مظاهر تمكين المرأة في المجتمع السعودي وأهميته

في خضم التحوُّلات الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يطفو تمكين المرأة قضية محورية لا تُختزل في مجرد خطوات إصلاحية، بل هي ثورةٌ تنموية تُعيد تعريف دور المرأة فاعلًا رئيسًا في بناء المجتمع.

فتمكين المرأة -بوصفه عمليةً شاملةً لتوسيع خياراتها التعليمية والاقتصادية والاجتماعية- ليس ترفًا ثقافيًّا، بل ضرورةٌ إنسانية تُطلق طاقات نصف المجتمع، ويهدف إلى تعزيز حقوق المرأة وتطوير مهاراتها، ما يمكنها من تحقيق طموحاتها والمشاركة الفعالة في بناء المجتمع.

أهمية تمكين المرأة السعودية

ويُعد تمكين المرأة من أهم العوامل التي تسهم في توازن المجتمع ونموه، إذ يعزز من العدالة الاجتماعية، ويعزز قيم العدالة بوجه عام والعدالة الاجتماعية خصوصًا، ويُسرِّع وتيرة الازدهار، ويسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

إن قدرة المرأة على الانخراط والمشاركة في مختلف المجالات تُعد من الدلائل الأساسية على تقدم المجتمعات ورقيها، فالمجتمعات التي تُكرّس مبدأ المساواة تُنتج أفرادًا أكثر إبداعًا، وأسرًا أكثر تماسكًا، واقتصاداتٍ أكثر مرونة.

وما يُضفي زخمًا استثنائيًّا على هذه الرحلة في السعودية هو انسجامها العضوي مع رؤية 2030 التي جعلت من تمكين المرأة ركيزةً لتحقيق أهدافها الطموحة، فمن رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30% إلى تعزيز حضورها في المناصب القيادية والسياسية.

دور المرأة في سوق العمل وتأثيرها في الاقتصاد

تُعد زيادة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل إحدى أبرز محركات النمو الاقتصادي في المملكة، إذ تحوَّلت من قوةٍ معطلةٍ إلى رافدٍ أساسي في تنويع مصادر الدخل وبناء اقتصادٍ معرفيٍ قائمٍ على الكفاءات، وفيما يلي تحليلٌ مُرتَّبٌ لأثر دور المرأة في الاقتصاد الوطني مع أدلةٍ داعمة:

رفع نسبة مشاركة المرأة وزيادة الناتج المحلي

إذ أُطْلِق برنامج تنمية القدرات البشرية (ضمن رؤية 2030) لتمكين المرأة من المهارات الرقمية والقيادية.

مبادرة توطين الوظائف في قطاعات مثل الصحة والتعليم والتجزئة، إذ ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 19% في 2016 إلى 36% في 2023 (وزارة الموارد البشرية)، ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي (2023)، أسهمت زيادة مشاركة المرأة في رفع الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 2.5% سنويًّا منذ 2018.

تنويع الاقتصاد ودعم القطاعات غير النفطية

  • جرى تخصيص 30% من وظائف القطاع السياحي للنساء (الهيئة السعودية للسياحة).
  • دعم المرأة في قطاعات التقنية والطاقة المتجددة (مشروع نيوم، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم).
  • أسهمت النساء بنسبة 28% من إجمالي العاملين في قطاع التقنية بحلول 2023 (الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي).
  • حقق القطاع الصحي -إذ تشكل النساء 45% من القوى العاملة- نموًّا بنسبة 7% في 2023 (وزارة الصحة).

المرأة السعودية في القطاع الصحي

تعزيز ريادة الأعمال وخلق فرص العمل

  • يوجد منح تمويلات تصل إلى 500 ألف ريال للمشروعات الصغيرة المملوكة لنساء عبر بنك التنمية الاجتماعية.
  • إطلاق منصات مثل "اقرأ" لدعم رائدات الأعمال في المناطق النائية.
  • ارتفع عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المملوكة لنساء من 4% في 2017 إلى 18% في 2023 (الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة)، وأسهمت هذه المؤسسات بتوفير 150 ألف وظيفة جديدة بحلول 2023 (الغرفة التجارية السعودية).

خفض معدلات البطالة وزيادة الإنتاجية

  • طُبِّق التمييز الإيجابي في توظيف النساء في القطاع الخاص عبر برنامج "نطاقات" بواسطة ذلك، انخفضت بطالة الإناث من 34% في 2016 إلى 16% في 2023 (الهيئة العامة للإحصاء).
  • أظهرت دراسة لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن (2023) أن الشركات التي تضم فرق عملٍ مختلطة سجلت زيادة في الإنتاجية بنسبة 22% مقارنةً بغيرها.

جذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز الصورة الدولية

  • أُدْخِلَت إصلاحات نظام العمل المرن (كالعمل عن بُعد) لجذب الشركات العالمية.
  • مشاركة المرأة في الفعاليات الاقتصادية الدولية (مثل قمة G20).
  • تصنيف السعودية في المرتبة الثانية عربيًّا في مؤشر الفجوة الجندرية 2023 (المنتدى الاقتصادي العالمي).
  • ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات النسائية بنسبة 40% منذ 2020 (وزارة الاستثمار).

تحسين التوازن المالي للأسر ودعم الاستهلاك

  • وفقًا للبنك المركزي السعودي، تُسهم المرأة بـ32% من دخل الأسر العاملة، ما عزز القوة الشرائية في السوق المحلي.
  • ارتفع إنفاق الأسر التي تعمل فيها النساء بنسبة 25% على التعليم والصحة مقارنةً بالأسر الأخرى (دراسة لمركز أبحاث الاقتصاد السعودي).

بناء رأس مال بشري مؤهل للمستقبل

  • زيادة نسبة الإناث في تخصصات STEM (العلوم والتكنولوجيا) إلى 35% في الجامعات (وزارة التعليم).
  • برامج الابتعاث الخارجي التي شملت 52 ألف طالبة بحلول 2023 (الملحقية الثقافية السعودية).
  • تشير التوقعات إلى أن الكفاءات النسائية في قطاع الذكاء الاصطناعي ستُسهم بإضافة 15 مليار دولار للناتج المحلي بحلول 2030 (استشراف قطاع التقنية).

نستنتج من ذلك أنه لم يقتصر أثر تمكين المرأة على زيادة الأرقام الإحصائية، بل حوَّلها إلى أداةٍ استراتيجيةٍ لتحقيق أهداف رؤية 2030، مثل: خفض الاعتماد على النفط من 70% إلى 50% بحلول 2030، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 40% إلى 65%، كما أسهم في تغيير الصورة النمطية عن الاقتصاد السعودي، وجعله بيئةً جاذبةً للاستثمارات العالمية القائمة على التنوع.

إذًا، لم تعد مساهمة المرأة السعودية في الاقتصاد تُقاس بعدد الوظائف فحسب، بل بدورها في صناعة تحوُّلٍ تنمويٍّ شامل. ومع ذلك، لا تزال توجد فجواتٌ تتطلب تعزيزًا للبنية التحتية الداعمة (كالحضانات)، وتشريعاتٍ أكثر صرامةً للحد من التمييز في الأجور، وهو ما ستركز عليه التوصيات لاحقًا.

تأثير تمكين المرأة على العلاقة الأسرية والمجتمعية

شهدت المملكة العربية السعودية تحولاتٍ اجتماعيةً متسارعةً، تمثلت في تمكين المرأة وزيادة فرصها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. وفيما يلي تحليلٌ لتأثير تمكين المرأة على العلاقة الأسرية والمجتمعية:

التوازن بين العمل والحياة الأسرية

مع دخول المرأة إلى سوق العمل، أصبحت الأسرة أكثر انفتاحًا على نمط الحياة التشاركية، فقد أجرى مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني عام 2020 دراسةً أظهرت أن 70% من النساء العاملات يشعرن بأنهن قادراتٍ على إدارة الوقت بين العمل والمسؤوليات المنزلية، ما يسهم في توزيع الأدوار بطريقة متوازنة.

التوازن في حياة المرأة السعودية العاملة

دور المرأة كونها بطلة في التربية

عندما تعمل المرأة خارج المنزل، تكتسب دورًا جديدًا كونها قدوة لأبنائها، وتظهر لهم قيمة الجهد والعمل. وقد أظهرت استطلاعاتٌ في 2021 أن الأطفال الذين تعمل أمهاتهم يتقبلون فكرة العمل والمساواة بين الجنسين، ما يسهم في تغيير المفاهيم التقليدية عن الأدوار الأسرية.

زيادة الدعم العاطفي والمشاركة

يؤدي تمكين المرأة إلى تحسين سبل التواصل والدعم بين أفراد الأسرة.  وبالبحث الاجتماعي لجامعة الملك سعود في 2022، تبيَّن أن الأسر التي تضم نساءً عاملاتٍ كانت أكثر قدرةً على معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية جماعيًّا، ما يظهر درجةً أعلى من التفاهم والدعم بين الأفراد.

تغيير القيم المجتمعية

يمكن أن يؤدي زيادة انخراط المرأة في مختلف المجالات إلى إعادة تشكيل القيم المجتمعية. وتشير دراساتٌ أجرتها هيئة التراث في 2023 إلى أن المجتمعات التي تُدرك أهمية تمكين المرأة تشهد لاحقًا تغيراتٍ إيجابيةً في التوجهات الثقافية، مثل زيادة نسبة القبول بالنساء في المناصب القيادية.

تحسين علاقات الجوار والتفاعل الاجتماعي

إن مشاركة المرأة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية تُسهم في تعزيز العلاقات بين الجيران والمجتمع المحلي، وقد أظهر تقرير وزارة الداخلية في 2021 أن 65% من النساء المشاركات في النشاطات المجتمعية يُسهمن بفاعلية في تعزيز الروابط الاجتماعية، ما يسهم في خلق مجتمعاتٍ متماسكة.

مشاركة المرأة السعودية في الأنشطة الثقافية

زيادة الانفتاح على التنوع

عندما تكون المرأة جزءًا نشطًا في المجتمع، يزداد التعرف على خلفياتٍ وثقافاتٍ مختلفة، فقد أظهرت دراسة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في 2022 أن الأسر التي تضم نساءً عاملاتٍ أبدت استعدادًا أكبر لتقبُّل الفروقات الثقافية والانفتاح على التجارب الجديدة.

تعزيز الشراكة مع الرجال

يؤدي تمكين المرأة إلى تحسين العلاقات بين الأزواج عن طريق تعزيز الشراكة والمشاركة الفعلية، فقد أظهرت دراسةٌ عن العلاقات الأسرية في 2023 أن الأزواج الذين تشارك معهم الزوجات في الأعباء اليومية يميلون إلى تعزيز النقاشات المستدامة واتخاذ القرارات على نحو مشترك، ما يسهم في تقوية الروابط الأسرية.

إذًا، يمكن القول إن تمكين المرأة في السعودية له تأثيراتٌ إيجابيةٌ متعددةٌ على العلاقات الأسرية والمجتمعية، فمن تعزيز التواصل والدعم في إطار الأسرة إلى تغيير القيم المجتمعية وزيادة التفاهم والانفتاح، تظهر هذه التغيرات خطواتٍ مهمةً نحو تكوين مجتمعٍ أكثر توازنًا وشموليةً. إن التفاصيل المذكورة هنا تشير إلى أن تمكين المرأة ليس مجرد قضيةٍ فردية، بل هو استثمارٌ في مستقبل المجتمع ككل.

العقبات التي تواجه تمكين المرأة في بعض مجالات سوق العمل

على الرغم من التقدم الملحوظ في تمكين المرأة في السعودية، فإنها لا تزال تواجه عدة عقباتٍ في سوق العمل، فيما يلي نظرةٌ متسلسلةٌ توضح هذه التحديات مع الاستشهاد بالأدلة:

الأعباء الأسرية

فهي تتحمل في كثيرٍ من الأحيان مسؤولياتٍ منزليةً وأسريةً قد تحدُّ من قدرتها على الانخراط في سوق العمل انخراطًا كليًّا، وفي دراسةٍ لمؤسسة الملك خالد صدرت في 2021، أظهرت أن 58% من النساء يعانين صعوبة التوازن بين العمل والمسؤوليات الأسرية، ما يُسهم في انخفاض نسبة مشاركتهن في القوى العاملة.

قيود النقل والمواصلات

ففي بعض المناطق، تظل قلة وسائل النقل الآمنة والميسَّرة من العقبات التي تواجه النساء في الوصول إلى مواقع العمل، وقد أشار التقرير الصادر عن وزارة النقل في 2022 إلى أن 45% من النساء العاملات يواجهن صعوباتٍ في التنقل بسبب عدم توافر وسائل نقلٍ مناسبة، ما يؤثر في اختياراتهن الوظيفية.

قلة وسائل النقل للمرأة السعودية

الفجوة في الأجور والفرص

توجد فجوةٌ قائمةٌ في الأجور بين الجنسين، إضافة إلى نقص الفرص التقدمية للنساء في بعض القطاعات، ووفقًا لتقرير الهيئة العامة للإحصاء لعام 2023، كان متوسط الأجر للنساء في بعض المهن أقل بنسبة 20% مقارنةً بالرجال، ما يُسهم في تراجع الحماسة للانخراط في تلك المجالات.

الصورة النمطية والقيود الثقافية

لا تزال بعض المفاهيم الثقافية والنمطية المتعلقة بأدوار الجنسين تُعيق المرأة من تحقيق كامل إمكانياتها في العمل، فقد أُجريت دراسةٌ من قبل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في 2022، أظهرت أن 57% من المشاركين يرون أن الأدوار التقليدية لا تزال تؤثر في اختيارات النساء المهنية، ما يحدُّ من قدرتهن على التقدم.

نقص التدريب والتأهيل

تواجه كثير من النساء صعوبةً في الحصول على التدريب والتأهيل المناسب للوظائف المتاحة، فوفقًا لتقرير وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لعام 2023، أكدت 55% من النساء أن نقص الفرص التدريبية أثَّر في إمكانية حصولهن على وظائفٍ ذات مستوى أعلى.

عدم وجود سياساتٍ مرنة لدعم العمل عن بُعد

يفتقر الكثير من أصحاب العمل إلى سياساتٍ مرنةٍ تسمح بالتوازن بين العمل والحياة المنزلية، ما يؤثر سلبًا في النساء، فقد أجرت مجموعة "ماكنزي" دراسةً في 2023 أوضحت أن 65% من النساء العاملات يرغبن في العمل بنظامٍ مرن، لكن 30% فقط منهن يتمكنَّ من الحصول على هذه الفرص.

التمييز في التوظيف

لا يزال التمييز في التوظيف يُمثل عقبةً كبيرةً أمام النساء في بعض القطاعات، فقد أشارت دراسةٌ للجمعية السعودية للعلوم الإدارية في 2022 إلى أن 47% من النساء أفدنَ بأنهنَّ تعرَّضن لمواقف تمييزية في أثناء البحث عن عمل.

إذًا، تتعدد التحديات التي تواجه المرأة في سوق العمل في السعودية، من الأعباء الأسرية إلى الفجوات في الأجور والفرص، ويتطلب التغلب على هذه العقبات تعاونًا بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع بوجه عام، لتعزيز الشمولية وتحقيق بيئة عملٍ تدعم تمكين المرأة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة