مستنقع الإنترنت

دعوتُ أحداً من أصدقائي ليرشدني إلى مكان راقٍ أبرز فيه نفسي المراهقة حيث يحترمني الجميع فأشار إلى مكان ما، اقتربت بهدوء وعيناي على اللوحة (j222)..

ما هذا؟

هل هذا مقهى أم فندقاً للراحة؟

اقتربتُ بهدوءِ واضعاً يدي على الباب مستعداً لطرقه، ولكن!  فُتِح، يبدو أنه متاح للجميع، لا يبدو أنه مشدد أو محروس.

ذلفت للداخل فإذا بها نفحة هواءٍ جعلت عروقي ترتجف، نظرت للمكان بتعجبٍ وخوف، المكان يضج بالأشخاص منهم الصغار والعجائز وأغلبهم مراهقون مثلي، رأيت متنمرين يختَلون بشخص ما، ويبدو أنه أُنهك منهما وما زال يعاند أكثر، نظرا لي ثم اقتربا ليتنمرا عليّ طبعاً..

جاؤوا باستهزاء يسألونني لمَ أنا في هذا المكان القذر؟ لِمَ دخلت؟

كل ما أردته هو فعل ما يفعله الآخرون، تجاهلتهم وقد امتلأتُ غيظاً، تقدمتُ قليلاً، فإذا بي أرى غناء ليس من عادتي سماعه، كان رديئاً جداً، هناك فتيات يقتربن من كل رجل، وكلما أراد رجل أن تقترب منه أخرى أبرز مساوئ غيره ظناً منه أنه الأفضل.

جلستُ بذهول فإذا بي أرى مقدم الطلبات يتجه نحوي، كان يحمل زجاجات خمر، وضع واحدة بقربي ثم انصرف..

ما هذا؟ كل شيء متاح، كله مجاني، حسناً فلنجرب مره فهذه فرصه لن تتكرر.

شربتُ كاساً ثم عاهدتُ نفسي على التوقف، ولكن بفضل الفتيات أردتُ أن أبدو مدهشاً، ولم أُرِد أن أخيب ظنهن، فأتبعته بآخر ثم آخر إلى أن ثملت..

سمعتُ صوتاً رناناً يضرب طبلة أذني، رأيت حسناواتٍ و..لحظه المكان لم يتغير حقاً، بل وجهة نظري هي من تغيرت.

إنه نفس الغناء السيئ، حسناً ربما ليس سيئاً كما اعتقدتُ سابقاً، بدأتُ أنظر بإعجاب نحو الفتيات، أريد أكثر وأكثر منهن، أريد أن أبرز..

تأملتُ المكان جيداً إلى أن غفوتُ قليلاً، صحوت وقد رأيت منظراً شنيعاً، الخمر في كل مكان، والأنوار اللامعة تصرخ من كل جهاز، الفتيات كثيرات والغناء سيئ، لمَ أنا هنا؟ وكيف دخلت؟

عليّ الخروج، أشعر أن صوتاً ضعيفاً يناديني في الخارج، لا أستطيع سماعه جيداً في هذا الضجيج، نهضتُ بهلع متوجهاً للخارج، ولكن جاء شخص مازحاً ليطوقني من الخلف قائلاً:

-عزيزي، لمَ لا تستمتع أكثر، إنه مكان مجاني تُخرج نزواتك فيه، وعندما يحين الخروج افعل ما شئت فيه، وكف عن ذلك خارجه، فأنت لست معصوماً، انظر فأنت محبوب لا تحرم الآخرين منك، خذ وجرب ذاك الشعور الرائع الذي شعرت به سابقاً..

وكيف عرفتَ؟  أعرف يا عزيزي؛ لأنك لو لم تفعل لِما بقيت إلى الآن، ثم قررتُ أن آخذه بسرعة، وعند انتهاء مفعوله سأخرج، على الأقل هو ليس سيئاً بقدر ما ظننته في انطباعي الأول، شربت عدة جرعاتٍ وشعرت بالخمول جداً..

بحق!كيف لي أن أُترك هذا النعيم؟ سمعت الصوت الضعيف يصرخ بقوة، صحيح إنني سمعته بوضوح، ولكن لن أتجاهل هذا النعيم حقاً، دخلت وجمعت عدداً من الفتيات وغنيت حتى أدمنت المكان وبقيت فيه.

حسناً، أرجو أن تكون قد فهمت أن الصديق لهو الفراغ، والفتى هو المنشور، والمكان هو شبكة الإنترنت، ونسمة الهواء التي هبت هي السلبيات، أما المتنَمر عليه فهو الذي ينشر مثلك، والمتنمرون هم اليوتيوبر الذين ينتقدونه، الخمر هو متعة الإنترنت، والنساء هن المتابعون، أما الغناء فهو الكلمات اللاذعة التي يسميها البعض منهم عصرية.

تلك الغفوة هي الغفلة، وذاك الصوت الضعيف خارجاً صوت ضميرك، أما الشخص المازح فهو شهوتك، وآخر شيء تلك اللوحة المعلقة إنها جيل 2022.

أجل، هذا الواقع الافتراضي يشبه هذا المكان بلا رقيب، بلا سائل، في الماضي كان مقيداً، لكنه الآن متاحٌ حتى للصغار.

في لحظة فراغ وخلوة تجد شيئاً يدفعك لفعل شيء ما، أي شيء بعدها تقلب الصفحات على الإنترنت وتصاب بالإعجاب من هذا وذاك، تجد أن كل إمكانياتهم متوفرة لديك، فلماذا لا أجرب؟ سأصبح مشهوراً، سيثني عليّ الآخرون أيضاً ويعجبون بي.

بعدها تنشر شيئاً عادياً ثم يتلقى حديث العامة ودهشتهم، يعجبك الأمر، ولكن تحاول التراجع فيسحبك الفراغ مجدداً لتحاول مرة أخرى لتجذب المشاهدات ثم مرة أخرى وأخرى وهكذا قد أدمنته.

تصحو وتنام وأنت تصور كل لحظة وكأنك نبي تريد من الآخرين اتباعك، هذا ما يشبع رغبتك المراهقة في إبراز نفسك وهذا أيضاً هو الذي يهلكك..

فاحذر الفراغ.

 اقرأ أيضًا

-التنمر الإلكتروني: مراجعة للأسباب والعواقب

-وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية للمراهقين

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
يونيو 6, 2023, 11:00 ص - إبراهيم عبد المجيد
يونيو 6, 2023, 9:38 ص - بوسلامة دعاء خولة
يونيو 6, 2023, 8:30 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
يونيو 6, 2023, 8:01 ص - وليد عبد الغني السيد عبد اللطيف الغازي
يونيو 3, 2023, 12:19 م - أميرة أبو ماضي
يونيو 3, 2023, 9:37 ص - سلطان الوادعي
مايو 31, 2023, 10:26 ص - هاني حمدي عبدالفتاح
مايو 31, 2023, 8:29 ص - أميرة أبو ماضي
مايو 30, 2023, 7:34 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 30, 2023, 3:22 م - عبدالحليم عبدالرحمن
مايو 30, 2023, 11:57 ص - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 29, 2023, 11:19 ص - محمد عبد القادر نوفل
مايو 29, 2023, 10:53 ص - عبدالمجيد ايت اباعمر
مايو 29, 2023, 9:20 ص - ايمان عمر المصري
مايو 29, 2023, 8:01 ص - أيسل حسن قيطة
مايو 28, 2023, 8:06 ص - محمد عبدالكريم قاسم مصلح
مايو 26, 2023, 7:22 م - عصام أحمد عبدالله عياد
مايو 25, 2023, 12:55 م - مني حسن عبد الرسول
مايو 25, 2023, 9:26 ص - رشا يوسف علي
مايو 25, 2023, 7:13 ص - محمديزن الياسين
مايو 24, 2023, 2:46 م - نيفين عوض الله دميان
مايو 24, 2023, 11:13 ص - اسماعيل الخضر
مايو 24, 2023, 10:25 ص - نيفين عوض الله دميان
مايو 24, 2023, 9:47 ص - عائشة صلاح الدين
مايو 23, 2023, 11:54 ص - محمد العيادي
مايو 23, 2023, 9:17 ص - مدبولي ماهر مدبولي
مايو 23, 2023, 7:57 ص - لطيفة محمد خالد
مايو 21, 2023, 11:53 ص - محمد بخات
مايو 21, 2023, 11:41 ص - مدبولي ماهر مدبولي
مايو 21, 2023, 7:50 ص - محمد بخات
مايو 20, 2023, 7:32 م - محمديزن الياسين
مايو 20, 2023, 7:07 م - عايدة عمار فرحات
مايو 20, 2023, 8:06 ص - محمد سيد عبد الفتاح
مايو 19, 2023, 9:11 م - محمد الحقاوي
مايو 19, 2023, 8:20 م - شيرين زين العابدين
مايو 17, 2023, 9:20 ص - اسماعيل على لطفي محمد
مايو 16, 2023, 5:02 م - لطيفة محمد خالد
مايو 16, 2023, 8:13 ص - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 15, 2023, 3:14 م - عبد الرحمن الكرد
مايو 15, 2023, 3:03 م - مني حسن عبد الرسول
مايو 15, 2023, 12:40 م - مدبولي ماهر مدبولي
مايو 15, 2023, 9:15 ص - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 14, 2023, 12:39 م - عبدالمجيد ايت اباعمر
مايو 14, 2023, 11:50 ص - وسام يحيي زقوت
مايو 14, 2023, 7:42 ص - أميرة محمد برغوث
مايو 14, 2023, 7:40 ص - لطيفة محمد خالد
مايو 13, 2023, 8:01 ص - ياسر إسماعيل منيسي
مايو 11, 2023, 4:42 م - زهرة حبيب
مايو 11, 2023, 12:28 م - اسماعيل على لطفي محمد
مايو 10, 2023, 12:30 م - عايدة عمار فرحات
مايو 10, 2023, 10:47 ص - كاميليا عبدلي
مايو 9, 2023, 7:38 ص - على عبدالرحمن إسماعيل
مايو 8, 2023, 3:43 م - عايدة عمار فرحات
مايو 8, 2023, 2:06 م - وسام يحيي زقوت
مايو 8, 2023, 10:52 ص - عز الدين محمد رشاد
مايو 8, 2023, 7:10 ص - أسماء السيد خشبة
مايو 7, 2023, 4:40 م - سلمى محمد القباتلي
مايو 7, 2023, 1:12 م - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
مايو 7, 2023, 10:21 ص - لطيفة محمد خالد
مايو 7, 2023, 8:33 ص - أميرة محمد المحيميد
نبذة عن الكاتب