المنهج التجريبي هو: التغيير المتعمد والمسيطر على الظروف المحددة لحدث معين، عن طريق ملاحظة التفسيرات الناتجة عن ذلك الحدث، بقصد التعرف على العلاقات السببية بين الظواهر المختلفة وكيفية استخدامها.
اقرأ أيضاً رواد تبسيط العلوم في مصر- الجزء الاول
مفهوم المنهج التجريبي وأركانه
يُعرف البحث التجريبي أيضًا باسم: تغيير مقصود ومنضبط في الظروف المحددة للحقيقة أو الظاهرة موضوع الدراسة، وملاحظة التأثيرات الناتجة عن هذا التغيير على ذلك الواقع والظاهرة، أو ملاحظة تتم في ظل ظروف خاضعة للرقابة لإثبات الفرضيات وتحديد العلاقة السببية. والشروط المضبوطة تعني إدخال المتغير التجريبي إلى الواقع والتحكم في تأثير المتغيرات الأخرى.
أركان المنهج التجريبي
-
إن كل ظاهرة في الحياة، سواء أكانت ظاهرة سلوكية إنسانية أم ظاهرة عالمية، لها عوامل تؤثر في ظهورها أو تطورها أو إخفائها. وتختلف هذه العوامل في قوتها وقدرتها على إحداث تغيير ملحوظ في الظاهرة، ما يتطلب الوعي بالعامل صاحب التأثير الأكبر من أجل السيطرة عليه أو توجيهه. ومن أساليب فهم هذه العوامل وقياس مدى تأثيرها المنهج التجريبي الذي يقوم على الركائز التالية:
اقرأ أيضاً معلومات تعرفها لأول مرة عن الكيمياء والفيزياء وعلوم الكون
العوامل المؤثرة على المنهج التجريبي
العوامل المؤثرة: هي جميع العوامل التي تؤثر في الظاهرة أو الوضع محل الدراسة، وهذه هي العوامل التي ينوي الباحث السيطرة عليها:
العامل الخاص: وهذا هو العامل الذي نريد قياس تأثيره في الظاهرة.
العامل المعال: وهو العامل الناتج عن تأثير العامل المستقل ويسمى العامل الناتج أو المتغير الناتج.
الفرضية هي: عبارة تحدد العلاقة بين متغير مستقل ومتغير تابع، وتُصمَّم التجربة لإثبات أو نفي تلك العلاقة.
المجموعة التجريبية: وهي المجموعة التي تخضع للمتغير المستقل (التجريبي) لقياس تأثيره فيها.
مجموعة التحكم أو المجموعة الضابطة: وهي التي لا تتعرض للمتغير التجريبي وتبقى في الظروف العادية. وميزة هذه المجموعة بالنسبة للباحث أن الفروق بين المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة ناتجة عن المتغير التجريبي الذي تعرضت له المجموعة التجريبية، وهذا هو أساس الحكم ومعرفة النتيجة.
اقرأ أيضاً الفكر التربوي وآداب المعلم والمتعلم عند ابن خلدون
جابر بن حيان أول من اعتمد المنهج التجريبي
ومن أوائل المفكرين المسلمين الذين اعتمدوا على المنهج التجريبي هو جابر بن حيان الذي وضع أساليب في كيفية الاستدلال والاستنتاج، ويقوم منهجه على أن تثبيت الأشياء يتمثل في إثبات الغائب على الموجود والشاهد بإحدى الوسائل الآتية:
التجانس: ويسمى معنى التجانس (نموذجًا) لأنه يعتمد على الاستدلال بنموذج جزئي للوصول إلى قرار حول الكل، وهو ما يتوافق مع الحقائق المختارة في المنهج الاستقرائي المعاصر. يتضمن ذلك فحص ومقارنة النموذج الجزئي مع نموذج جزئي آخر لاستنتاج أن الكل مطابق له. لكن مستوى الأهمية هنا ليس مؤكدًا، بل تخميني بحسب ما يتعلق به، وقد يكون مشابهًا وقريبًا من النموذج، لكنه ليس مطابقًا لجوهره وقاعدته بكل الأوصاف والظروف. وهو نهج يحمل نتائج تخمينية تصل إلى حد اليقين حسب الموضوع. ومتى كان الدليل قويًّا ارتفع إلى اليقين.
العادة: وهي الأمور التي تحدث عادة وتتكرر في الظروف نفسها، والقياس والأمثال كثيرة، وهذا يعرفه استقراء القياسات، ويعرفها جابر بن حيان: بأنها التكرار من واقعة بعد أخرى. ولذلك فإننا نحكم بالشك على وجود علاقة بينهما، لا حكمًا يقينيًّا، ولا حكم ضرورة عقلية سببية. إن علمنا يقتصر على جمع الجزئيات، والعادة تحدث بالاحتمال وليس باليقين، وكسر العرف ممكن، وقد دلت الأدلة على أن كسر العرف يمكن أن يتحقق، كما حدث في النار التي أوقدت لحرق إبراهيم عليه السلام.
اقرأ أيضاً العلاقة بين التوسع السياحي والتخفيف من حدة الفقر
خطوات المنهج التجريبي:
ويمر المنهج التجريبي بمراحل مهمة يمكن توضيحها بما يلي:
-
الملاحظة العلمية: وهي الملاحظة الحسية المتعمدة والمنظمة والدقيقة للأحداث والظواهر والأشياء. وهي تختلف عن الملاحظة التلقائية أو الانتباه الذي يحدث دون نية أو تركيز أو دوافع محددة، وتسمى أيضًا الملاحظة الساذجة. الخطوة الأولى في استخدام المنهج التجريبي هي تحديد محور الملاحظة ومكوناتها، وكذلك تحديد غرضها وأهدافها.
-
أسئلة عقلية: تعكس مستوى الارتباك العقلي الذي يواجهه العقل في تأكيد الحقائق وإخضاعها للتدقيق. تمر العقلية الفلسفية بمراحل عندما تحاول البحث عن الحقيقة. تبدأ بشعورها بالارتباك العقلي، الذي يعبر عنه بأسئلة من الممكن الإجابة عنها، ثم تواجهها بفرضيات للإجابة عنها، تخضع بعد ذلك لتجربة، للتأكد من صحة إحدى الافتراضات ونقد حقيقة الأخرى.
-
وضع الفرضيات العلمية: وهي تلك التي يطرحها الباحث كونها إجابات محتملة عن الأسئلة التي تشغله لتفسير الأحداث الطبيعية أو البشرية. ومصدرها وأصلها هو الأسئلة العقلانية المطروحة حول المشكلة. فهو يضع فرضيات تمثل الإجابات المحتملة التي تتطلب اختبارًا تجريبيًّا. وهذه هي مرحلة التفسير والاستدلال التجريبي، وهي خطوة مهمة في الوصول إلى القانون أو القاعدة. ومن الضروري أن تخرج من الملاحظة وتخضع للتجريب والاختبار دون تناقض، كاملة ومترابطة.
-
تحديد مجتمع البحث، ثم اختيار عينة منه بطريقة منظمة أو عشوائية، على أن تتوفر المتغيرات الخارجية المراد التحكم فيها، وتقسيم عينة البحث عشوائيًّا إلى مجموعتين، واختيار إحدى المجموعات عشوائيًّا لتكون المجموعة الضابطة والأخرى المجموعة التجريبية.
-
إجراء اختبار مسبق لعينة البحث حول موضوع البحث.
-
تطبيق التجربة: وذلك بتطبيق المتغير المستقل على المجموعة التجريبية وإخراجه من المجموعة الضابطة. وهي مرحلة التحقق من الفرضية وإثبات قوتها وصحتها عن طريق استبعاد الفرضيات الأخرى بعد إثبات عجزها عن تفسير الظواهر والحقائق العلمية.
-
اختبار عينة البحث في موضوع التجربة عن طريق الاختبار البعدي.
-
تحليل النتائج والتعبير عنها كميًّا ووصفيًّا وتفسيرها بتوضيح الفروق وأسبابها ومبرراتها، ومقارنة نتائج الاختبارات القبلية والبعدية.
-
استخدام النتائج على أرض الواقع واستشراف المستقبل عن طريق إقرار أهم النتائج والتوصيات التي تمثل ضوابط وقواعد تحكم الظواهر الإنسانية أو الكونية.
-
لا يعتمد المنهج التجريبي على مجرد وصف وتحديد حالة الظواهر كما هي في الواقع، بل على إحداث الباحث التغيير المنشود في الواقع وقياس أثره، بعد تحديد المتغيرات المستقلة والمتغير التابع الذي عن طريقه نعرف سبب النتيجة، وهو ما يسمى بالمتغير التجريبي، وهو ما جعل منه منهجًا عالي التأثير.
-
وفي تقدم ونمو العلوم الكونية والاجتماعية والتربوية وفي فهمها، يرى معظم العلماء أن أعظم ما يمكن أن يفخر به العقل الإسلامي في عصر ازدهاره هو أنه وضع أسس المنهج التجريبي، بما في ذلك الملاحظات الدقيقة التي تتطلبها هذه الطريقة، وتسجيل هذه الملاحظات بنظام، ثم صياغة الفرضيات لتفسيرها، وإجراء التجارب للتحقق من صحة هذه الفرضيات.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.