كيف اجتمع اليهودي العربي والأمازيغي والإفريقي والأندلسي في مشهد واحد حول طاولة واحدة؟
تسمع من يتحدث العربية في حين تلتقط أذنك حوارًا بالأمازيغية، وآخرون على بعد أمتار يتناقشون بالفرنسية، وإذا أسعدك الحظ فقد تستمع إلى الحسانية والإسبانية! إنه المغرب يا صديقي.. لوحة من الفسيفساء البشرية.
هذا الفريق الذي يقدم أداء رائعًا في البطولات القارية والعالمية ويرتدي قمصانًا تحمل العلم المغربي، قد يكون الأكثر عالمية بين المنتخبات الأخرى، فهو يمثل ثقافات وحضارات تتابعت على أرض المغرب بفعل موقعها، فهل تتساءل عن أصل اللاعب الذي أحرز الهدف الرائع؟ أم أنك تصفق إعجابًا وتحية لألوان العلم المغربي؟
المغرب.. ثقافات شتى على طاولة واحدة
وعلى نقيض الدول الأخرى لم تلجأ هذه الثقافات للصراع من أجل البقاء على حساب بعضها بعضًا، فاحتفظ كل منها بوجوده في حالة غريبة من التعايش والمحبة والاحترام، لكن السؤال هو كيف تجاور العربي والأمازيغي والإفريقي والأندلسي في مشهد واحد دون أن يحاول أحدهم القضاء على الآخر؟
مثلًا تجلس حول المائدة المغربية فتجد ثقافة الطبخ المغربي حاضرة وممثَّلة، فهذه الأطباق التي يعود معظمها لأكثر من 2000 عام تمثّل ذلك التنوع العرقي والثقافي بمنتهى الروعة، فالتوابل والمكسرات والفواكه المجففة أتى بها العرب في القرن السابع، وزيت الزيتون والموالح جاءت مع أهل الأندلس، أما اليهود فقد شاركوا بالمخللات وأساليب حفظ الطعام، والفرنسيون أيضًا تركوا بصمتهم في المعجنات وأنواع القهوة.
وهكذا كوَّن التنوع الثقافي شخصية المطبخ المغربي ووضعه ضمن أكثر المطابخ ثراء في العالم، وبجانب الطعام، فهناك مثال آخر أكثر وضوحًا وغرابة في ملامح الشخصية المغربية وتركيبتها البشرية المذهلة.
آثار حضارية.. العجائب تكمن في التفاصيل
قد تشعر بالإعجاب أو الانبهار وأنت تشاهد الآثار الحضارية في مختلف مناطق المغرب من حصون وقلاع ومساجد وصوامع، لكن العجائب الحقيقية تكمن في التفاصيل يا صديقي!
فحين تعرف أن أعمدة المساجد بنيت على الطريقة الإسبانية والبرتغالية، والحصون العربية لها أبواب على الطراز اليهودي، ستدرك أنك في حضرة استثناء بشري سمح للنقوش الأمازيغية أن تزين الجدران العربية، وللأسقف التركية أن تعتلي المنازل الإفريقية واليهودية.
وقد تصاب بالذهول حين تشاهد صوامع الغلال في الرباط ومراكش، ثم تشاهد صومعة لاخيرالدا في إشبيلية، فلا تعرف أيها في المغرب وأيها في إسبانيا!
لغات متعددة.. والشخصية واحدة
ولكي تكتمل اللوحة الفنية المدهشة عليك أن تتجول بين سكان المغرب، فستسمع اللغة العربية بلهجاتها، وتنبهر بالأمازيغية وجاذبيتها الشديدة لا سيما في المناطق الريفية، ثم تقف أمام اللغة الفرنسية التي ترفض التراجع والانزواء، وتحتل مكانة بارزة في الحوار المغربي، وكثيرًا ما تختلط بالعربية والأمازيغية في إيقاع فريد، بخلاف الإسبانية التي تبرز في شمال البلاد، والإنجليزية الموجودة بصفتها العالمية.
فأين المغرب من كل هذه التفاصيل؟
الحقيقة يا صديقي أنها تكمن في تلك التفاصيل، فقدرة الشخصية المغربية على احتواء الثقافات والحضارات المختلفة على مر العصور، جعلها تتمتع بالزخم والقوة القائمة على التنوع بدلًا من التناحر والإقصاء، لتكوِّن تلك الفسيفساء البشرية خصوصية عبقرية يصعب اختراقها أو تكرارها.
فهل تعتقد أنه توجد دولة أخرى تتشابه مع عادات وتقاليد الثقافة المغربية في هذا التنوع العرقي والثقافي؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.