معرض الكتاب في الجزائر.. ماذا بقي من القُرَّاء والقراءة؟

ككل سنة، وعلى مدار 27 سنة يقام المعرض الدولي للكتاب في الجزائر تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون الجزائرية، على مساحة 23000 متر مربع، تُنصب الأجنحة التي تعج بآلاف الكتب، في معظم مجالات الحياة الفكرية والأدبية والعلمية والمهنية... وبأكثر من لغة.

وتعج أروقته بمئات الآلاف من الزائرين والزائرات، ويخرج غالبيتهم بعد التجوال العبثي في أرجائه ساعات كما دخلوه أول مرة، أو كما دخلوه مرات عدة سابقًا. للأسف يكاد الزائرون الذين يقتنون كتبًا يعدون على أصابع اليدين، إنه أمر مذهل ومدهش، يوحي بأزمة قراءة يعيشها المجتمع مقارنة بوفرة بارزة في الكتب.

ونتساءل في هذا المقال: ماذا بقي من القُرَّاء والقراءة في مجتمع يأتيه معرض الكتاب زائرًا طيلة 27 سنة؟

عن المعرض الدولي للكتاب بالجزائر

هو معرض دولي تحتضنه الجزائر كل سنة يتخذ تسمية "سيلا"، تشرف عليه وزارة الثقافة والفنون، تحت إدارة محافظة تسهر على إدارته طيلة مدة احتضانه. ينظم هذا المعرض الضخم بقصر المعارض الصنوبر البحري بالجزائر العاصمة، ويُقام هذه السنة في طبعته السابعة والعشرين (27) تحت شعار "نقرأ لننتصر"؛ على مدار 10 أيام في المدة من 6 إلى 9 نوفمبر 2024.

وأرادت السلطات الجزائرية أن يقام في هذا الوقت تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى 70 لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى في الفاتح من نوفمبر 1954. وتقام على هامش هذا المعرض عدد التظاهرات الفنية والثقافية والتاريخية والفكرية. 

اقرأ أيضًا: معرض الكتاب.. تاريخ ممتد من الثقافة

سيلا بالأرقام

  • المساحة التي يقام عليها المعرض: 23000 متر مربع.
  • مشاركة 1020 عارضًا من 41 دولة حول العالم من بينهم 290 ناشرًا جزائريًا.
  • مشاركة عارضين من 7 دول إفريقية.
  • 300 ألف عنوان حاضر في المعرض.

اقرأ أيضًا: البارح كان في العمر عشرين.. ذكرياتي في معرض القاهرة للكتاب

أمة اقرأ.. متى تقرأ؟

لا تظهر الأرقام سابقة الذكر واقع القراءة في الجزائر، فالمعرض الدولي بكل أرقامه الضخمة لا يدفع أفراد المجتمع لاقتناء كتب في سبيل القراءة والمطالعة؛ ولا يُلقى اللوم على العارضين أو العناوين المعروضة أو الجهة المشرفة على المعرض، بل إن الخلل يكمن في شعب لا يُلقي بالًا للقراءة، ولا حتى يغرس في النشء بذرة أمل باسترجاع شغف المطالعة ونهم البحث عن الكتب بين رفوف المكتبات، ومسح الغبار عنها لتصفح أجزائها وفصولها.

ندَّعي زورًا وبهتانًا أننا من أمة "اقرأ" التي رُفعت حضارتها على أسس وقواعد فعل الأمر "اقرأ"؛ فهذه حكمة ربانية بالغة لازمت الأمة العربية إلى حين وأد العلم والقراءة على يد سلاطين المجون والهوى. 

يجمع كثيرون أن سيلا الجزائر هو المعرض الأكبر في إفريقيا والمنطقة العربية ومنطقة جنوب البحر المتوسط، لا يعني هذا الأمر بتاتًا أن الشعب الجزائري هو الأكثر قراءة ومطالعة مقارنة بالشعوب الأخرى، فالكل في "الهوى سوا"؛ والكل متحدون على وأد القراءة عن قصد أو عن غير قصد.

إذن متى نقرأ ونحن أمة "اقرأ"؟ لا شك أن الخلل غائر في نفوس جيل اليوم، إما بفعل التوجه المستفحل نحو استخدام التكنولوجيا، أو عدم قدرة الكتب على تلبية حاجات الناس. يقول "سليم": "لست أهوى القراءة لأكتب أو لأزداد عمرًا.. وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة؛ لأنها ستزيدها عمقًا وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب".

انطباع سليم عن القراءة مرتبط بشغف الممارسة المتواصل الذي يلبي حاجات في نفسه، إنه لا ينظر للقراءة على أنها مجرد باعث للتعبير أو الكتابة فقط، بل يعدها إكسير حياة Elixir of life معنوي يُشعره بالخلود في الحياة. للأسف أمثال سليم هم قليلون جدًا في المجتمع الجزائري.

اقرأ أيضًا: القراءة حياة.. ما أهمية القراءة في حياتنا؟

محاولات خجولة لرد الاعتبار

يتبنى معرض الكتاب الدولي في الجزائر لهذه السنة شعار "نقرأ لننتصر"، في محاولة ضمنية لضخ جرعات العزيمة على رد الاعتبار للقراءة والمطالعة في عقول النشء بعدهم مستقبل الوطن الذين سيرفعون مشعل التطور والرقي العلمي والحضاري للبلاد.

يقول العلامة عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: "شعب يقرأ.. شعب لا يجوع ولا يُستعبد"، تشير هذه المقولة إلى فضل القراءة في الحفاظ على سلامة العقل من الاستعباد الحضاري والغزو الفكري، والشبع العلمي الذي يؤسس لحالة من التطور والنمو في جميع المجالات.

لا بأس في الختام أن ننوه إلى وجود مبادرات على قلتها للارتقاء بمستوى القراءة لدى الشباب، بواسطة المسابقات الوطنية والدولية التي أظهرت نوابغ في القراءة والتلخيص والتحليل كمًا وكيفًا، وهذا ما يبشر بوجود جيل قادم سيكرم القراءة وتكرمه القراءة هي كذلك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة