يعاني صغار الفلاحين من كل أشكال التهميش والاستغلال، وسأتحدث عن فلاحي الطماطم المعدة للتحويل في أرياف القيروان في تونس، الذين عايشت كل تفاصيل معاناتهم من أول موسم زراعتها في سنة 2009 إلى حد هذا اليوم.
وتلك الحلقة المغلقة التي لم يستطع الفلاح فكها أو الخروج منها.
اقرأ أيضًا الفوائد الصحية للطماطم.. تعرف عليها الآن
موسم زراعة الطماطم
يعلم أصحاب المعامل جيدًا أن هذه الفئة من الفلاحين متمسكون بأرضهم، وأن عائقهم الوحيد هو وسائل الإنتاج لغلاء وفرتها.
فسعت جاهدة بإبرام عقود في أول المواسم الفلاحية مع صغار الفلاحين عن طريق وسطاء وسماسرة؛ لإلزامهم ببيع المنتج لهم فقط مقابل 150 مليم للكيلو الواحد، وذلك بعد منحهم قروضًا ذات فوائد مرتفعة، وتزويدهم بالأدوية والبذور بأسعار مضاعفة.
حرص أصحاب المعامل في أول موسم لزراعة الطماطم المعدة للتحويل على توفير مشاتل ممتازة، ومع الأراضي البكر، التي لم تكن تنتج في أغلبها سوى الحبوب كان المحصول وفيرًا.
وسدد أغلب الفلاحين ديونهم المتعلقة بذمتهم عند الوسطاء، وأغلبهم كبار الإقطاعيين المنتمين لاتحاد الفلاحين، ووفروا في جيوبهم هامشًا من الربح، وهو ما حفز هؤلاء الفلاحين لإعادة التجربة في الموسم القادم، وبهذا بدأت سلسلة المتاعب والشقاء والتبعية وشكل جديد من أشكال العبودية.
"هاني طلعت خماس في أرضي"
هذا ما تفوه به شاب من شباب منطقة العين البيضاء في موسم صيف 2022 بعد انتهاء جني المحصول وتسليمه للوسيط، وخروجه بدين إضافي يقدر بـ300 دينار سيكملها من جيبه.
اقرأ أيضًا حمى الطماطم.. طرق الوقاية منه وكل ما تريد معرفته عن هذا المرض
قانون الخماسة
في القديم كان قانون الخماسة ينص على ما يأتي: "لا يحق للخماس مغادرة الضيعة إلا في صورة تحوله إلى فلاح، وفي صورة استحالة ذلك، وإذا خطر له مغادرة الضيعة للعمل بمكان جديد، فإن القايد يفرض عليه العودة وإعادة تجديد العقد مع مشغله الأصل.
إنها عبودية صريحة، وهنا لا تختلف في شيء عمّا يحدث لصغار فلاحينا في هذا الزمن، سوى في الأسلوب الذي لبس قناع الحداثة بحجة تشجيع صغار الفلاحين على الإنتاج.
لكن في الحقيقة صار هذا الفلاح سجين وضعه، شأنه شأن الخماس، وشأن فتاة الماخور التي تصبح خاضعة لوسيطة البغاء التي تمكنها من دفعة مالية شبيهة بسلفة يوم دخولها الماخور.
فتستعمل الوسيطة كل السبل لحمل الفتاة على اللجوء إلى الدفعة المالية، ودون انقطاع، وتلجأ للوسائل نفسها لمنعها من التخلص من ديونها أو التفكير في تسديدها، وذلك برفع في ثمن الملابس والمساحيق الضرورية، التي توفرها وسيطة البغاء لتلك الفتاة.
بالطرائق نفسها يتصرف أصحاب المعامل تجاه الفلاحين بإغراقهم في الديون، وذلك بإعطائهم مشاتل غير منتجة بأسعار عالية جدًّا، ورفع في ثمن الأسمدة والأدوية وإعطاء ديون مالية دون أي شرط، وهكذا تتضخم ديون الفلاحين.
ولكي يستطيعوا سدادها يجدون أنفسهم مضطرين لحراثة الموسم القادم، آملين في تسديد ديون الموسم الماضي والموسم الجديد معًا، لكن هيهات!
مع مشاتل غير منتجة وأرض متعبة وديون أسمدة وأدوية وماء وحراثة وعمال، يجد الفلاح نفسه بين مطرقة القضاء وعدل تنفيذ وبيع محاصيل الزيتون؛ لتسديد ديون الطماطم وسندان عقد جديد لموسم فلاحي جديد على أمل إنتاج وفير يخلصه من سلسلة الديون السابقة.
مقال جيد للاسف هذه معاناة اغلب الفلاحين في الصغار دول العالم الثالث
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.