منذ الوهلة الأولى، سيدرك الباحث في مسيرة الكاتب المسرحي الراحل لينين الرملي وحياته الثرية، أنه يستحق بجدارة أن يوصف بأنه «رائد إيقاظ الوعي وإثارة التفكير النقدي»، وأنه في الوقت ذاته «باعث البهجة»، لإيمانه الراسخ بأن الكاتب هو جزء أصيل من صناعة الفن.
اقرأ أيضاً دراسة تكاملية وأدبية لقصة المارد للكاتب يوسف إدريس
مسيرة الكاتب المسرحي لينين الرملي
ومع مزيد من الإبحار في شخصية الكاتب وأوراقه ومقالاته، يوقن الباحث صدق ما قالته عنه زوجته الكاتبة فاطمة المعدول، التي أكدت أن السبب الرئيس لزواجها منه واقترانها به شريكًا موثوقًا لحياتها وأبًا لأطفالها هو «مخه الكبير»، فهو الرافض للقوالب النمطية، وتتذكر الكاتبة كيف كان يقول كلامًا على درجة عالية من الحكمة ورجاحة العقل إلى درجة أبهرت أساتذته عندما كان بعد طالبًا، بل إن أحد أساتذته قال لها إنه لم يصادف طالبًا نجيبًا مثل لينين منذ 10 سنوات.
ويجد الباحث في حياة الفنان الراحل نفسه بصدد مزيج فريد من الضحك واللعب والجد والحب، فأما عن الضحك، فقد أشارت فاطمة المعدول إلى أن لينين الرملي كان يدخل البهجة والبسمة على أسرته بمزاحه الذي يثير التفكير ويحترم العقل، وأما عن اللعب فلا تخلو حياته المهنية من اللعب بالألفاظ والأفكار التي تنفجر معها ضحكات الجمهور وقراء مقالات الرملي.
ووفقًا لمجلة المسرح، بتاريخ 1 فبراير1993، سألته مذيعة ذات يوم في حديث تلفزيوني: «كيف تكتب مسرحياتك؟» فأجابها الساخر الكبير: «على ورق مسطر من اليمين للشمال»، وهذا بديهي للغاية والطبيعي أن يكتب المرء على ورق وأن تكتب اللغة العربية من اليمين إلى اليسار، ولكن المؤكد أن المذيعة لم تتوقع تلك الإجابة الساخرة التي لا بد أن تفجر ضحكات جميع من استمعوا إليها من فمه.
وأما عن الجد، فقد أكد كل من عرفوا لينين الرملي أنه كان على الدوام مهمومًا بالوطن والمسرح والناس وبأسرته، وأكدت زوجته في كثير من المناسبات واللقاءات أنه كان أبًا نموذجيًّا، وأكدت حرصه على متابعة تربيه ابنه وابنته بنفسه، وتتذكر الكاتبة فاطمة المعدول أن أول حديث جرى بينهما يعود تاريخه إلى أكتوبر في عام 1966.
اقرأ أيضاً تعلم كتابة السيناريو
تابع مسيرة الكاتب المسرحي لينين الرملي
وكان ذلك عند مدخل معهد الفنون المسرحية، وكان يتحدى المألوف السائد، في شفافية يحسد عليها، وأعرب عن مخاوفه من أن مصر قد تكون على وشك كارثة، وبالطبع عارضته فاطمة وصديقاتها وعدَّوه متشائمًا أو مجنونًا، ولكن وقعت النكسة في 5 يونيو 1967، قبل مرور سنة من ذلك الحوار، وكشفت الأيام عن أنه لم يكن متشائمًا، بل كان يتوقع نتيجة منطقية لأوضاع سائدة في عصره.
ومنذ 25 يناير 2011، ساءت الحالة الصحية للينين الرملي، وشارك برأيه وبسخريته المعهودة على صفحته الموجودة حتى الآن على موقع فيسبوك، وأصبح عرضة لعدد من الجلطات في أعقاب إصابته بتصلب الشرايين، ويقال إن عائلته رفضت أن تطلب له العلاج على نفقة الدولة على مدار 3 سنوات، وهو موقف أصر عليه من قبل لينين الرملي كل من المخرج الراحل عاطف الطيب والأديب الراحل يحيى حقي، أي إن لينين الرملي ظل يصارع المرض 3 سنوات، ولم تبلغ أسرته أحدًا بمرضه.
اقرأ أيضاً ملاحظات في فن القص و الحكي
نجاح لينين الرملي في تحقيق أحلامه
ونجح لينين الرملي في كل ما كان يتمناه، فقد أحبه المصريون من مسرحياته ومقالاته، واعترف كبار النقاد والمثقفين ومؤلفي المسرح به كاتبًا وصاحب مشروع ومدافعًا عن الكوميديا، باعتبارها فنًّا راقيًا ولونًا فنيًّا رفيع المستوى بمقدوره أن يقدم للمجتمع خدمات جليلة ليس أقلها انتقاد السلبيات الاجتماعية، ومصارعة السلوكيات الخاطئة.
واستطاع كذلك أن ينقل الكوميديا إلى المستوى الأعلى بعيدًا عن أداء المهرجين والمضحكين، واستطاع أن يكمل رسالته الفنية وأن يعبر عن جميع أفكاره دون تنازلات ودون إلقاء محاضرات أخلاقية مباشرة أو فجة، ونال الاحترام حتى ممن رفضوه في سابق حياته.
الطريف هو ما دوَّنه شادي الرملي، نجل الكاتب الراحل عبر فيسبوك، ويميل شادي إلى النظر إلى أبيه على أنه تعثر ولكنه امتلك من المثابرة قدرًا ضخمًا، فتغلب على اسمه الغريب وسماته الأغرب، وطبعه «العجيب الذي لا يشبه أي طبع»، ومضى الابن يقول، بزهو واضح وفخر بمنجز أبيه المسرحي، أن لينين الرملي يمكنه بجدارة إضحاك الملايين على مآسيها.
وحاز إعجابهم وتصفيقهم الحار على كلامه الجاد، وتمكن باقتدار من تنفيذ جميع قناعاته، ولم يكن لأحلامه سقف سوى السماء، فلم يحسب حسابًا لأحد ورفض كل الأصنام والقوالب ولم يركع قط لشخص، أي أنه عاش، كما يقول المصريون: «بالطول والعرض» وجادل وناقش جميع الثوابت، وناقش كل الأمور التي لم تكن على استقامة واحدة مع قناعاته ورؤيته.
ورحل لينين الرملي عن عالمنا صباح يوم الجمعة، الموافق 7 فبراير 2020، بعد صراع مع المرض، وأسدل الستار على مسيرة فنية شديدة الثراء بما في ذلك عشرات الأعمال التي مزج فيها الفكر العميق بفنه الأثير، فن الكوميديا، وقدم عشرات المسرحيات على المسرح الخاص الذي لم يكن فيه أمل، فأفنى سنوات من عمره في التجربة والخطأ، وأكد إيمانه بالحلم في أن تخرج من المغمورين والعاديين قدرات فنية بالغة الصدق وبالغة التفوق.
اقرأ أيضاً مهارات وأخلاق وبناء الشخصية عند كُتَّاب المقالات
أعمال الكاتب لينين الرملي
وعبر مسرح الدولة نال مزيدًا من الاحترام والتقدير وأطل على الجمهور العربي عبر شاشات التلفاز بمسلسلات لا تنسى، مثل «مبروك جالك ولد»، و«هند والدكتور نعمان»، و«حكاية ميزو»، و«برج الحظ».
وهو القائل إنه عندما يُتم كتابة مسرحية ما، يتوهم أنه لم يكن سبب تدفقها على الورق، ولكن ينظر إليها على أنه قد حلم بها، وأن هذه المعاناة الطويلة لم تكن سوى محاولة متعسرة لتذكر شتات حلم ضبابي برق في ذهنه مثلما تبرق الشهب في السماء، وظل مهمومًا بسؤال واحد طوال مسيرة طويلة.
وهو ما إذا كان قد استطاع أن ينقل للمتلقي تلك الشحنة المكثفة من الأحاسيس، وذلك الدفق العقلي من الصور والأفكار التي تزاحمت على رأسه لحظة الكتابة، إلا أنه اعتاد أن يتعمد تجاهل ذلك السؤال واعتاد كذلك تأجيله إلى المسرحية التالية، فالإجابة بنعم، قد يترتب عليها انتهاء اللعبة الممتعة، لعبة الإبداع التي يجب أن تظل مشتعلة كجذوة متوقدة، وكان يعتقد أنه لكي يواصل الحياة، لا يجب على الإطلاق التوقف ولو لحظة عن اللعب.
أكتوبر 6, 2023, 4:55 م
رحم الله الكاتب الفذ المستنير .. ابن مصر المعجون من ترابها ونيلها في مزيج فريد وصلب ومختلف
أكتوبر 7, 2023, 5:13 م
ضحك راقي جدًا ولعب ذكي جدًا وجد يتألم لأوضاع الوطن وحب للحياة والبيت والأسرة
أكتوبر 7, 2023, 5:24 م
رحمه الله رحمة واسعة
أكتوبر 7, 2023, 5:25 م
رحمه الله رحمة واسعة
أكتوبر 7, 2023, 5:28 م
لا أزال استمتع بصفحة الكاتب الراحل على فيسبوك رغم رحيله وأجده متوقد الذهن مدافعا عن كل ما يؤمن به
أكتوبر 16, 2023, 11:20 ص
شكراً لمروركم الكريم وتعليقاتكم الجديرة بكل احترام وتقدير
أكتوبر 16, 2023, 11:20 ص
شكراً لمروركم الكريم وتعليقاتكم الجديرة بكل احترام وتقدير
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.