عندما يمتنع الإنسان عن فعل لا يتوافق مع تقديره للمثل العليا والمبادئ السامية، يقول: ضميري لا يوافق على ذلك ، أو يقول: أشعر بالندم.
قد يعجبك أيضًا كن شجاعًا: كيف تبني شجاعتك المهنية
ما هو الضمير؟
من الواضح أن المقصود بالضمير في كل هذه الحالات هو القائد الذي نطيعه، والمراقب الذي يراقب إرادتنا داخل أنفسنا، والوصي الساهر للمبادئ التي يجب أن نتصرف على أساسها.
من الواضح أن هذا الضمير يؤدي وظيفته في الإنسان على أساس إدراكه لقيمة الأفعال والأقوال وقراراته وآثاره، دون أن يتجاهل العواطف والأهواء والمصالح الشخصية.
ما نسميه "الوعي" هو الشيء الذي يميز الإنسان، وهو من عجائب الطبيعة البشرية، وقد عرفه العلماء بأنه "صوت يخرج من أعماق الصدر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كنت لا تتوقع أجرًا ولا تخشى العقاب".
للوعي حسب هذا التعريف الذي اتبعه الفلاسفة والأخلاقيون وغيرهم جانب مشرق وجانب مظلم، الجانب الصالح هو خضوع الضمير للمبادئ والقوانين الحسنة التي قدسها الإنسان وجعلت نظامًا لحياته، وأمنًا لمن يتبناها.
أما الجانب المظلم هو تبعية هذا الضمير لمبادئ ظالمة وفاسدة تمليها وتشكلها ظروف البيئة أو الأمة أو التقاليد والتراث ونحو ذلك؛ لأن التعريف تحدث عن ضمير له مبادئ مطلقة وغير مقيد من الشريعة.
فمثلًا: كانت جريمة السرقة فضيلة لدى شعوب معينة، والذين يفتقرون إلى المهارة يتعرضون للازدراء والندم، لا حرج في نهب أموال الغرباء بمجموعة من القبائل البربرية، من الواضح أنهم في نهبهم لا يعانون من آلام الضمير.
وليس ذلك فحسب، بل يختلف ضمير الإنسان باختلاف عمره، وفي زماننا هناك أناس ينكرون وجود الله، وآخرون يفعلون كل ذلك ولا يشعرون أن ضميرهم ينفي ذلك.
قد يعجبك أيضًا هل هي سنة جديدة ام حياة جديدة
الفرق بين الوعي والضمير
لذا فإن الوعي حسب التعريف السابق لا يصلح أن يكون مقياسًا نعتمد عليه نحن الإسلاميون، ولكن إذا أطلقناه وفقًا للآخرين يجب أن نخضع مفهومه لما نصت عليه الشريعة.
يشعر المسلم أنه يجد في نفسه حاكمًا يتحكم في أفعاله، ووليًا يقظًا يراقبه على أخطائه ويوبخه عليها.
لكنه يشعر أن هذا القائد أعلى منه، قوة خارقة تأمره وتراقبه وتحذره، إنها قوة الله القدير، إذا كان المسلم حيًّا في إيمانه، وقويًا في يقينه، والقلب متصل بربه.
بالنسبة للمسلمين، يسمى هذا الشعور البصيرة والمراقبة، والإيمان، والخوف من الله... إلخ. إذا أردت أن تسميها ضميرًا فلا مانع من ذلك، ولكن على أساس أنها وصي لحدود الله، وقاض في حكمه، وتوبيخ للإنسان لمعارضته لربه وعصيانه.
يؤسفني أن أشير إلى أن كتّاب الإسلام كثير منهم وقعوا في خطأ فهم الوعي والحديث عنه وفق آراء الفلاسفة، ولم يفكروا فيما أرسى كتاب الله وسنته أساس الرقابة لأفعال وأقوال البشرية.
البنت التي نشأت في مدرسة الإسلام أفضل من كل العلماء والفلاسفة الذين أذهلوا المسلمين، حينها قالت لها والدتها: قومي، واخلطي الحليب بالماء لبيعه.
فقالت لأمها: نهى أمير المؤمنين عن ذلك، فلما قالت الأم: أمير المؤمنين لا يرانا. قالت الفتاة: ولكن الله يرانا، هل تعتقد أنه يوجد أجمل من ذلك وأكثر تحت الروح؟
وجاء في الحديث الصحيح أن ابنة عم أحد الصبية في الأيام الخوالي كانت تعاني من العوز والفقر المدقع، فطلبت من ابن عمها الغني مساعدتها، لكنه رفض ذلك إلا إذا سمحت بذلك من تلقاء نفسها.
لذلك رفضت في البداية ثم وافقت بعد أن لسعها الجوع، وعندما استطاع، قالت له: "اتق الله ولا تكسر الخاتم إلا عن يمينه"، ثم تأثر بهذه الكلمة، كلمة "الله" فابتعد عنها وترك لها المال، بعيدًا عن الناموس
قد يعجبك أيضًا انخفاض الوعي وانهيار الضمير الجماعي للمجتمع العالمي
الإسلام ودوره في تنمية الأخلاق
بذكر الضمير هنا، أردت تصحيح خطأ شائع، وتنبيه شبابنا إلى صحة التعبير عن الأشياء، فالأصل في الإنسان المسلم أن مراعاته لله، وخوفه منه، وخضوعه النفسي لقراراته، هي التي تحكم أفعاله، وتسيطر على جميع شؤونه، وتتحكم في سلوكه وأخلاقه.
الأصل في المنهج الإسلامي هو تثقيف المسلم بالعقيدة الحية، وربطه بالله، ثم إعطائه جميع التعليمات والتوجيهات والأوامر والنواهي، حتى يكون الإيمان وفيًا لتنفيذ ما هو معطى له.
أي قارئ لتاريخ الإسلام والمسلمين سيجد ثراءً أخلاقيًا لا مثيل له، سواء في حياة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أو في حياة أصحابه، وأتباعهم، وكل من جاء بعدهم وتمسك بدينه، وحفظ ربه، وعملوا بشريعة الله تعالى كما جاء في القرآن والسنة.
ولن تجد صرح الأخلاق عند المسلمين مهلكًا إذا كان الإسلام في أرواحهم وفي حياتهم سوى شعار واسم ليس له معنى عملي.
من يعمل بهذه الشريعة ويتمسك بها هو قمة أخلاقية، ومن أهمل هذه الشريعة أو رفضها فهو مثال سيئ في مجال الأخلاق، أو يقول إنها أسوأ مثال أخلاقي، حتى لو كان يملأ الدنيا مع الادعاءات، ويجذب البسطاء للاعتقاد.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
قد يعجبك أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.