الإنسان لا يستطيع أن يحيا بلا غذاء، وكذلك العقل والرّوح، وغذاؤهما القراءة، وقد تضاربت آراء القرّاء حول القراءة مثلما اختلفت آراء البشر في كلّ أمر...
اقرأ أيضاً القراءة وقيمتها وطقوسها وأهميتها في الحياة
أنواع القراء
دارت نقاشات طويلة بين أنواع من القرّاء، فكان كلّ فريق يدافع عن وجهة نظره بقوّة، فنجد الفريق الّذي يقرأ الكتب فقط، ويرى أنّ الرّوايات للتّسلية، وهي لن تضيف أيّ معلومة جديدة لعقولهم، وفريق آخر يرى أنّ الروايات ممتعة.
فإنّك قد تجد حجماً من المعلومات في رواية جيّدة بحبكة مشوّقة أفضل من كتاب طويل مملّ كلّه نظريّات أو آراء فلاسفة وعلماء.
وهناك فريق محايد يقرأ كلّ شيء وأيّ شيء؛ لأنّ القراءة بالنّسبة له شغف كبير ومتعة لا تقدّر بثمن، ولا بدّ أن أذكر فريق القرّاء الّذين يحسبون عدد نر
أو الروايات الّتي يقرؤونها.
وعلى الخلاف يأتي فريق لا يهمّه الكمّ، بل الكيف، وهؤلاء غالبًا يستمتعون حقًّا بما يقرؤون.
إذا أردت أن تكون قارئاً جيّداً لا بدّ أن تحترم كلّ الآراء، ولا تتعصّب لوجهه نظرك، ويجب أن تدرك أنّك مهما قرأت فلن تلمّ بكلّ علوم الكون، ولن تأخذ جائزة المثقّف المثاليّ.
دعك من كلّ شيء، اقرأ لنفسك، تنفّس الكتب، اشعر بالكلمات، المسْ بروحك الأحداث، فالاستمتاع لا يمنع أن تتعلّم وترتقي بفكرك وتزيد من معرفتك.
اقرأ أيضاً عن الكتابة كمحاولة للتعافي.. جزء حصري من كتاب "عزيزي رفعت" لسارة درويش
أنواع الكتاب
وكما أنّ القرّاء أنواع، فالكتّاب كذلك، ولكي نعرف ذلك علينا أن نطرح سؤالاً أراه يتكرّر دائمًا.
هل من يقرأ كثيرًا يستطيع أن يكون كاتبًا جيّدًا؟
نعم، أحيانًا بكثرة القراءة مع مرور السّنوات يتولّد داخل الإنسان شيطان يأكل جوفه، يريد أن يخرج على الأوراق من كثرة ما رأت عيناه من روائع الحروف، وتجوّل عقله في عقول الآخرين، هذا نوع من الكتّاب.
ولكن يمكننا أن نجد نوعاً آخر يكتب لأنّ الكتابة تجري في عروقه مجرى الدّماء، وتتخلّل ذرّاتَ الأكسجين الّتي تدخل رئتيه، إنّه يمتلك تلك الموهبة الفطريّة والهبة الإلهيّة سواءً قرأ كثيرًا أم لم يقرأ إلّا القليل.
الأوّل سوف تستمتع بكتاباته ومهارته في صنع الأحداث واللّغويّات القويّة،
والثّاني سوف يخترق قلبك بلا استئذان، لأنّ كلماته تلامس روحك، حتّى تجد نفسك تدمن القراءة له بلا حيلة.
وهنا أذكر قول صاحب القلم الّذي يمسّ الرّوح جبران خليل جبران: "ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب"، وكما قال أيضًا: "من نقّب وبحث ثم كتب فهو ربع كاتب، ومن رأى ووصف فهو نصف كاتب، ومن شعر وأبلغ النّاس شعوره فهو الكاتب كلّه"، والنّوع الثّاني من الكتّاب هو ما أفضّله.
لكنّ الموهبة وحدها لا تكفي، فلا بدّ من صقلها بالمذاكرة والقراءات المتعدّدة، والتّجوّل في عقول العظماء والأدباء والمفكّرين، واكتساب لغويّات أكثر وأعمق لتقوية النّص الّذي تعمل عليه.
اقرأ أيضاً تاريخ الكتابة وتطورها عبر العصور
مواصفات الكاتب الجيد
هنا قفز إلى عقلي قول الأديب يحيي حقّي: "الكتابة الأدبيّة ناجمة عن شعور داخليّ، ولكنّنا لا نستطيع أن ننسى الطّلاء الخارجيّ المتمثّل في الاطّلاع والثّقافة".
وإذا أردت أن تصبح كاتبًا جيّدًا يجب عليك أن تكون ممثلاً جيّداً أيضًا، لأنّه لا بد أن تتقمّص كلّ شخصيّة تكتبها، وتتعمّق فيها حتّى تمسّ الأشياء الّتي يمسّها كلّ إنسان منّا في سريرة نفسه، فتصل كلماتك لأعماق قلوب القرّاء وتلامس أرواحهم.
وأخيرًا، إذا أردت أن تصبح كاتبًا لكسب المال فعليك أن تصرف النّظر عن هذا الطّريق وأنت في بدايته، فالكتابة ليست مجالاً لكسب المال.
ولنختمِ المقال بما قاله عملاق الأدب الرّوسيّ فيودور دوستويفسكي: "لديّ أحد الخيارين، إمّا أن أبقى في مكتب البريد كموظّف وأُصاب بالجنون، وإمّا أن أستقرّ بالكتابة وأموت جوعًا، وقد قرّرت الموت جوعًا".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.