مصطلح العرب من المفهوم العرقي إلى الهوية اللغوية والحضارية

في عالم مشحون بالهوية والانتماء، لا تزال كلمة «عرب» مثار جدل بين من يراها توصيفًا عِرقيًا أصيلًا، وبين من يراها اصطلاحًا حضاريًّا لغويًّا مرنًا، ومع تعقُّد الخريطة السياسية واللغوية والثقافية للدول المنضوية تحت ما يُسمى «الجامعة العربية»، تبرز الحاجة إلى مراجعة المفهوم ذاته: من العرب حقًا؟ وهل يُمكن اختزال العروبة في النَّسب وحده؟ أم أن اللغة والثقافة والتاريخ المشترك تؤدي دورًا محوريًا في هذا التوصيف؟

تطور مفهوم (عرب) من العرق إلى الاصطلاح

في الزمن المُعاصِر صارت مُفردة «عرب» يُقصد بها اصطلاحًا وأساسًا تلك الدول الأعضاء في المنظمة المُسماة «الجامعة العربية»، وهي الدول الأساس التي تُعد اللغة العربية هي اللغة الوطنية الرسمية الأولى فيها، على الرغم من أن -عِرقيًا وقَوميًا وتاريخيًا- جُل تلك الدول لم تكن توصف بالعربية، على غرار دول بلاد الشام الكُبرى (فلسطين، الأردن، لبنان، سوريا)، والعراق، ومصر، والسودان، ودول بلاد الاتحاد المغَاربي في شَمال إفريقيا.

معنى كلمة عرب اصطلاحا

الجزائر وشمال إفريقيا أمازيغ وعرب بالتوازي

في الجزائر ودول بلاد شَمال إفريقيا على سبيل المثال، نُسب المُسلمون الأمازيغ «البربر» إلى اصطلاح «العرب»، إضافة إلى انتمائهم بالمُوازاة إلى هويتهم الوطنية الأصيلة الحُرة العريقة، وحالهم رمزيًا كما هو الحال مع «العدنانيين» في بلاد الحجاز حيث بلاد الحَرَمَين، فالنبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم القُرشَي العدناني هو مِن آل النبي إسماعيل الذي يوصف بأنه أبُ العربية الحديثة الفصيحة، على الرغم من الجزم بأنه أيضًا هو ابن النبي إبراهيم البَابِلي غير العربي! هذا الذي هو كذلك جَد النبي يعقوب العِبري! وكأنه يُقال النبي إسماعيل العربي ابن أبيه غير العربي! وهذا خلط لا يَستقيم إلا حين نعي أن «عرب» كان مُصطلَحًا وليس فقط عِرقًا.

المعنى اللغوي القديم (عرب) صفة لا عرق

ففي اللغات القديمة الأصلية قَبل أن تَتفرع وتتنوَّع، كانت مُفردة «عرب» تُقال مُرادِفًا لمَعنى: بَدوي أو حُر أو فصيح أو أصيل، بل حتى في الزمن المُعاصِر عند بعض القَومَيات تُستخدم مُفردة «عرب» على بعض الحيوانات وبعض الأغذية حين يُقصد أنها طبيعية وحُرة وأصيلة، حتى التأويل والمعنى في «القُرآن» حين يُوصف أنه قُرآن عربي مُبِين، فليس القَول هُنا في سياق العِرقية، وإنما المقصود أنه قَول جامِع فَصيح بَيِّن، وكثير من التَيَهان يَحدث بسبب توظيف مُصطلح «عرب» حتى في وصف أمور قديمة، كأن يُقال «العرب البائدة» و«العرب العاربة»، وكأن يُقال عن الفينيقيين أو عن الكنعانيين أنهم «عرب» في حين: «كنعان آل نوح» هو أصل قائم بذاته، كما يَقول العلاَّمة العِملاق ابن خلدون بشأن الشام إن فلسطين أبناء كنعان آل نوح، وشَمال إفريقيا أبناء مازيغ بن كنعان آل نوح.

من اللغة الأم إلى اللهجات.. أصل العربية والأمازيغية

حتى إن سلمنا بوجود شخص اسمه  «يعرب»، أو بوجود عشائر وقَوم يصفون عِرقهم بمفردة عرب، فإن هذه المفردة كثيرًا ما يتم توظيفها اصطلاحًا ومُرادِفًا لُغويًا لمعنى الجَمع، ومعنى الأصيل والفصيح، وفي هكذا سياق صار النبي إسماعيل أبًا للعربية الحديثة، وهكذا معنى حين يُقال إن النبي آدم تحدث العربية، أو إن لغة الجَنة هي لغة عربية، فليس القصد العربية الآنية المُتحدَّث بها، وإنما مُفردة «عربية» تعني الجَمع والفصاحة والبَيَان، وعربية النبي إسماعيل المُجدَّدة هي التي تفرعت من اللغات الأصل الجامِعة التي -اصطلاحًا- يخلط بعضهم ويَصفها بالعربية البائدة أو العاربة، في حين أن الوصف ذاك يُقصَد به المعنى اللغوي، وليس ما صارت تعنيه «العربية» حاليًا من كيان مُحدد قائم بذاته، وفي اللسانيات كثيرًا ما يُجزَم أن القحطانية والعدنانية والأمازيغية والكنعانية وغيرها، كانت من اللغة الواحدة الجامعة الأصل.

توحيد الفصحى: كيف تكونت العربية التي نعرفها؟

ومطلوب الانتباه هنا إلى صيغة التعبير، إذ نقول إن العربية الحالية والأمازيغية وغيرهما من أصل واحد، وليس أن الكنعانية والأمازيغية وغيرهما من أصل عربي بالمعنى الحالي الرائج لـ«عربي»! ومطلوب كذلك إعادة تذكير الناس المُعاصِرين أن «العربية الفُصحى» الحالية تم تقنينها وتوحيدها بَعد وفاة النبي مُحمّد صلى الله عليه وسلم بعُقود، وجُعل «القُرآن» أساسًا ومِعيارًا يُرجَع إليه في سياق تشكيل اللغة العربية الفُصحى الجامعة.

كيف تكونت العربية الفصحى؟

فالعربية قبل ذلك كانت لهجات مختلفة، كما هو الحال مع لهجات اللغة الأمازيغية مثلًا، إذ إنه ذاك هو الحال الذي كان قائمًا حينها، بل حتى ما صار يُسمى «الحرف العربي» اشتق في الأساس من «الآرامية»، وتم تبنيه وتنقيطه وتطويره، وتدريجيًا وجيلًا بَعد جيل راجت العربية الحالية، و تباعدت عن اللهجات واللغات القديمة، تلك التي كانت في الأصل اللغة الجامعة.

تجاوز المفاضلة العرقية نحو التنافس في الخيرات

وفي كل الأحوال، هذا الموضوع الفِكري واللساني والتاريخي يظل موضوعًا متروكًا لمزيد من البحث، والمطلوب من الناس فقط تجنب منطق «المُفاضَلة» والمُزايَدات بين شتى أنواع الناس في «العروبة»! أو في ما شابه، لأنه حتى تاريخيًا الأمور ليست كما يَتوهَّمُها بَعضهم، وطبعا كُل البَشر سَواء، أما التنافُس المَشروع فهو في الخيرات وفي الأعمال الصالحات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.