مصطلح «المقلب» مصطلح فولكلوري، ابتدعه الشعب للتعبير عن الأماكن التي يتم فيها تجميع القمامة، ويسمونه «مقلب زبالة»، ولكن شاع استخدامه أكثر فيما بعد للتعبير عن السقوط في فخ الخداع.
حينما كانت الأخلاق لا تزال في ثوبها البهي، كان الهدف من وراء «المقلب» هو اصطياد الضحية في لحظة عدم تركيز، دون تجريح أو تحقير بين صاحب «المقلب» وصانعه، لا سيما إن وُجدت دالة وود بينهما تجعلان الدافع من وراء ذلك مقبولًا ومحمودًا.
بعد سنوات، صار «المقلب» بيزنس، وتفنن صانعوه في إظهار عفوية وطيبة قلب وحسن نية الضحية على أنها جميعًا مرادفات للجهل والغباء. بل وصل إلى حد المس بالكرامات والأسرار المنزلية والعائلية، بصرف النظر عن مردوده على الأهل والأقارب والأبناء والجيران، وصار الهدف رخيصًا، دنيئًا، ماليًّا بحتًا، متعطشًا للشهرة.
أعترفُ وأقرُّ، أنه صار تقريبًا الأكثر مشاهدة، وامتلأت به منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية، فصارت مهنة الذين بلا مهنة، وحلم صغار النفوس. سترنا الله، لكن العبد يأبى أن يستر نفسه، فصارت «المقالب» في الشوارع والمطاعم والمقاهي والنوادي حتى في بيوت العلم، أصبح كل شيء مُباحًا: تنمر، نميمة، كذب، وتحايل، ما دام يوجد من يوزِّع الإعجابات ويتابع بالملايين متلهفًا على المشهد الأقوى.
ذات مرة، وأنا أعبر الشارع، رأيت شخصًا مزمعًا أن يرمي «مفرقعات وشماريخ نار» إلى جانب سيدة تبيع الخبز في الشارع -وقد تجاوزت الستين من عمرها- ورفيقه يحمل الموبايل متهيئًا لتصوير حالة الهلع والخوف التي ستنتاب بائعة الخبز لحظة اشتعاله. ولو قُدِّر أن يكتمل هذا المشهد السخيف، لكانت السيدة ترقد في العناية المركزة في ذلك اليوم، لولا أنني بادرت إلى تحذيرها، ومن ثم عاتبتهم باكية، لا حول لها ولا قوة.
العجيب أنه مؤخرًا، اتخذ «المقلب» نمطًا متقدمًا مغايرًا للسابق، ولمَ لا؟ فالهدف حقير، ينحصر في الأوراق الخضراء ذات العلامة المائية، إذ تبدلت الأدوار، فيخرجون علينا بتمثيلية اُتُّفِق عليها مع تجهيزها بعناية كي نصدقها، فصار الملايين من المشاهدين هم الضحايا، وأصحاب «المقلب» هم المتفرجون على سذاجتنا، ومن جنوا المكاسب اثنان: منتج (بلا أخلاق) ومقدِّم (زاحف) نحو الشهرة والمال عبر برنامج (قمامة) على شاشات متطورة وفي بيوت عصرية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.