في التراث العربي القديم قبل الإسلام لم يكن هناك مقال أو مقال .. والكلمة تعني .. فلو ذكر العبقرية في تعليقه اعتذر للنعمان وحاول دحض الاتهام بأنه مرتبط به وطرحه عليه. أعداؤه:
مقال قلته: سأفهمه ، وهو بمحض إرادتي رائع
ومعنى هذا القول ... وإذا قال الجاهلي أو العربي في أيام الإسلام الأولى: هذا قول صحيح ، فما نريده اليوم هو ما نريده من تعبيرنا: هذا بيان الحقيقة أم الحقيقة.
اقرأ أيضًا " الأدب في عصر صدر الإسلام" لطلاب المرحلة الثانوية
مفهوم المقال
نحن لا نقع في القرآن الكريم، ولا في الحديث الشريف، ولا في ما تركته لنا هذه الفترة الأولى غير هذا الاستخدام لهذا المصطلح.
المقالة إذن -أو المقال- مركزية لهذا الاستخدام العربي لها - الخطاب الشفوي، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنطق، آخر العصور التي نعيش فيها أو نعيش في أجزاء منها، وهذا يعني الكلام المكتوب، وقد أدركنا أكبر الفروق في استخدام هذا المصطلح بين القديم والجديد.
وليس في وسعنا، حاليًّا في مجال ضيق، تكريس أنفسنا لدراسة متأنية لتطور الكلام.. لكننا نجد أنه في حياتنا الثقافية الأولى، بهذا المعنى، كان جزءًا لا يتجزأ من هذه الثقافة.. ثقافتنا في الغالب كانت مبنية على الرواية.
فالمقال كان كلامًا منطوقًا، ثقافتنا كانت في الوفرة المطلقة للشعر، أو أي شيء يتعلق بالشعر من هنا أو هناك، لذلك نحن فقط كان له أقل قدر من النثر، وهو نثر شفهي على أي حال: خطب أحيانًا، ومشاحنات وتفاخر في أوقات أخرى.
ومع الإسلام يتغير كل شيء في الروح العربية من عقيدة وطموح ورسالة، وفي الحياة العربية، والتلاقي والوحدة داخل الجزيرة، والانطلاق والانفتاح على الخارج.
والقرآن الكريم كتاب الدعوة يكشف عن نفسه على أنه كتاب معجز لا للشعر، بل يحمله الشعراء وينزل نثر جديد، ويوشك أن يكون جديدًا في كل شيء، بلغتها ومصطلحاتها وتعابيرها وصياغة جملها وأغراضها وأفكارها.
فالدولة الجديدة تتأسس؛ لذا فهي بحاجة إلى نثر؛ لأن الدولة لا تقوم على الشعر، ولأن الشعر بكل رموزه ومعانيه فيه، بكل صنوفه وروحه، قد لا يكون كافيًا لهذه الحياة الجديدة ووضوحها.
وكان هذا التحول من الشعر إلى النثر اتجاهًا لازدهار بلاغي في بداية الرحلة، وازدهرت الكتابة فيما بعد على طول الطريق.
والذي ازدهر في النثر كان ذلك النوع من الأدب الذي نسميه حروفًا.
اقرأ أيضًا المنهج البنيوي في النقد الأدبي
الفرق بين الرسالة والمقال
هل الرسائل التي تلقيناها تشبه المقال؟
هل رسالة عمر في عهد الراشدين لأبي موسى الأشعري مشابهة لمقال؟
هل رسالتا عبد الحميد بن يحيى وابن المقفع في العصر الأموي مناسبة لتكون شبيهة بما نسميه الآن المقال؟
وقد لا يكون من المجدي قراءة أوجه الشبه أو الخلاف بينهما.. أو التنافس لاستخراج ملاحظات حول العلاقة بين الأطروحة في هذا المفهوم والمقال بمفهومها المعاصر، أو قطعها.
أشكال النثر التي تتلاقى وتتفرق تحمل مظاهر الانفصال والتقارب، تارة تتراجع وتارة تتشعب.
رسالة عمر في القضاء موضوع محدد يدخل الحياة الجديدة، فيكتب عمر هذه الصفحات ويرسلها لعامله أبو موسى أو عماله، ورسالة عبد الحميد إلى الكتاب موضوع فرضه تنظيم الحياة الجديدة؛ لذلك يجمع عبد الحميد آراءه وملاحظاته التي يصوغها بهذه الصيغة.
ورسالة عبد الحميد للشطرنج، لا تثار إلا بحقيقة أن الناس قد فتنوا بهذه البدعة الجديدة، فتنة توشك أن تشتت انتباههم عن عملهم، فتضطر الدولة للتعامل مع هذا الأمر والكتابة عنه، قراءة أو ترجمة أو ممارسة الحياة كتب عنها.
لكن خطاب عبد الحميد إلى عائلته عندما هُزم أمام مروان كان موقفًا شخصيًا وشخصيًا واجهه الرجل، لذلك كتب هذه الرسالة المؤثرة التي تتأرجح بين الأمل واليأس، أحدهما يقتل دعائمه، طقوس في كل كلمة أو جملة.
وهذه الرسائل قريبة من كونها مقالات، أحيانًا تكون مقالات طويلة، ستكون دراسات للأفكار الناشئة أو واقع جديد، وأحيانًا تكون مقالات قصيرة، ستكون علاجًا فوريًّا لحدث يومي عاجل.
بعض هذه "المشاركات - المقالات" موضوعية، وبعضها غير موضوعي، ومنهم مَن يميل إلى أن تكون الفكرة وحدها هي التي تتحكم فيهم، ومنهم مَن يتعاون فيها متطلبات الفكرة وطرق التنفيذ لتشكيلها على هذا النحو وكذا.
اقرأ أيضًا أهمية القراءة وعلاقتها بالتفكير
بداية المقال المكتوب
ولكن هذه كلها، مع ذلك، أشياء مكتوبة لا تخرج من الشفاه. يتطلب الأمر أن تكون الأشياء المكتوبة نتيجة شيئين: الإطفاء واللين.
الكاتب بطيء حينها: روحه وأدائه، إنها خطوة كبيرة جدًّا على طريق المقال المعاصر: الموضوع الذي يشغل العقل، أو الحادثة التي تملأ القلب، إلى العاطفة في الحياة العاطفية والحياة العقلية.
وفيها الخلاص للتعبير عنها بنوع من الأداء -الذي يجمع أو يجب أن يجمع- بين ثراء الفكر ومتعة الروح وجمال العرض، يمكن أن تكون طويلة أو قصيرة حسب عديد من الظروف والمناسبات.
هل كانت هذه بداية المقال المكتوب؟
هل وُلدت المقالة العربية في أحضان هذه الرسالة؟ هل كانت هي؟
مع حركة الثقافة الإسلامية وتقدمها، تنمو "الرسالة - المقال" بطريقة ما.. وتخلق المقالة فرعًا جديدًا في شجرة النثر بطريقة أخرى.
· أما ازدياد "الرسالة - المقالة" فنلاحظها من ناحيتين:
معنى "الرسالة - الفكرة" سواء كانت هذه الفكرة مجردة أو سياسية أو اجتماعية كما في حروف الجاحظ.. إنها الرسالة التي تأخذ نقطة انطلاقها وهدفها موضوع تعامل أو فكرة أنه يدرسها.
واتجاه "الرسالة - الذات"، وهي الرسالة التي تنبع من حياتنا الشخصية، والتي هي في النثر العربي مسار رسائل الإخوان.
· أما الفرع الجديد الذي نشأ والذي يحمل اسم المقال صراحة، فهو ما كتبه أصحاب المذاهب المختلفة، مبدين آرائهم، ودعوتهم، وتعرضوا فيها خصومهم بثغرة أو تزوير، في ثقافتنا الإسلامية عديد من الأمثلة على هذه "المقالات"، مقالات الأشاعرة، مقالات للمعتزلة و...
والمقال الآن، بهذا الشكل الجديد الذي يتخذه، على وشك أن يقتصر على الآراء والمذاهب والطوائف، أعني على المستوى الفكري، البحث الذي يتعلق بالمعتقدات: عرضها ودفاعها وحججها الحب.. ولكنه يدل على شيء جديد آخر هو الدعاية أو النية.
في السابق، لم تكن الرسالة الموضوعية أو الذاتية هي الدعاية الواسعة النطاق والهدف الرئيس لها، والتي تخاطب الجماهير العريضة وتتواصل مع الجماهير.
باستثناء رسائل الدولة التي كانت موجهة لعامة الناس، ولكن المقالة المتعلقة بالعقيدة، كان من أهدافها هذا الانتشار أو هذه الشعبية.
وهكذا في الحياة العملية، يرتبط بين المقال والنشر، يأخذ المقال المقال، والاختلاف والمذاهب، ويمتد بينه وبين بعض خصائص المقال المعاصر: للوصول إلى الناس أو إلى عدد أكبر مما تستطيع الوصول إليه.
وها نحن مع أزمنة الطفرة.. في مجال المقال أو شيء مشابه للمقال، واتباع الطريق لبداية النهضة لا يأتي بشيء جديد على هذا،وقد تكون تلك الكلمة، يبدو أقل انتشارًا، لكن معناه لا ينحرف عن تلك الأشكال التي كنت أشير إليها، حتى أقل مما كنت، كانت علامة الضمور هذه علامة على الضمور الثقافي ككل.
اقرأ أيضًا النقد والنهضة الأدبية.. فن نحتاجه لمواجهة الركود الأدبي
المقال في العصر الحديث
ومع العصر الحديث تتقارب آفاق جديدة وواسعة.. المطبعة، هذا الاكتشاف الرائع، هي التي رسخت هذه الآفاق، والصحافة هي التي استكشفتها.
والربط بين المطبعة والقال كان الصحافة في الغرب، ونقلها إلى الشرق هو الذي أعطى المقال معناه الجديد، وأعطاه خصائصه وحدوده.
البدايات الأولى للصحافة في العالم العربي هي البدايات التي ظهرت في ظل الحكومات، "الوقائع المصرية" على سبيل المثال.
كانت صحيفة رسمية تنشر ما يرتبط بالحكومة الجزائرية، "Le Missionnaire" كانت الصحيفة التي أنشأتها فرنسا في الجزائر، لم يقتصر التبشير، أو من أمثالهم، على الأحكام والقوانين، بل تجاوزوا ذلك حتى تم نشر بعض المقالات في العلوم أو العلوم، عن المدارس: "التبشيرية"، وبعض قصائد "شوقي في الوقائي".
أشياء من هذا القبيل توجد في هذه الصحيفة أو تلك، وكأن المقال العربي بالمعنى الفعلي لهذا المصطلح قد بدأ رحلته في صفحات هذه الصحافة الرسمية، ليجد مكانه بعد ذلك في الصحافة الحرة.
الارتباط بين الصحافة والمقال على وشك أن يكون رابطًا عضويًّا كاملًا، وقد أدى الحذر إلى المقالة، والمقال هو أحد الجوانب الرئيسة للصحافة، الرأي، وفي سياق الأخبار أيضًا؛ لأن الأخبار التافهة تتطاير بفعل الريح، فالأخبار القيمة هي التي تُعلم المقالة وتستند إليها.
هل يمكن أن نقول إن المقال الأدبي وُلد ولادة جديدة مع ظهور الصحافة، وأصبح مشهورًا بإصداراتها، وهل نستمر في هذه المقارنة لنقول إنه تأثر بها أيضًا وخضع لها ومارس عليها سلطة كبيرة؟
اقرأ أيضًا لماذا التاريخ سياسي فقط وليس ثقافيًا واجتماعيًا؟
التعريف المبسط للمقال
باختصار، أود أن أشير إلى أن كلمة "حاول" تعني في الأصل "تجربة"، في تجربة تهدف إلى تحقيق هذه الفكرة، تكتمل بأحاديث متتالية عنها أم تجديد علاجها، سواء كانت نقدية أم مقبولة أم غنية أم مجردة.
فالمقال إذن، بأبسط المصطلحات، بعيدًا عن حدود التعريف، هو التعبير عن موقف، أو فكرة مستوحاة من حدث، أو مستخرجة منه أو معالجة له.
لقد تجاوز الكاتب نفسه إلى مجتمعه، والجمهور الذي يقرأه، ومقدر لهذا الجمهور أن يكون جزءًا من هذه الفكرة، أو نشرها معه، أو مشاركتها معه.
ونحن الآن في الحقيقة في وجه عنصرين: الموقف - الفكرة... والقارئ - المجموعة أو الجمهور...
لا يمكننا تمثيل مقال دون فكرة تدعو إليه أو موقف يستدعيه. تمامًا كما لا يمكننا تمثيل مقال بدون جمهور أو مجموعة موجهة إليه.
ولكن هذا المقال لا يمكن بثه أو تقديمه دون بعض شروط الأداء، يجب وجود فستان أدبي يغطيه، يجب أن توجد إثارة للفكرة، ويجب أن يكون فوقها رأي مرح.
هذا الرأي أو لهذه الفكرة المتمثلة في إيجاد طريقها للناس عن ظهر قلب، قد لا تجدها، وقد تكون فوق ما تجده بالروح.
الشكل الأدبي هو الثوب المميز لهذه المقالة، وهو أنه إذا تخلى عنها، فإنه يتخلى فيها عن صفة أساسية وشخصية رئيسة في طبيعته.
اقرأ أيضًا أدب الرسائل.. رسائل يحيى حقي لابنته
أقسام المقال الأدبي
ويمكن أن يتخذ هذا اللباس الأدبي أشكالاً مختلفة.. فليس من العدل أن يكون هذا الثوب الكامل شيئًا.. أن يحتوي على كل عناصر الأدب، وأن هذه العناصر تغطي كل جمل وأقسام المقال.
كلها أوهام، الصور الممزقة، الهياكل والأساليب، الإعجاب، المشاعر العاطفية والمشاعر، ودع كل كلمة وكل فقرة تدخل فيها، الإلهام الذي خلفته الحروف القديمة والمقامات.. قد يكون هذا، أو جزء منه، هو الذي تغلب على فترة من الفترات التي مرت بها المقالة الأدبية.
ولكن من المؤكد أن المقال يكتسب هذه الخاصية، ليكون المقالة الأدبية، يكفي وجود أحد هذه العناصر التي تمنحها هذه الميزة الأدبية: النهج الجديد، أو العرض الأنيق، أو الانفعال، أو عدم الثقة، أو السخرية الخفية، أو الخيال المثير... جزء من ذلك، أو جزء منه، من كل ذلك، يكفي لمنح المقالة تلك الجودة.
أخيرًا، يجب أن يُقال إن المقال الأدبي لا يعني إذن في حالة المقال الذي يتحدث عن الأدب، ولكنه يقصد به المقال الذي يقال في أي موضوع من أمور الحياة، في أي من أغراضه، في أي مجال السياسة أو المجتمع أو الآداب أو الدين، منغمسًا في أرض التكاثر الأدبي، أو في أي جزء منها، مزينًا بإحدى شاراته أو بعض أشيائه.
وفي ما أقوله عن المقال الأدبي، أريد عمدًا أن أتجاوز التعريف الضيق والحدود الصارمة... ليس فقط لأنه صعب، ولكن لأن المقالة الأدبية في الغرب من كونها أصلية، وفي الدول العربية كونها سادت وانتشرت؛ لا تحكمها تعريفات دقيقة، وتختلف بعض مفاهيمها بين الكتاب أنفسهم، وبين الكتاب الفرنسيين والكتاب الإنجليز.
وتختلف مع بداية إنشائها ومع التطور الذي وصلت إليه، وهي تختلف هكذا أو نحو ذلك في الحياة العربية.
تاريخها الطويل خلال هذين القرنين مع كل هذه الظروف التي لا تُعد ولا تُحصى التي أحاطت بها، من الجيد في مثل هذا البحث حصرها في بنيتها الأساسية التي أشرنا إليها: الحالة - الفكرة، القارئ - المجموعة، والأدبي.
الغلاف الجوي الذي يغطي معالجة هذا الموقف أو عرض هذه الفكرة على الجمهور، إنها أدبية في مراحلها، لكنها سياسية أو اجتماعية أو دينية أو اقتصادية في محتواها.
المرجع: فيصل، شكري، (1972م)، الأصالة والتجديد في المقال الأدبي، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مجمع اللغة العربية، مج47، ج4، ص: 743-771.
اقرأ أيضًا
-ما يجب معرفته عن الأدب- الجزء الأول
-"شخصيات بين الأسطورة والفلكلور".. وأسطورة بيرسيفون أنموذجًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.