نُقلت كلمة استراتيجية من الحضارة اليونانية، وأصل الكلمة هو إستراتيجوس، وحتى القرن التاسع عشر ارتبط مفهومها بشكل صارم بالخطط المستخدمة لإدارة قوى الحرب ووضع الخطط العامّة في المعارك، وحديثًا أخذت هذه الكلمة معنى مختلفًا، وصارت مفصّلة الاستخدام لدى منظمات الأعمال خاصّة الحديثة والمبادرة والرائدة.
وقد تعدّدت تعريفات الإدارة الاستراتيجية:
منها تعريف هيجنز وفينسز ((هي العمليّة الخاصّة بإدارة مهنة التنظيم من حيث التنظيم، ومن حيث تحديد المنظمة وغاياتها، وإدارة علاقاتها التنظيمية، والبيئيّة "خاصّة مع الأطراف المؤثّرة والمتأثّرة بنشاط المنظمة والمقوّمات الأساسية التي تواجهها في بيئتها الداخلية والخارجية))؛ لذلك فإنّ الإدارة الإستراتيجية تهتمّ بصورة جوهرية بتصرفات وممارسات الإدارة العليا.
تطوّر مفهوم الإدارة الاستراتيجية..
تطوّر مفهوم الإدارة الاستراتيجية من خلال عدّة مراحل يمكن إيجازها فيما يأتي:
المرحلة الأولى: التوجّه بالتخطيط طويل المدى:
تتمثّل هذه المرحلة، ما بذل من محاولات في الفترة السابقة على الستينيات من هذا القرن، إذ كان التركيز على اتخاذ القرارات ذات التأثير الواسع في حياة المنظمات وبالتّالي الجهود، الاستراتيجية في العمل على تحقيق النمو الداخليّ أو إنتاج إستراتيجية لتنويع المنتجات، أو إستراتيجية للتخفيض، وتقليص حجم العمليات، ويمكن أن نطلق على الفترة ((الخافتة)) في الدراسات وممارسات الإدارة الاستراتيجية نظراً لعدم وضوح معالمها الرئيسة وأبعادها الجوهرية.
المرحلة الثانية: التوجه الإستراتيجي المحدود
ركّزت هذه المرحلة على الانطلاق من التخطيط طويل المدى إلى التخطيط الإستراتيجي، وظهور ما يسمّى باستراتيجية الإدارة وما يلزمها من خطوات تتطلّب وضع الغايات والأهداف والقيام بعمليات التحليل الإستراتيجي التنبؤ، والاختيار لانتهاز الفرص، وتجنب المخاطر، والتطبيق الاستراتيجي مع الرقابة على تلك الخطوات، وتقييمها وتسمّى هذه الفترة بالفترة ((المنيرة)).
المرحلة الثالثة: مرحلة التوجه البيئي
اهتمّ الكتَّاب والممارسين من خلال هذه الفترة بدراسة وتحليل العوامل البيئة للتعرُّف على مدى تأثيرها على أنشطة ومهام المنظمات، حيث لوحظ -أن متغيّرات البيئة معقّدة وغير مستقرّة، وتغلّغل الاهتمام إلى ما وراء المورّدين والمنافسين، فتركّزت دائرة الضوء على دراسة العوامل البيئية الداخلية والخارجية، ونتيجة تعدُّد الشركات وكبر حجمها وزيادة المناداة بتدعيم الدور الاجتماعي في المنظمات، وبروز أثر الثقافة التنظيمية في نجاح المنظمة، ويمكننا أن نطلق على هذه المرحلة ((الفترة الزاهية)) لدراسات الإدارة الاستراتيجية.
المرحلة الرابعة التوجّه الاستراتيجي الكامل
تُعدّ هذه المرحلة من أعقد المراحل، وتمثّل المرحلة المعاصرة والمتوقع أن تسود خلال الفترات المستقبلية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، ويمكننا أن نطلق على هذ المرحلة ((الفترة الساطعة)) في دراسات وممارسات الإدارة الإستراتيجية، ومن أهم الأبعاد المميّزة لهذه المرحلة:
- أن الاستراتيجية تمثّل ذلك التصوّر العام الذي يجب أن تكون عليه المنظمة، وتسعى لتحقيقه من خلال وضوح رؤيتها المستقبلية، وتحديد رسالتها التنظيمية، وبناءها لغاياتها وأهدافها بوعي وإدراك لعناصر التأثير المتعددة.
- إن الاتجاه المعاصر يركّز على مقومات مبدأ الاستراتيجية دون الدخول تفصيلاً في بيان خطوات الاستراتيجية الإدارية، باعتبار أن الإيمان بالمبدأ كفيل بتذليل أيّ معوقات ومدعّم لتطبيق الفرعيات.
- تؤثّر نوعية المنظمة وأنشطتها الحالية والمستقبلية في عمليات التخطيط الإستراتيجيّ.
أهميّة الإدارة الاستراتيجية لمنظمات الأعمال
تحقّق المنظمات التي تهتم بإدارة عملياتها وأنشطتها على هدى من الدراسات الإستراتيجية، العديد من المزايا والمنافع، منها ما يرتبط بوضوح الرؤية المستقبلية أمام واضعي الإستراتيجية، وتحقيق عنصر المبادأة لتفاعل المنظمة مع بيئتها بجانب إمكانية تحقيق المنظمة للعائد الاقتصادي المُرضي، وتخصيص مواردها وفق ما يسهم باستغلال الفرص الممكنة، والاستفادة من نقاط القوّة المتاحة، وتجنّب المخاطر، وتحجيم عوامل الضعف الداخلية، وفيما يأتي بعض المزايا التي تعود على المنظمات من جراء اهتمامها بالإدارة الإستراتيجية:
- وضوح الرؤية المستقبلية، واتخاذ القرارات الإستراتيجية.
- التفاعل البيئي على المدى البعيد.
- تحقيق النتائج الاقتصادية، والمالية المرضية.
- تدعيم المركز التنافسي.
- القدرة على إحداث التغيير.
- تخصيص الموارد والإمكانيات بطريقة فعالة.
القرارات الإستراتيجية
تتميّز القرارات الاستراتيجية بعدّة سمات يمكن تناولها كما يأتي:
- المركزية في المستويات العليا: عادة ما يتم اتخاذ القرارات الاستراتيجية من المستويات العليا في المنظمة المتمثل في مجلس إدارة المنظمة أو المدير العام للشركة ومساعديه.
- يُعدّ القرار الإستراتيجي قراراً حتمياً؛ إذ على المنظمة أن تتخذه مسبقاً حتى يمكن أن تبني عليه القرارات الإدارية والتشغيلية.
- قرارات تتعلق بالمنظمة ككل.
- قرارات تتعلق بالمدى الطويل.
- قرارات قليلة نسبياً في عددها.
- قرارات تهتم بتنظيم العلاقة بين المنظمة وبيئتها الخارجية.
- قرارات تتميّز بعدم التكرار.
التحديات التي تواجه الإدارة الاستراتيجية
هنالك العديد من التحديات المتوقع أن تواجه الإدارة الاستراتيجية خاصّة في مطلع القرن القادم، ومن بين هذه التحديات ما يأتي:
- زيادة معدلات التغيير.
- شدّة المنافسة.
- عولمة الإدارة فكراً وتطبيقاً. عام 1992م، تم التكامل الاقتصادي الأوروبي وزادت التحالفات الاقتصادية العالمية، ومن المتوقع القرون القادمة تفشي هذه التحالفات، وزيادة مستويات المنافسة العالمية، وذلك يدعو إلى ضرورة الاهتمام بتنمية الفكر الاستراتيجي لمواجهة هذه الاتجاهات الدولية في مجالات التطبيق الاقتصادي الإداري.
- التغيّرات التكنولوجية: أيّ التطوّر الهائل الذي يشهده العالم.
- تغيّر طبيعة قوى العمل.
- عجز الموارد المتاحة وندرتها.
- عدم استقرار السوق والأوضاع الاقتصادية.
مستويات الإدارة الإستراتيجية
توجد ثلاثة مستويات للإدارة الإستراتيجية
1. مستوى المنظمة ككل
تمثل الاستراتيجية الرئيسية على مستوى المنظمة ككل؛ إذ تهتم بمجموعة منتجات المنظمة بشكل عام. وبالصورة العامة للمنظمة في البيئة أو المركز التنافسي للمنظمة، وتحديد حصتها السوقية، بجانب دورها في تقنية الاستراتيجيات الفرعية، ومحاولة التنسيق فيما بينها.
2. مستوى الأعمال (القطاعات)
تركّز إستراتيجيات الأعمال على بيان سبل المنظمة في التنافس وتحقيق مكانة معينة في أحد مجالات الأعمال المحددة، وقطاع معين، أو سوق معين، وهنا نجد أن نطاق الاستراتيجية أكثر تركيزاً وأقل مدى من إستراتيجية المنظمة ككل، ومن أهم الاستراتيجيات في هذا الصدد ما يتعلق بتنمية السوق، واستراتيجيات خطط الإنتاج، والترويج، والتمويل، والبحوث، والتطوير، وتصميم نظم العمل، وتحليل الأوضاع البيئية؛ لتحديد الفرص والمخاطر المحتمل أن تواجهها المنظمة.
3. مستوى الوظائف
تهتمّ استراتيجيات الوظائف بمجال وظيفي محدّد يعمل على تنظيم استغلال مورد معيّن بالمنظمة مادي كان أو بشري، ويقلّ نطاقها إلى ما بعد إستراتيجية الأعمال، فنجد الاهتمام بتحليل أحد عناصر البيئة الداخلية لتحديد مجالات، ونقاط القوى الضعف ويزداد، التنسيق والتكامل بين الأنشطة الوظيفة الواحدة.
عمليات إدارة الاستراتيجية
تمرّ إدارة الإستراتيجية في أيّ مستوى من المستويات بمجموعة من المراحل يمكن بيانها على النحو الآتي:
المرحلة الأولى، صياغة الإستراتيجية: تعني عملية صياغة الاستراتيجية وضع وتحديد غايات المنظمة وأهدافها الرئيسية، وذلك في ظلّ مجموعة من الأنشطة تتمثل في:
- تحديد رسالة المنظمة.
- تحديد الغايات والأهداف طويلة الأجل.
- دراسة البيئة الخارجية لتحديد الفرض والمخاطر.
- دراسة الإمكانات الداخلية لتحديد عناصر القوّة والضعف.
- تحديد البدائل الإستراتيجية.
- اختيار الاستراتيجية المناسبة.
المرحلة الثانية: تطبيق الاستراتيجية
تُعدّ عملية التطبيق من أكثر مراحل صعوبة في الإدارة؛ إذ تشتمل على تهيئة المناخ التنظيمي، ووضع الخطط والسياسات، ونظم العمل، وتخصيص الموارد، وبناء الهيكل التنظيمي المناسب.
المرحلة الثالثة: مراجعة وتقويم الإستراتيجية
تتمثّل الخطوة الأخيرة من خطوات الإدارة الاستراتيجية في مراجعة وتقويم الاستراتيجية، ويجب مراعاة أن الاستراتيجيات كلمة استراتيجية من الحضارة اليونانية، وأصل الكلمة هو إستراتيجوس وحتى القرن التاسع عشر ارتبط مفهومها بشكلٍ صارم بالخطط المستخدمة لإدارة قوى الحرب، ووضع الخطط العامة في المعارك، وحديثًا أخذت هذه الكلمة معنى مختلفًا، وصارت مفصّله الاستخدام لدى منظمات الأعمال خاصّة الحديثة والمبادرة والرّائدة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.