معايير الشخصية السوية من وجهة نظر علم النفس

دائمًا ما يسعى الإنسان إلى الكمال، سواء في علاقته بنفسه أو في أخلاقه وسلوكه وعلاقاته بالآخرين، ويعمل جاهدًا طوال حياته إلى التخفيف من الصفات والخصال السيئة التي يمكن أن تكون في طباعه أو تصرفاته، ومهما حاول الوصول إلى درجات الكمال المطلق فلن يصل؛ فهو إنسان في النهاية، مرة يخطئ ومرة يصيب؛ لأن الكمال لله في النهاية، وقد أودع الله أبهى الصفات خُلُقًا وخَلْقًا في نبي المرسلين وخاتمهم رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

ومع تقدم العلم الحديث وتطوير الفكر الإنساني، فقد انتشر انتشارًا واضحًا المئات من الكتاب النفسيين والأخصائيين في مجال دراسة الإنسان وما يميزه عن غيره من المخلوقات الموجودة على الأرض. ومن أهم ما يميزه هو تحليه بالصفات السلبية منها والإيجابية، وعليه اختصت الكتب المكتوبة والبحوث في الحديث عنها، فالصفات الإيجابية تؤدي إلى خلق الشخصيات السوية، أي الشخصيات الكاملة في الأخلاق والطباع، وعليه فقد انتشرت حملات التوعية النفسية والأخلاقية لجميع الأفراد في المجتمع، وبوجه خاص للأفراد الذين هم في سن المراهقة، الذي يُعد سنًا خطيرًا نتيجة التغيرات السلوكية والمعرفية والأخلاقية التي يمكن أن تؤدي هذه التغيرات إلى تكوين شخصية غير سوية أو شاذة.

صفات الشخص السوي

مع تعدد الدراسات عن "صفات الشخص السوي"، فقد اعتمدت على عدة معايير توضح صفات هذه الشخصية... ومن هذه المعايير:

التوازن في تلبية المطالب بين الروح والجسد

خُلق الإنسان من روح وجسد، وكل منهما له من المطالب التي يجب تلبيتها بطريقة متوازنة، فمطالب الروح مثلًا، الشعور بالأمان والسلام الداخلي باللجوء إلى الله، وذلك بالصلاة وقراءة القرآن، وبذلك يحقق الإنسان السلام الداخلي مع نفسه.

أما مطالب الجسد، مثل الطعام والشراب وغير ذلك، فينبغي تلبيتها إلى الحد المقبول، فالزيادة أو الشراهة في تناول الطعام تجعل الإنسان لا يشبع ويرغب بمزيد ومزيد، وهذا ينعكس على المطالب الروحية فيؤدي إلى الجشع والطمع والكسل وحب التملك، إذ يصبح الإنسان باختصار، إنسانًا سلبيًا وشاذًا.

وتجدر الإشارة إلى أن تلبية مطالب الروح على حساب الجسد، أو العكس، يؤدي إلى حدوث اختلال في الشخصية، وتصبح بالتدريج شخصية شاذة أو غير سوية.

الفطرية

حتى تكون الشخصية سوية، يجب أن يكون السلوك منسجمًا مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وكلما كان السلوك أقرب إلى الفطرة السليمة، كان الشخص سويًّا، والعكس صحيح.

الوسطية

والمقصود بها تحقيق توازن في أداء السلوك. وللتوضيح أكثر، نأخذ على سبيل المثال "الإنفاق". إن الإنفاق يكون بين الإسراف والتقتير، فعندما ينفق الإنسان أمواله في الحدود المقبولة والمعقولة، تكون الشخصية سوية، أما إذا وصل الإنفاق إلى حد التبذير والإسراف، أو إذا اتسم بعدم إنفاق وبخل شديد، فإن ذلك يدل على أن الشخصية غير سوية حسب الدراسات.

الاجتماعية

أي قدرة الإنسان على إقامة علاقات بالآخرين، وتجاوبه مع محيطه بفضل سلوكه وأفعاله، على أن تكون هذه الأفعال سوية دون اختلاق المشكلات مع الآخرين.

المصداقية

وهي المعيار الذي يُعد ذا أهمية بالمقارنة مع المعايير السابقة، فالصدق مع الناس ومع الذات يُعد معيارًا على سوية الشخص، وهذا المعيار هو معيار داخلي نفسي مع الإنسان ذاته وضميره، فحين يكون الإنسان صادقًا مع نفسه، يكون صادقًا مع الآخرين، وينعكس ذلك على أخلاقه وأفعاله، وكلما كان ظاهر الإنسان يختلف عن باطنه، كان شاذًا.

الإنتاجية

أي القدرة على العمل والإنجاز، فالعمل يسهم في تحسين حياة الإنسان من الناحية المعنوية والمادية، فيصبح أكثر قدرة على التفاعل مع الآخرين واكتساب المهارات والصفات الجيدة حسب العمل. والعكس، فإن عدم العمل يؤدي إلى الكسل والبطالة، وينعكس ذلك على شخصية الفرد باكتسابه أسوأ الصفات والخصال، كاللجوء إلى المخدرات لنسيان الواقع، ويصبح عنيفًا في تصرفاته مع المحيط.

وفي الختام، مهما تعددت المعايير التي يمكن أن نحكم بها على سوية شخص أو لا، فإن القدرة على مطابقة هذه المعايير مع الواقع تكون صعبة، فقد تكون شخصية الإنسان تحتوي على معيار أو اثنين من هذه المعايير، أو قد يكون معيار يغلب على آخر، كل حسب تكوينه النفسي. مهما كان، يجب علينا كأفراد محاولة اكتساب الجيد من الصفات التي تجعلنا مقبولين اجتماعيًّا ومقبولين لدى أنفسنا، والابتعاد قدر الإمكان عن الصفات التي تجعلنا غير مقبولين وسلبيين.