رواية ملذات طوكيو للكاتب دوريان سوكيغاوا، نُشرت أول مرة عام 2014، هي رواية بسيطة الصياغة، شاعريَّة ومؤثِّرة تأثيرًا كبيرًا، فمن يستطيع أن يُخمِّن أن اللقاء بين الشخصيتين الرئيستين: سينتارو الذي كان يعمل مع إحدى عصابات الياكوزا، ويوكي ياشي عجوزٌ تمتلك أصابع معقوفة ومشوَّهة.
وأنَّ تلك الصفحات الأولى الطويلة الشَّرح والتفصيل لكيفية صناعة إحدى الحلويات التقليدية اليابانية المسماة "الدوريا"، وهي فطائر ذات ملمس مقرمش وحشوة حلوة من الفاصولياء، يمكن أن تفضي إلى سرد قضية ذات أهمية بالغة في المجتمع الياباني، وكذلك ما لها من دلالات وإسقاطات فكرية، فلسفية، وإنسانية على دول العالم أجمع.
نظرة عامة على الرواية
هي دفاعٌ هادئ وقوي ضد التمييز والتحيُّز، إذ طرح سوكيغاوا المرحلة التاريخية والاجتماعية بطريقة قوية وحازمة وحكيمة، دون أن تنقصه الحجة في الإقناع والتوضيح والقدرة على إثارة العنصر الإنساني في قلوبنا.
تتناول الرواية قضية التحيُّز والتمييز اللذين لا يزالان موجودين ويمثلان أيضًا مشكلتين شديدتي الخطر في المجتمع الياباني حتى يومنا هذا، نتيجة عدم كفاية المعرفة بشأن مرض الجذام (داء هانس)، وهو مرضٌ معدٍ تسببه بكتيريا عصوية تُسمَّى "عصية الجذام"، وتؤدي هذه البكتيريا إلى فقدان الإحساس في الأعصاب الطرفية في اليدين والقدمين وأجزاء أخرى من الجسم، وتؤدي في مراحل متقدمة إلى تشوهات وفقدان الأطراف والحواس كالبصر والسمع.
فمنذ أوائل القرن العشرين، اعتمدت الحكومة اليابانية سياسة عزل الأشخاص المصابين بالمرض وإجبارهم على الإقامة في المصحات. إضافة إلى ذلك، تعرَّض المرضى لإجراءات التعقيم والإجهاض بموجب قانون حماية النسل السابق، ولم يُلغَ قانون الوقاية من الجذام حتى عام 1996، لكنه حتى بعد إلغاء سياسة العزل، لم يتمكن عدد من المرضى السابقين من العودة والاندماج في المجتمع، ولم يكن أمامهم سوى البقاء في المصحة.
ووفقًا لوزارة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية، توجد 13 مصحة وطنية ومصحة خاصة واحدة في اليابان، تضم ما مجموعه 750 شخصًا (حتى 1 أيار 2024).
من أكثر الأمور التي استوقفتني عند قراءة هذه الرواية هو الحديث عن صورة فوتوغرافية موجودة في المتحف الوطني لمرض الجذام، تُسمَّى "القراءة بواسطة اللسان".
تصوِّر هذه الصورة أحد المرضى في مرحلة متقدمة من المرض، بعد أن فقد أطرافه العلوية والسفلية، كما فقد حاسة البصر والسمع واللمس فيما تبقى من جسده باستثناء لسانه، فما كان من هذا الشخص سوى تلمُّس أحرف بريل للمكفوفين بواسطة لسانه، هنا تستطيع أن تشعر بمدى محدودية وتفاهة مشكلاتك اليومية أيًّا كانت، ولا يسعك إلا أن تخجل من ضعفك واستسلامك في كثير من المواقف.
دروس مستفادة من الرواية
بعد قراءة هذه الرواية، حاولت أن أفهم جاهدة لماذا حاول هذا الشخص أن يقرأ حتى اللحظة الأخيرة؟! كيف استطاع ذلك؟! لذلك، وفي كل مرة أواجه فيها عقبةً ما أو مشكلةً ما، وعندما أشعر بالحزن والسخط وقلة الفرص وأرغب في الاستسلام، أعود لأستذكر هذه القصة.
إن كان هذا الشخص قد آمن حتى اللحظة الأخيرة بأهمية ما يفعلهُ، فأنا كذلك سأفعل، قد يبدو العالم من حولك على وشك الانهيار؛ هو كذلك ببساطة في مخيلتك فحسب، كن قويًّا وانظر نحو الأشياء الصغيرة المحيطة بك التي تجعل لحياتك معنى.
هذه الرواية تشتمل على جميع العناصر الأساسية التي تدل على مهارة الكاتب، ألا وهي: التسلية، الفن، والتثقيف، وهذا ما يجعل هذه الرواية كتابًا مهمًا بالنسبة إلي، وقراءةً لا تُنسى، وتذكيرًا بمدى أهمية الأدب والروايات والفن، ليس فقط مادة للتسلية، وإنَّما عنصر مهمّ للتوعية والتعلم والانفتاح وتعزيز الإنسانية.
رواية شيقة ... مشكور على الملخص ..
جميل احسنتى اتمنى. إن تتابعينى
لم أقرأ هذه الرواية ولكن من خلال كتابتك عنها أحببت فكرتها وسأنوي قراءتها، سرد ممتاز يا ملاذ سلمت أناملك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.