مظاهر الأزمة الأخلاقية في التربية المعاصرة

الأعراض التي تشير إلى وجود أزمة أخلاقية وروحية في أية تربية هي وجود مغتربين، وفقراء، ومحرومين من حرية التعبير. إن وجود الفئات المغتربة في أي مجتمع يدل على أن قيم ذلك المجتمع أُصيبت بالتخبط والاضطراب، وتسببت في قيام علاقات غير سليمة. 

وتعاني التربية الحديثة من أزمات تفرز أعراضًا، وتتمثل مظاهر التناقض في ما يلي:

1- الفردية في مقابل الروح الجماعية

هذا التناقض من أخطر أزمات الأخلاق والقيم التي تعاني منها التربية في المجتمعات الغربية، فهي تعمل على تنمية الروح الفردية، وتهتم بتميز الفرد واستقلاله وقوة الأنا الذاتية، وتعمل أيضًا على بلورة علاقات إنسانية قوية تربط بين الأفراد في هوية مشتركة.

والفردية المقصودة هنا لا تعني تميز الفرد واستقلاليته، وإنما هي التمركز حول الأنا والاعتقاد بأن الفرد هو الوحدة الأساسية المهمة في كل قرار.

وتؤدي المدارس دورًا في التأكيد على الفردية أكثر من الإحساس بالرؤيا الجماعية، فهي تؤكد نجاح الفرد وتفوقه في العلامات إلى درجة تدفعه لـ "الغش" لتحقيق هذا التفوق.

اقرأ أيضًا: نشأة التربية الأخلاقية في التربية الحديثة

2- كرامة الإنسان في مقابل إنجازات الفرد وممتلكاته

يتمثل محور الأزمة الأخلاقية والكرب النفسي في التربية المعاصرة في أنها تظهر تناقضًا شديدًا بين الاعتقاد الأخلاقي الذي يؤكد على كرامة كل فرد، وبين الإجراءات الاجتماعية الأكثر شيوعًا.

وحين يذهب الطلبة إلى المدارس يتذوقون هذا التناقض، ويتوجهون للأخذ بمقياس النفعية والطبقية؛ لأنهم سرعان ما يدركون أن العلامات والجوائز، والاعتبار، والتقدير كلها مشروطة بإنجازاتهم المدرسية وبالطاعة والخضوع.

3- المساواة في مقابل التنافس للتفوق

تتضمن نتائج التشديد على الفردية والتنافس والإنجاز الشخصي والنجاح محو الالتزام التقليدي بالمساواة الاجتماعية.

ويبدو الاهتمام بالمساواة متلازمًا مع الدافع الإنساني. وتشجع المدرسة هذا الاتجاه بتقديم الغذاء، وتدريس القصص والموضوعات التي تحث على رعاية الفقراء والأيتام والضعفاء.

4- القوة الشرعية في مقابل قوة القسر والإكراه

للقيام بالمسؤولية لا بد من ممارسة القوة بكل مخاطرها واحتمالاتها. والقوة بذاتها ليست خيرًا ولا شرًّا. فالذي يعطي القوة معناها الحقيقي ويجعلها أداة حياة ويسر هو الحدود الأخلاقية والروحية التي توجهها. والذين يتخذون قرارات تقوم على القسر والإكراه يهتكون مبادئ الشرعية ويفرضون إرادتهم الخاصة ويضعون القوة في خدمة هذه الإرادات.

وتبرز وظيفة التربية في تنشئة الجيل على توظيف القوة في خدمة الشرعية لا الإرادات الشخصية، وإبراز الشرعية.

اقرأ أيضًا: المناهج المعاصرة مفتاح تطوير عملية التعليم

5- الهيمنة في مقابل الرقابة الديمقراطية

اتسع الدافع الإنساني في محاولة ضبط قضايا المصير وأبعاد التملك، وبرز على مسرح العلاقات البشرية اتجاهان متعارضان:

الاتجاه الأول: يحاول الحد من مخاطر المشكلات العالمية وتخفيف مضاعفاتها.

الاتجاه الثاني: يعمل على الحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية.

والرقابة الديمقراطية في ذاتها أمر لا بد منه وضروري لإقرار النظام ومنع المشكلات.

6- العنصرية في مقابل العالمية والأخوة الإنسانية

تبدو واضحة في علاقات الشعوب والأقطار في أوقات الخلاف والسلم سواء. أما في أوقات الخلاف فلا تكاد الحكومات التي يحدث بينها الخلاف وسوء التفاهم تضغط على الزر الاجتماعي.

وتبدو هذه الروح العنصرية في أيام السلم في الكراهية والريبة التي يبديها المقيمون الوطنيون إزاء الأجانب الموقوتي الإقامة. وتتحمل التربية الحديثة مسئولية كبيرة في شيوع هذه العنصرية.

7- التواضع في مقابل العجرفة

تتخذ العجرفة أشكالًا منها التعصب العنصري أو الإقليمي اللذان يبرزان ثمرة للتنافس الحاد. وأكثر ما تبدو العجرفة الثقافية في التربية المعاصرة. فالتربية المعاصرة تتضمن المعرفة، والمعرفة تتطلب الحرص والحذر والتواضع. إن التربية الحديثة تستطيع القول إنها حققت انتصارات في مجال وسائل الحياة، وإنها أثرت الحياة بالتقدم التكنولوجي.

8- الاغتراب في مقابل الانتماء والسلوك

تعاني التربية الحديثة من عجز عن تطوير التزام أخلاقي دائم لتوجيه الحياة اليومية. فهي في اهتماماتها الجافة المقتصرة على ميادين العلوم الطبيعية وتسهيل اقتفاء النجاح الفردي. إن أزمة التربية الحديثة الرئيسة هي أزمة الثقافة العالمية المعاصرة التي تقودها هذه التربية. فالثقافة الحالية ومربوها يواجهون مشكلة شديدة الخطر وهي ضرورة وجود ثقافية بديلة جديدة.

اقرأ أيضًا: ما هي وظائف فلسفة التربية؟

9- ضرورة التغيير في مقابل الرضا بالاستقرار

تواجه التربية الحديثة مشكلة وتناقضًا في القيام بوظيفتين متناقضتين:

الأولى: العمل على تحطيم الواقع الجامد الذي لا يتوافق مع حاجات المرحلة ومتطلباتها.

الثانية: العمل على إشاعة الاستقرار والرضا بالواقع القائم.

10- خداع النفس في مقابل المسؤولية المهنية

وخلاصة هذا التناقض أن التربية الحديثة تنمي في النفس ظاهرتين:

الأولى: خداع النفس، وهي توهم الفرد بأنه يعمل عملًا رفيعًا ساميًا.

والثانية: أن التربية الحديثة من الناحية التطبيقية تزج الفرد في ممارسات عملية تكشف عن أنها في الحقيقة تغرق الفرد في المنافع الفردية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة