على امتداد خط الزمن ظل الميل للكسب والرحلات والعنف والسلب والنهب سببًا في خلق رجال أوصلتهم الصدفة إلى مصافِّ النبلاء، بل يقال إن هؤلاء الرجال كانوا لا يرتكبون جرائمهم في عرض البحار فقط، إذ بدأ الإجرام بالهجوم على السفن الأخرى أو بالعصيان على سفنهم، ولكنهم كانوا يرتكبونها كذلك على السواحل، بل وأحيانًا على مسافات بعيدة داخل اليابسة.
وفضلًا على الصفات والقدرات التي يتسم بها لصوص اليابسة، كالجرأة والمكر والصبر والمهارة في استخدام السلاح، فإن لصوص البحار يجب أن يكونوا أيضًا بحارة أكفاء، وأن يكون زعماؤهم ربابنة مهرة.
ومنذ الألف الثانية قبل الميلاد كان المصريون يضطرون لإقصاء سفن القرصنة الخاصة بشعوب البحار، وبقدر ما كان اليونانيون يزاولون أعمال التجارة في مرح وحبور، بقدر ما كانوا يمارسون أعمال النهب والسلب، وفى القرن الأخير من عهد الجمهورية الرومانية، اضطر "بومبي" لإدارة حملة عنيفة للقضاء على القراصنة القادمين من إليريا، وخلال القرون الأولى بعد الميلاد، اكتسب الفايكنج شهرة بالغة في القتل والاعتداء.
اقرأ أيضًا «ليلة إعصار دانيال».. قصة واقعية
السير فريدريك دريك أول قرصان إنجليزي
اجتاحت القرصنة سواحل كلا جانبي بحر المانش الفرنسي والإنجليزي، في وقت السلم والحرب على السواء، وقتها كان الساحل الإنجليزي لبحر المانش مرتعًا خصبًا للقراصنة اللصوص، ومن بين هؤلاء برز اسم واحد من أشهر ربابنة البحر، هو فرانسيس دريك الذي بدأ حياته نوتيًا بسيطًا، ولكنه سرعان ما تميز في عمله لدرجة أنه بعد أن أصبح ربانًا لسفينة قرصنة، اعتمدته الملكة إليزابيث الأولى رسولًا لها.
ومن هنا كانت أول حملة قام بها دريك، وصل في عام 1572 إلى بوغاز بنما، حيث رسا بسفنه ونهب قافلة البغال التي كانت تنقل الذهب المستخرج من بیرو إلى السفن الراسية في انتظارها.
وفي مطلع عام 1580 نجح دريك في مغامرة عجيبة. فقد تلقى أمرًا سريًا من الملكة وكانت في ذلك الوقت في حالة سلم مع إسبانيا ومعه ما يعادل 1000 فرنك فرنسي قديم استخدمها في تسليح خمس سفن صغيرة.
ومن هذه السفن خرجت سفينة واحدة تحمل فرانسيس دريك من مضيق ماجلان وعبرت المحيط الهادئ، وفي أثناء ذلك قام دريك بتفتيش السفينة الإسبانية التي كانت تحمل الذهب في أمان لتوصيله إلى أسطول الأطلنطي، ثم أغار على مدينة فلباريزو ونهبها، ووصل إلى إنجلترا بعد أن التف حول الكرة الأرضية قاطبة.
اقرأ أيضًا قصة "السارقة".. قصص قصيرة
لكن ماذا عن غطرسة القراصنة التي شاعت في البحار حينها؟
صارت جزيرة تورتوجا وكرًا وملجأً وقاعدة للقراصنة الذين كانوا يتكونون في بداية الأمر من البوكانير الذين انتزعوا من موطنهم وتحولوا إلى قراصنة، ثم أخذ عددهم يتزايد بمجيء عدد من الفرنسيين الذين لا أخلاق لهم، وبعض السنج الذين أغرتهم شركة الهند الناشئة بالوعود الخلابة، فنزحوا إلى جزر الأنتيل، وقد وجدوا أنفسهم مقيدين بعقود مدة سنتين أو ثلاث للعمل في المزارع، وكان من بين الذين تعرضوا لهذا المصير ثلاثة من أشهر القراصنة هم (إكسملان، وناو الملقب بالأولونى، و مورجان).
إكسملان پروتستانتيا كان مهاجرًا يعمل حلاقًا وجراحًا، وفى الوقت نفسه كان المؤرخ العظيم للقراصنة، وقد عرض بمهارة شخصياته في صورة محببة، ورهيبة فى الوقت نفسه، مثل شخصية بيير لوجران الذي روي عنه كيف أغرق قاربه الصغير عندما هاجم سفينة كبيرة محملة بالنفائس لكي يقطع على نفسه خط الرجعة، واستولى على السفينة بكامل حمولتها، وتعد هذه الحادثة من الحوادث الفريدة في بابها في تاريخ القرصنة، ولكن الغنيمة بعثرت لآخر قطعة نقود من قيمتها في حانات وملاهي جزيرة تورتوجا وجامايكا، وقد استقر لوجران بعد ذلك هو ورفاقه مواطنين عاديين طيبين.
أما فرانسوا ناو الملقب بالأولوني، فكان لصًا دمويًا مجردًا من الرحمة، وباعثًا للرعب في قلوب الأسيان. وكان يهوى قتل أسراه بيده، وبزعامته بدأ القراصنة حملاتهم الواسعة فوق اليابسة.
وقد استولوا على مارا كيبو على ساحل فنزويلا ونهبوا ثرواتها، وعذبوا أسراهم واغتصبوهم، وأشعلوا الحرائق، وافتدوا الأسرى بالأموال، جامعين بذلك ثروة طائلة لم يبقوا على شيء منها، وكان المستفيدون الحقيقيون منها هم التجار وأصحاب الحانات وفتيات جزيرة تورتوجا، وبعد أن حاول الأولوني عبثًا العثور على غنيمة جديدة، أطاحت عاصفة بسفينته وأغرقتها، في حين وقع هو في قبضة الهنود الذين عذبوه حتى الموت، ويقال إنهم أكلوه..
بعد كل ما ذُكر هل ما زلت ترى القراصنة مجرد لصوص بالبحار، أم تحولت نظرتك إلى أنهم ضحايا الحروب والاستعمار؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.