ثقافية في صورة محاضرات وندوات ومناقشات تتسم بالبساطة، إلا أنه يقع في خطأين كبيرين أثناء تقديمه هذه المواد، أولهما الإسهاب الضار في المادة؛ بحيث تختلط التفصيلات بالحقائق الكبرى التي يجب التركيز عليها، وثانيهما الغموض بسبب عدم تمكن المتحدث من المادة التي يتناولها بالشرح، وفي نفس الوقت إن تبسيط المعرفة لا يعني اختزالها أو اللجوء إلى الإيجاز المخل بالمعلومات.
2. المواد الأدبية
تقدِّم الإذاعة اليوم كمية كبيرة من الأشعار والقصص والمسرحيات وندوات النقد، ونلاحظ هنا أن الراديو بتقديمه للمسرحيات يعزز من أهمية النص الأدبي للمسرحية، ولا يدع حركات التمثيل أو المناظر تطغى على النص.
3. المواد الفنية
والراديو كما هو معلوم يقدم ألواناً عديدة من الفن كالموسيقى والغناء، التي من المفترض أن تجمع بين الفنون الفلوكلورية والفنون الحضارية.
اعتراضات على الراديو كوسيلة ثقافية
وجه اعتراض على الراديو بأنه لا يمكن أن يصبح وسيلة ناجحة للثقافة بحكم أن الناس لا ينظرون إليه إلا كوسيلة للترفيه، ويعترض نفر آخر من المفكرين بأن الراديو يقتل الفردية ويعمل على نشر روح القطيع في الجماهير.
وفي النهاية، يمكن اعتبار الراديو كوسيلة ثقافية مؤقتة، حيث نضع في الاعتبار أن الهدف النهائي هو محو الأمية والترغيب في القراءة، حتى نستطيع بواسطها أن نقضي على الأمية العقلية.
اقرأ أيضاً لغز اختفاء بوني وريتشارد جامبوا.. قضايا تم حلها
ثانيًا السينما
بعد الراديو تأتي السينما في المكانة الثانية لأجهزة الثقافة من حيث اتساع انتشارها وإقبال الجماهير عليها.
والسينما في حرصها الشديد على جذب الجماهير نراها تجمع في الفيلم الواحد بين عدة فنون موسيقى ورقص وغناء وتمثيل ومناظر، وهذا الأمر ينتج عنه تشتيت للانتباه والتركيز.
وفيما يخص جانب التثقيف، نرى أن السينما أبعد ما يكون عن التثقيف، فلا يتم اعتبارها إلا وسيلة للتسلية والترفيه، باستثناء بعض الأفلام الإخبارية التي تقدِّم المعرفة بأسهل السبل وأدقها، وبالتالي فإنه يمكن اعتبارها خيرة فعالة في نشر الثقافة إذا أُحسن استخدامها.
اقرأ أيضاً القراءة.. هل هي هواية أم ضرورة في حياتنا؟
ثالثًا المسرح
من المعروف أن نشأة المسرح ارتبطت بخدمة الدين وطقوسه عند اليونانيين القدماء، ثم تطور الأمر لمناقشة المشكلات الاجتماعية التي تعالج حياة الإنسان وسلوكه.
وانقسم المسرح إلى نوعين من الفنون:
1- فن التراجيديا: الذي يستمد موضوعاته في حياة الملوك، وغالبًا تستعمل به اللغة العربية الفصحى.
2- فن الكوميديا: الذي يستمد موضوعاته من حياة العامة، وغالبًا تفضل به اللغة العامية.
لكن للأسف المسرحيات الهزلية أصبحت تسيطر على المسرح في الوقت الحالي، لهذا نحتاج ألا نوليها اهتمامًا كبيرًا إذا كنا نريد اعتبار المسرح كوسيلة ثقافية.
رابعًا الصحف والمجلات
تعتبر الصحافة السلطة الرابعة في الدولة، خاصَّة بعد أن أصبح لها نفوذاً قوية تؤثر بها على الرأي العام وتوجهاته.
يميل أكثر الباحثين لتقسيم الصحف إلى نوعين:
1- صحف إخبارية: يغلب عليها نشر الأخبار.
2- صحف رأي: وتنقسم إلى 3 أقسام:
1- صحف محايدة: هي الصحف التجارية التي لا تهتم بمشاكل البلاد، وكل همها التسلية والترفيه.
2- صحف مستقلة: هي الصحف التي لا تلتزم بمذهب سياسي معين، وتحتفظ باستقلالها في الرأي في الحكم على القضايا العامة.
3- صحف مذهبية: هي التي تتبع حزباً أو مذهباً سياسياً معيناً وتسعى لخدمته.
وهنا يجد المفكرون أنفسهم في حيرة كبيرة بالنسبة لتأميم الصحافة أو عدم تأميمها، فهم يخشون من سيطرة الدولة إذا دعوا فكرة التأميم، وفي الوقت ذاته يخافون أن يستغل رجال الأعمال الجشعين حرية الصحافة لمصالحهم إذا لم يتم تأميمها.
مدارس الصحافة
تنقسم مدارس الصحافة إلى مدرستين:
- مدرسة تؤمن أن الصحافة رسالة ثقافية وتوجيهية وأخلاقية يجب أن تؤديها.
- مدرسة ترى أن الصحافة تجارة هدفها كسب المال.
المجلات
المجلة وسط ما بين الجريدة والكتاب، تسعى أن توضح حقبة من العالم وتظهر كل 15 يومًا، وهي لازمة لحفظ التوازن العقلي، وتلعب دورًا كبيرًا في نشر الثقافة وتسجيل الإبداع والابتكار.
خامسًا الكتاب
تُعدُّ الكتابة من أكبر الانتصارات الإنسانية التي عملت على حفظ التاريخ البشري وإرثه الثقافي، ولا يزال الكتاب المطبوع يعتبر في العالم أجمع الوسيلة الأولى للتثقيف الحق.
ومن الأسباب التي ستجعل الكتاب يحتل الصدارة من جديد كوسيلة ثقافية:
- أن شعوب العالم قد تنبهت لخطر الأمية وتسعى الآن لمحاربتها، لتحقيق كل نهوض صحي واجتماعي ومادي.
- أن الخط الفاصل بين العمل العقلي والجسمي أخذ في الزوال، لدرجة أن العمل العضلي قد يختفي في المستقبل وتحل محله الآلات؛ لذا بالضرورة أن نركز على النشاط العقلي ولا سبيل سوى بالثقافة.
لذلك ينبغي أن ننظر إلى كيفية إنتاج الكتب التي نحتاجها للتغذية العامة، كما يجب أن ننظر إلى توزيع هذا الغذاء، وتمكين الاستفادة منه، وكل ذلك يحتاج إلى العلم والثقافة، وتًعدُّ اللغة الأساس الأول في الحصول عليهما، لذا ينبغي الاهتمام بلغتنا الفصحى كأول الطرق للوصول للثقافة.
وختامًا لتفعيل عمل هذه الأجهزة يجب الاهتمام بتربية الأبناء على أن القراءة هي غذاء الروح، وقشة النجاة من مصاعب الحياة، وأن الكتاب لا يقل أهمية في حياة الفرد عن رغيف الخبز، حينها يمكن أن نطلق على أنفسنا أمة مثقفة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.