لقد جعلت الكتب من "رومل" أسطورة عسكرية يُشار إليها بالبنان؛ فقد وصفته بأنه رجل شجاع، لا يكل ولا يتعب؛ فهو دائمًا يتقدم الصفوف أمام قواته، فيبث فيهم روح الشجاعة والتفاني، ويوجههم توجيهًا سليمًا.
وكان جنوده يثقون به ويحبونه حبًّا جنونيًّا، وكان أعداؤه يقدرونه ويعملون له ألف حساب، وقد قال عنه تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا: "إن أمامنا خصمًا جسورًا لا قبل لنا به، وإنه قائد عظيم على الرغم ما بيننا وبينه من حروب".
وكان محط أنظار قادة الدول المتحاربة نظرًا لجرأته غير العادية في المواقف والمواجهات. وقد اعترف الجميع ببراعته في التكتيك، وإن كانوا قد أخذوا عليه قلة اعتماده على فنون الإمدادات.
ثعلب الصحراء
وقد تعرض (رومل - ثعلب الصحراء) لبعض الانتقادات من رؤسائه أمثال الجنرالات جربيولدي وباستيكو وكافاليرو؛ لأنهم أحسوا منه احتقارًا لهم، وتجاهلًا لكلامهم، وتخطيًا لهم في تحركاته وتصرفاته.
وكان القادة الإيطاليون يتضايقون لتوجيهه اللوم إليهم بسبب قلة ما يقدمونه له ولقواته من عتاد وعدة؛ وهذا ما جعل روحًا عدائية تتكون تجاه رومل.
أما تسميته "ثعلب الصحراء" فترجع لصولاته وجولاته في صحراء إفريقيا الشاسعة خلال الحرب العالمية الثانية.
نبذة عن معارك روميل في إفريقيا
ولكي نرسم صورة واقعية لرومل، فسوف نذكر بعض المواقف في الحرب الإفريقية:
كانت بداية انتصارات رومل في إبريل 1941م، إذ تمكن من استعادة "برقة" في ليبيا بعد أن سلبها الجيش الإنجليزي قبل هذا التاريخ بشهرين إثر هزيمة الجيش الإيطالي على يد قوات الجنرالين الإنجليزيين ويفل وأوكونر.
وقد كسب رومل هذه الجولة نتيجة عتاده الشديد وذكائه الحاد، فقد أبلغته هيئة الأركان الألمانية بعدم التحرك قبل أن تصله التعزيزات المناسبة.
وكانت هذه الإمدادات لن تصل قبل شهر مايو، ما جعله يلغي هذا الأمر من حساباته، ووضع خطته على حسابات الوضع القائم.
وكان يجوب الصحراء ذهابًا وإيابًا مرات عدة؛ تارة لتوجيه قوات ضالة، وتارة لإنقاذ جنود معزولين، وتارة لإمداد القوات الإيطالية بالوقود بعد أن نفد الوقود الموجود في خزاناتها، وتارة لتجميع القوات المتفرقة.. وهكذا، فإنه لا يستريح لحظة واحدة ولا يعرف معنى الراحة!
لقد أخذ على عاتقه حماية الجيش الألماني والقوات الإيطالية الموجودة بامتداد الصحراء حتى لا يخسر أي جندي أو معدة؛ لأن التفريط في القليل يؤدي به إلى خسارة كبيرة. وقد دأب رومل على الوجود في مقدمة الصفوف أمام جنوده، يوجههم ويحركهم ويحفزهم.
وبعد حصوله على برقة، توجه إلى طبرق، إذ واجه هناك مقاومة عنيفة من القوات الأسترالية التي تجمعت هناك وظلت تقاوم بحماس شديد، فاستحال على رومل تخطي هذا الحاجز.
ومع أنَّ فرصة الحصول على طبرق لاحت له في السابع والثامن من إبريل 1942م، فإن القيادة في برلين ضيعت عليه هذه الفرصة لعدم توفير الإمدادات اللازمة له.
وقد نجح رومل في 8/4/1942م في احتلال "مخيلي" بقوات ألمانية وإيطالية، ثم انتصر في درنة، وأسر أكثر من 800 جندي إنجليزي، من بينهم جنرالان كبيران هما "نيم" و"أوكونر"، ولعل فشل رومل في الاستيلاء على طبرق قد غير سير الحرب تغييرًا جذريًّا.
وفي يوم 15/6/1942م، كانت معركة الغزالة التي أبلى فيها رومل بلاءً حسنًا، وتمكن من طرد القوات الفرنسية من "بير حكيم"، وهزم البريطانيين في "جاد الأحمر" و"جسر الفرسان"، ودمر الجانب الأكبر من مدرعات الجيش الثامن، وعمل على قطع طريق انسحاب الفرقة الأولى من قوات جنوب إفريقيا.
الهزيمة في العلمين
ولكن شدة الإرهاق والتعب أصابت جنوده، فأصبحوا غير قادرين على مواصلة القتال، فأخذ رومل يجري ويهرول بينهم ليبعث فيهم الحماس المفقود والروح الغائبة.
وتقدم رومل منتصرًا في طبرق ومرسى مطروح، ولكنه توقف عند العلمين، إذ واجهته قوات جنوب إفريقيا، وانهزم رومل هزيمة شنعاء في العلمين على يد القوات البريطانية، فأصيب رومل باليأس.
ولم يكن رومل السبب الأول في الهزيمة، إذ ثبت أنه طلب الانسحاب جنوبًا يوم 30 أكتوبر قبل انهيار قوات المحور بـ5 أيام، حتى تمده أجهزة الاتصال الإيطالية بـ1500 سيارة لنقل قوات المشاة الإيطالية، ولكن إيطاليا رفضت.
وطلب كل من هتلر زعيم ألمانيا النازية وموسوليني الاستمرار في المعركة إما النصر وإما الموت، ومن حينها نشأ خلاف بين رغبة رومل المبنية على حسابات واقعية وبين رغبة القيادة الألمانية والإيطالية المبنية على حسابات نظرية، فكانت الهزيمة التي نتج عنها وقوع مئات الألوف من الجنود الإيطاليين في الأسر، أما الألمان فعمل رومل على حمايتهم لأنه يثق بهم وبفعاليتهم القتالية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.