تزخر الجزائر بمناطق سياحيّة مثيرة للغاية، نذكر منها الحمامات المعدنيّة والَّتي تُعدّ معالم سياحيّة بالغة الأهميّة سياحيًا وطبيًا واقتصاديًا، إذ توفّر المنابع الحمويّة المنتشرة بكثرة في الجزائر، خدمات صحيّة بالجملة تسهم في العلاج الطبيعيّ ويُعدّ حمام بوحنيفية، إحدى أهمّ المناطق السياحيّة الحمويّة في الجزائر، الواقعة بولاية معسكر، فهي تزخر بمنابع مياه تحتوي على مواد غنيّة بالمعادن الَّتي تساهم في علاج العديد من الأمراض الجلديّة، لذلك يقصد السّواح المنطقة وبالأخصذ حمام بوحنيفية من أجل العلاج والاستجمام.
فهل تعرف عزيزي القارئ لماذا سمّي الحمام بـ "حمام وحنيفية "؟، وأين يقع هذا الحمام؟ وما هي أهمّ المعالم السياحيّة الَّتي تحتوي عليها منطقة بوحنيفية المنطقة الجاذبة للسّياح والزّوار؟، وما هي الفوائد الطبيّة الموجودة في مياه الحمام والَّتي عالجت ما عجز الطّبّ عن معالجته.
أصل تسمية الحمام بـ "حمام بوحنيفية"
قبل الحديث عن حمام بوحنيفية، وما يزخر به من مناظر خلابة وطاقة علاجية كامنة في مياهه المعدنية، ارتأيت أن أقدّم لك عزيزي القارئ مجموعة من المعلومات حول تاريخ المنطقة وأصل تسمية المنطقة ببوحنيفية.
يعود أصل اكتشاف الحمام إلى الفترة الرّومانيّة، أين اكتشفوا الرّومان مدينة بوحنيفية واستقرّوا فيها وبنوا فيها أوّل حمام، واستعمل الرّومان مياهه المعدنيّة في العلاج، وكانوا يعتزون بها كثيرًا فهي رمز القوّة العسكريّة للإمبراطوريّة الرّومانيّة التّوسعيّة، المياه المعدنيّة كان يعتزّ بها الرّومان ممّا أدّى بهم إلى بناء مدينة عسكريّة الَّتي كانت تسمّى "أكواسبرنسس".
في دراسة جيولوجية للمنطقة أقدمت السيدة M. vincent على دراسة الَّتي غطت مساحة كبيرة من الهكتارات، والَّتي قالت إن هذه المدينة دمرت عدّة مرّات وأعيد بناؤها وبقيت مزدهرة إلى غاية القرن السّابع عشر، ونجد بين الآثار المتبقية وجود مطحنة زيتية وبقايا حمامات رومانيّة قديمة العمران.
وقد أفاد بعض الأساتذة بالمدينة أن أحد الفلاحين اكتشف مؤخرًا بقايا مدينة رومانية عندما كان يقوم بالحفر، وعلى هذا الاكتشاف وبعد عمليات البحث عثر على مجموعة من الأحجار الكبيرة والقلل وغرف الَّتي كانت تستعمل كحجرات لجمع المواد الدّسمة، وممّا تجدر الإشارة إليه أن مدينة بوحنيفية يعود تاريخها إلى أقدم العصور بها العديد من المناطق الأثريّة.
في القرن الرّابع عشر المدينة أصبحت تسمّى نسبة للفاتح -أبوحنيفية-وتوجد قبّة له في الجهة اليمنى من وادي المنطقة.
موقع مدينة بوحنيفية
حمام بوحنيفية مركز إداريّ لبلدية تحمل اسمها، تغطي مساحة 238 كم 2 يحدّها من الشمال بلدية تيري وبلدية حاسين، ومن الجنوب ولاية سيدي بلعباس وغربا دائرة سيق سيدي بلعباس، وشرقًا بلدية عين فكان، كما تبعد عن مدينة وهران بـ 100 كم و20 كم عن مركز ولايتها معسكر، وعن العاصمة بـ 365 كم، تُعدّ المدينة من بين أكبر وأهمّ المحطّات المعدنية في الجزائر، حيث إنّها تستقبل أكثر من 144000 سائح سنويًا. هذه المدينة منذ سنة 1988م أصبحت مقرّ دائرة تضمّ عدّة بلديات كبلدية حاسين وبلدية القيطنة، ويقطعها طريق ولائي رقم 06 الرّابط بين ولاية معسكر وسيدي بلعباس، كما تبعد هذه المدينة عن البحر الأبيض المتوسط بــ 60كم.
إن موضع مدينة حمام بوحنيفية في منطقة جبلية لبني شقران وهي متميّزة لمجرى وادي الحمام، الَّذي يقطع المدينة من الجنوب إلى الشمال ومياهه لا تجفّ على طول السّنة وهو يجري ببطيء وتحيط به مرتفعات جبليّة يصل ارتفاعها ما بين 600 م إلى 700 م.
وهي معقّدة التّضاريس كما يوجد بها سهول الَّتي يصل متوسط ارتفاعها إلى 250 م، أمّا المرتـفعات فهي تـتراوح ما بين 450 م إلى 850م على مستوى سطح البحر.
التّباين الكبير في الطّبيعة
هذا التّباين الكبير في معالم الأرض الطّبيعيّة من وادٍ عميق إلى سهول محصورة بين سلاسل جبليّة تمكن الأهميّة السّياحيّة للمنطقة، وجمال المنطقة الَّتي تأسر قلب كل من زارها، فمعظم السّياح وعشاق الرّحالات السّياحيّة والاستكشافيّة يفضّلون التغيير في التّضاريس والنبات والخدمات، ولهذا نراهم يفضّلون المناطق المجاورة للوادي.
المنابع والعيون المتوفرة في المنطقة
إن المنطقة الجبلية لبني شقران في بوحنيفية من المناطق الغنيّة بالمياه السّطحيّة، حيث تجري فيها معظم روافد وادي الحمام الَّتي يمرّ بالمدينة ويقسّمها إلى جهتين من الجنوب نحو الشمال، إن لهذه الرّوافد أهميّتها بسبب غزارة مياهها يرتفع منسوب مياه الوادي، والَّتي يعتمد عليها في النّشاطات الاقتصاديّة المختلفة وخاصّة في القطاع الفلاحيّ، وكذا تمويل الحمامات بالماء البارد، كما أنّه لا يجفّ على طول السّنة ويأخذ منبعه من وسط الأطلس الصحراويّ وعلى ارتفاع 1200 م من الجنوب الغربيّ لمدينة بيوا رأس الماء.
الينابيع والعيون تنتشر بكثرة في المنطقة وتصبح المحور الأساسيّ للحياة البشريّة.
المياه المعدنيّة؛ وهي المياه الجوفيّة الَّتي تتّصف بصفات كيمياوية خاصّة الَّتي تستخدم لأغراض طبيّة وعلاجيّة؛ ولهذا فهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسّياحة العلاجيّة، لقد عرف الإنسان منذ القدم الأهميّة العلاجيّة لبعض العيون المعدنيّة فهي بما تملكه من الخواصّ الطبيعيّة صالحة لمعالجة أنواع مختلفة من الأمراض. -ففي مدينة بوحنيفية توجد عدّة منابع معدنيّة ساخنة، حيث إنّها تتميّز بميّزة إشاعيّة كبيرة ومميّزات علاجية مما جعلت المدينة من بين أكبر وأهمّ المحيطّات المعدنيّة في الجزائر.
أقسام المنابع المعدنية؛ منابع عليا (منابع الصد)؛ توجد هذه المنابع في مواقع عالية أيّ مرتفعة عن المركز المدينة، وهي الوحيدة الَّتي تغذي الحمامات، حيث إنّها توجد في الجهة الشّرقية من المدينة والَّتي تصل حرارة مياهه إلى دم° وإشعاعه متوسط وعددها ثلاثة عيون. منابع معدنية سفلى (منابع الجسور):
إن مكان وجود هذه المنابع في منطقة منخفضة من المدينة أيّ على حافة الوادي في جهته اليمنى هذه المنابع لا تستغلّ بل تذهب مباشرة إلى الوادي وحرارة مياهها تتغيّر من منبع لآخر ما بين 38 دم° إلى 56 دم° وعددها 08.
منابع سيدي عبد الله (العيون المالحة)؛ هذه المياه تمّتاز بمذاق ملح ممّا يطلق عليها بالعيون الملحة، والَّتي توجد على يسار الوادي وعلى بعد 500م جنوب المدينة وتصل حرارة مياهها إلى 20 دم°. أثر الزلزال معسكر على هذه المنابع: في الوقت الَّتي كانت العيون المعدنيّة قليلة التّدفّق وخاصّة المنابع السفلى (منابع الجسور) فظهر العكس بعد الزلزال فنلاحظ في هذه العيون خروج موادٍ من باطن الأرض وترسّبت على حافتها، وجريان هذه العيون زاد مع ارتفاع في درجة حرارتها وانفجرت عدّة عيون جديدة، وهذا على حافة الواد. اهتزاز الأرض: هذه المدينة من بين المناطق غير المستقرّة وتُعدّ منطقة حساسة نظرًا لموقعها في منطقة بركانيّة وأن القدرة المتوسطة تصل إلى 08 على سلم ماركات.
ميها السّدود؛ يقع سد بوحنيفية في منطقة بحثا أيّ جنوب المدينة وعلى بعد 4 كم سد يدّعى سد بوحنيفية الَّذي بني في عهد الاستعمار وبالضبط في سنة 1937م. إن لهذا السد موقع استراتيجيّ ذو أهميّة بالغة.
كما يستطيع أن يحتوي هذا السد على احتياط من الماء 80 مليون م3 في السّنة، لكن لحد الآن لم يصل إلى هذه الطّاقة. وبالرّغم من عدم توفّر الإحصائيات المتعلقة بدرجة حرارة مياهه إلا أنّنا نستطيع القول إن درجة حرارة مياهه فهي تتراوح ما بين 15 دم إلى 20 دم°.مياه "حمام بوحنيفية" علاج لمختلف الأمراض
تساعد مياه هذا المنبع على الشّفاء من بعض الأمراض كالروماتيزم، والأمراض الجلديّة، وأمراض العيون، وبعض أمراض النّساء، كما يدخل هذا الحمام ضمن الحمامات المصنّفة كأحد أهمّ المناطق السّياحيّة في الجزائر.
فالمرضى الَّذين يتوجّهون للعلاجات الحمويّة، يلقون استحسانًا ويشعرون بارتياح بعد أن يغادرون الحمام، فعلاوة على الاستحمام بالمياه المعدنيّة الطّبيعيّة المتواجدة بالمسابح المتوفّرة في الحمام يتّجهون لاستكمال العلاج في غرف خاصّة أين يجدون طاقم شبه طبيّ مؤهل علمياً ومختصّ في ميدان التدليك الطّبيّ وإعادة التّأهيل الوظيفيّ والحركيّ.
فالحمام يتوفّر على طاقم شبه طبيّ متكامل يقوم بالعلاج في مجال إعادة التّأهيل الحركيّ والوظيفيّ، والتّدليك الطبيّ، وتشغيل الأجهزة المخصّصة لذلك كالأشعة الحمراء وفوق البنفسجيّة، وأجهزة العلاج بالذبذبات الكهربائيّة الكترو تيرابي، ممّا يسمح لهؤلاء المرضى والسّياح من أخذ حصص علاج واسترخاء تغنيهم عن العديد من الأدوية الكيمائيّة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.