مقارنات البوكر.. الحلقة الثالثة جائزة عام «2010»

كثر الحديث طوال السنوات السابقة عن جائزة البوكر العربية، ومدى استحقاق بعض الأعمال الفائزة، وأعمال مهمة استبعدت.

قناعاتي دائمًا بأن ذائقة القراءة تختلف من شخص إلى آخر لأسباب عدة؛ كطبيعة شخصية القارئ ومدى خبراته وتجاربه واطلاعه.

فقررت أن أقارن بين الأعمال الفائزة مع أعمال من القائمة القصيرة للعام نفسه، أحيانًا أختلف معها وكثيرًا ما أوافقها.

وتلك المقارنة الثانية لي بين أعمال جائزة البوكر، وهي عن عام 2010، وقد فازت في ذلك العام رواية (ترمي بشرر) للكاتب السعودي عبده خال.

اقرأ أيضًا: مقارنات البوكر الحلقة الأولى جائزة 2008

 ووصل إلى القائمة القصيرة لهذا العام عدد من الأعمال الرائعة، اخترت منها رواية (وراء الفردوس) لمنصورة عز الدين، ورواية (أمريكا) لربيع جابر، ورواية (عندما تشيخ الذئاب) جمال ناجي.

وأبدأ الآن بالحديث عن كل عمل على حدة وتقييمه.

الأعمال

1. (وراء الفردوس) للكاتبة منصورة عز الدين

السرد ضعيف ورتيب، وشخصيات الرواية لم ترسم جيدًا، وكلام كثير لا داعي له، لم أجد لغة رصينة أو متوسطة الجودة.

في المجمل العمل ضعيف، ولم يكن جديرًا من البداية للترشح إلى قائمة القصص القصيرة.

2. (أميركا) للكاتب ربيع جابر

هي رواية عن الحلم الأمريكي، فيوجد مكان على الكرة الأرضية يتيح المجال لمن يرغب في النجاح، الرحلة جميلة ومحفزة.

استخدم الكاتب لغة أقرب ما تكون إلى العامية، وطوعها لتليق بالعمل.

ربيع جابر دائمًا ما يأتي في مقدمة الكتاب الموهوبين في وطننا العربي بموهبته القوية، وتمكنه من أدواته.

(ميرتا حداد) بطلة عمل ملحمي بكل ما تعنيه الكلمة، قصتها ليست سيرة ذاتية، بل معاناة كل المهاجرين الأوائل من أوطاننا العربية إلى بلاد الغرب.

اقرأ أيضًا: مقارنات البوكر الحلقة الثانية جائزة عام 2009

3. (عندما تشيخ الذئاب) للكاتب جمال ناجي

دنيانا غابة ملأى بالذئاب، وكلما شاخت ذئاب لفظت الأرض ذئابًا جديدةً.

الجنس والسلطة الشهوتان اللتان يتكالب عليهما الذئاب من جنس البشر.

يسرد جمال ناجي في روايته (عندما تشيخ الذئاب) حياة حي من أحياء عمان الفقيرة، ورحلة حياة شريحة منهم صعودًا واندثارًا.

يطلعنا جمال ناجي على صورة حية للمجتمع الأردني بداية من الثمانينيات إلى ما بعد الغزو الأمريكي للعراق.

استخدم الكاتب أسلوب السرد على لسان كل شخصية من شخصياته الرئيسة عدا الشخصية المحورية التي أثرت في الجميع وتأثرت بهم، وهي شخصية عزمي.

شخصياته الرئيسة

- سندس رمز الجمال والرغبة، الكل عشقها، والكل تمناها، وهي لم ترغب إلا في عزمي.

- الشيخ الجنزير، رمز الدين وارتداء قناعه للوصول إلى السلطة والقوة والتحكم بالبشر.

- جبران المثقف اليساري الذي عانى الفقر والسجن بسبب أفكاره، حتى وجد المال، فأخذ طريق الثروة، واكتفى بما لاقاه في ماضيه من أجل أفكاره.

- البطل الأهم عزمي جمع بين الجميع وعلا على الجميع. 

الرواية تكشف بواطن الحياة في المجتمع الأردني، وتكشف عورات فقر فقرائها وجشع أغنيائها.

لغة الكاتب سهلة وبسيطة، وأسلوب السرد والتنقل بين الشخصيات كان سلسًا.

الرواية وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر في 2010 عن استحقاق وتحول إلى عمل درامي في 2019.

اقرأ أيضًا: البوكر العربية خارج الترند

4. (ترمي بشرر) للكاتب عبده خال

من يرغب في تعذيب نفسه وإجبار روحه على الخوض في مستنقع كبير مُمتلِئ بالقرف والشذوذ فعليه بهذه الرواية، ومن يستطيع إنهاء قراءتها فهو إما شجاع جدًّا أو مازوشي.

مقدمتي ليس معناها أن العمل الأدبي سيئ، بالعكس، فهي الرواية الحائزة على جائزة البوكر العربية لعام 2010، لكن يجب أن تعلم عزيزي القارئ أن الإحساس بالغثيان والتقزز سيصاحبك من أول ورقة إلى آخر ورقة.

أصدقاء كثيرون حذروني عند بداية قراءتي لها بأنها مؤلمة وقاسية، وستترك داخلي أثرًا لن يمحى بسهولة، وأظن أنهم بالغوا في الوصف، لو كانوا يقصدون بالقسوة والألم وجود الأفعال الشاذة التي ستلازمك طوال أحداث الرواية.

الفكرة بسيطة لو محونا كل العفونة الموجودة في الأحداث، وستكون أقرب إلى (السيميائي) لباولو كويليو، فالبطل يرحل في رحلة طويلة بحثًا عن الكنز، ليجد نفسه يعود إلى مكان بدايته ويخبرنا أن كنزه كان تحت قدميه، لكنه لم يكن يراه، وفي روايتنا هذه كل الأبطال تمنوا الرحيل عن حارتهم المسماة بحارة جهنم، والالتحاق بالقصر الذي أطلقوا عليه الجنة؛ ليكتشفوا بأنفسهم جنتهم الحقيقية، ويتمنوا الرحيل والعودة إلى حاراتهم، لكن كان عليهم أن يدفعوا ثمن ما اقترفوه من آثام.

عالمنا بشع، ونفوسنا نحن البشر مليئة بالعفونة.

«لم ننظر بتقزز إلى إفرازات أجساد الآخرين، ولنا مثل ما لهم من إفرازات مقززة؟».

وأصدقكم القول إنه رغم كل الأحداث، لكنني تعاطفت مع أبطال الرواية بعيدًا عن سيد القصر، وتذكرت مقولة الكاتب:

«السقوط هو القانون الأزلي، وكلنا ساقط، لكن لا أحد يتنبه إلى نوعية السقوط الذي يعيش فيه».

أعلم هذا، لكن الأفضل ألا أصدق أن الأحداث حقيقية رغم محاولة الكاتب في الفصل الأخير إيصال رسائل بواقعية الأحداث بلغة سرد سهلة، وهذا لا يقلل من موهبة الأديب.

أما الأحداث بدأت رتيبة في البداية، فقد أعطى الكاتب سردًا لخلفية كل شخصية من أبطاله، وكيفية نشأته قبل أن يلقي بهم في معترك أحداثه، وبالنسبة إلى حبكته فهي قوية ومترابطة.

لا أستطيع منحها خمسة نجوم، فالأساس بالنسبة لي في العمل الأدبي هو العمل الذي أستمتع به، حتى لو كان حزينًا ومؤلمًا، أو العمل الذي يمكن أن انصح أحدًا بقراءته، لكن هذا العمل أصابني فعليًا بالقرف.

ليس كل شخص قادر على قراءة عمل كهذا، فنصيحتي لكم هي أن العمل أدبيًا جيد، لكن لا تقرأه، وحسب ما أرى، العمل لا يستحق الفوز بالبوكر.

اقرأ أيضًا: جائزة البوكر للرواية.. كل ما تريد معرفته عن الجائزة الأدبية للرواية العربية

بعد تقييم الأعمال الأربعة من القائمة القصيرة اقتنعت بأن رواية (عندما تشيخ الذئاب) هي الأحق بالفوز بالجائزة، وتليها قصة (ترمي بشرر) فالعملان يعبران عن واقعنا المزري ومجتمعاتنا البائسة، لكن الفرق أن رواية (عندما تشيخ الذئاب) حققت المعادلة الأصعب، وهي عرض عفونة المجتمع مع إمتاع القارئ، أما قصة (ترمي بشرر) فلم تحقق لي الإمتاع وهو الهدف الأول للقارئ.

1. عندما تشيخ الذئاب لجمال ناجي.

2. ترمي بشرر لعبده خال.

3. أمريكا لربيع جابر.

4. وراء الفردوس لمنصورة عز الدين.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة