من المعلوم أن إسبانيا كانت تحتل معظم بلاد أمريكا الجنوبية ومنها دولة بيرو، وفي بيرو توجد جبال الأنديز، وبسبب بطش الإسبان بأهل البلد، بدأ الناس بالهروب من القرى والمدن والنزوح إلى سفوح الجبال وإلى الوديان، وإلى كل المناطق النائية، ومن هؤلاء هربت مجموعة من السكان المحليين إلى وادٍ مجاور لجبال الأنديز.
وبعد استقرارهم في تلك المنطقة حدثت عوامل جوية كثيرة أدت إلى عزل المنطقة التي يقيمون فيها عزلًا تامًا، ومع ازدياد السكان تكونت قرية يقيم بها هؤلاء السكان، وبعد مدة من الزمن أصاب أهل القرية مرض غريب ليس له علاج، عندما يصيب الإنسان يؤدي إلى فقد نور عينيه، وبدأ هذا المرض بالانتشار بسرعة كبيرة بين أهل القرية إلى أن أصيبوا كلهم بالعمى.
وبعد أن تحقق أهل القرية أنهم جميعًا أصبحوا مكفوفين، قرروا عقد اجتماع بينهم؛ لبحث هذا الأمر شديد الْخَطَر، وكيف سيتعاملون مع بعضهم وكيف سيقضون يومهم، ومن أين ينفقون؟ وماذا سيعملون؟
وفي نهاية الأمر قرر الجميع التعايش مع ظروفهم والتكيف معها، ورتبوا أمور حياتهم بطريقتهم الخاصة، ووزعوا الأعمال فيما بينهم، وأصبحت حياتهم تسير بنظام يومي حددوه بانفسهم، وفي يوم من الأيام كان يوجد مستكشف بريطاني اسمه (نيونز)، وكان يهوى تسلق الجبال، وفي أثناء تسلقه جبال الأنديز هوت قدمه من أعلى الجبل ليسقط في واد عميق، وفي أثناء سقوطه ظن أنه هالك لا محالة، لكنه وقع فوق شجرة تكسوها الثلوج، فتعلق بها حتى الصباح.
وفي الصباح وهو يحملق بعينيه، إذ به يرى قرية فيها سكان، فقرر أن يذهب إلى أهل القرية؛ ليمكث معهم بعض الوقت، حتى يقرر ماذا سيفعل فيما بعد، لكن في أثناء تجوله في القرية رأى أبنية القرية دون شبابيك ولا أبواب، وغير منظمة، ومبنية بطريقة عجيبة، ومطلية بألوان صارخة وغير متناسقة، فقال في نفسه: ما هذه القرية العجيبة؟ ومن أهلها؟ هل هم من الإنس؟ أم من الجن؟
فقرر الاقتراب منهم أكثر، ونادى عليهم بصوت عال، لكنه لاحظ أن أحدًا لم يلتفت إليه، فبدأ يشك في نفسه أن من يحدثهم قد يكونوا عُميًا، فاقترب من مجموعة أخرى ووجد النتيجة نفسها، ففهم أن أهل هذه القرية كلهم غير مبصرين، فذهب إلى بعض أهل القرية وطلب منهم أن يسمعوه، فوافقوا، فبدأ يحدثهم أنه مبصر وأن سكان بلدته كلهم مبصرون، وبدأ يحدثهم أنه يرى بعينيه، وأن الإبصار نعمة كبرى.
فلم يصدقوه واستنكروا عليه كلامه، وأخذوا يسخرون منه، بل واتهموه بالجنون، وحاولوا أن يعتدوا عليه، لكنه لاذ بالفرار منهم، وحاول الصعود إلى الجبل؛ لكي ينجو من هذه الحياة الكئيبة، لكن محاولته الهرب باءت بالفشل، فعاد إليهم، لكنهم عاقبوه بجلد قدميه، وفي أثناء وجوده بينهم رأى فتاة عمياء مثلهم أعجب بها وقرر الزواج منها.
لكنهم اشترطوا عليه من أجل الموافقه على الزواج، أن ينزع عينيه من وجهه؛ ليصبح أعمى مثلهم، ففكر في الأمر جيدًا، وكان على وشك الموافقة على شرطهم، لكنه راجع نفسه بعدها، وقال في نفسه: لم أفقد نور عيني وأظل أعمى طيلة حياتي؟
يا ترى كل هذا من أجل فتاة عمياء، لم لا أحاول مرة أخرى وأهرب من هذا الجحيم؟ فقرر حينها أن يحاول الهرب للمرة الأخيرة، لكن المحاولة نجحت هذه المرة وصعد إلى الجبل، ونجا بحياته منهم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.