ماذا حدث للطب في عالمنا الحديث؟
هل أصبح الطب صناعة وتجارة؟ هل هو عمل إنساني؟ أم أنه عمل تجاري؟ كل هذه الأسئلة دارت في ذهني وأنا أعقد مقارنة بين ما كان عليه الطب قديماً وحديثاً.
في البداية كان الطب عمل إنساني بالمقام الأول فالمريض الذي يحتاج للعلاج كانت توليه المجتمعات أولوية كبرى وتوفر له سبل العلاج والراحة ولا تدخر جهداً في علاجه، فكنّا نرى المستشفيات والتي كانت غالبيتها حكومية تابعة للحكومة، فالحكومة هي التي توفر لها الأطباء وتنفق عليها من ميزانية الدولة مقابل أسعار رمزية جداً يدفعها المريض أو حتى بالمجان أو أهلية تابعة للكنائس ودور العبادات المختلفة ومنظمات العمل، الخيرية تنفق عليها من تبرعات القادرين من أهل المجتمع نفسه مقابل أسعار رمزية أيضاً أو بالمجان.
مع تطور المجتمعات وزيادة الكثافة السكانية على مستوى العالم وظهور الصراعات والحروب والنهضة الصناعية الكبرى التي شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية 1945م تغيرت بطبيعة الحال السياسات الاقتصادية لمواكبة هذه التطورات، بدأت هذه التغيرات في تنظيم السوق الاقتصادي ما بين تَدَّخُل الحكومات لضبط أداء الاقتصاد والرقابة على السوق وتحديد دور القطاع الخاص وسياسات الأسعار والأجور باختصار، حتى وصلت في النهاية إلى رفع يدها شيئاً فشيئاً من أي تَدَّخُل إلاّ بالقدر القليل خصوصاً بعد الركود الاقتصادي الذي شهده العالم عام 2008م إلى عام 2013م، فتم إطلاق يد سياسات الاستثمار والسوق الحرة على مستوى العالم تقريباً.
فجميع الدول أصبحت بحاجة إلى استثمارات جديدة كل يوم لينمو اقتصادها وتزدهر حياة سكانها. من هنا دخل الاستثمار في كل شيء تقريباً حتى وصل إلى مهنة الطب.
تم إنشاء المستشفيات الخاصة الاستثمارية والتي تهدف في الأساس إلى الربح، والربح هنا للأسف سوف يكون من المرضى الذين يحتاجون العلاج، فأصبحنا نسمع أرقام فلكية لكل وسائل العلاج من إجراء تحاليل وعمل أشعَّة وكشف وأدوية وكل شيء تقريباً، فقد أصبح الطب والدواء صناعة تدر المليارات وفي المقابل تقلص دور الحكومات في الإنفاق على المستشفيات العامة وتوفير العلاج بالمجان أو بأسعار رمزية، مما يحرم كثير من الأفراد الغير قادرين من تلقي العلاج اللازم في الوقت المناسب.
المشكلة أن الاستثمار بطبيعته يسعى دائماً إلى مزيد من الاستثمار والمكاسب، فهذا هو الهدف الرئيسي منه.
والاستثمار والمكاسب في مهنة الطب ينزع عنه صفة الإنسانية تماماً ويحوله إلى تجارة، حتى أننا أصبحنا نرى اليوم إعلانات عن خصومات وعروض في المستشفيات ولدى الأطباء مثل السوبر ماركت.
فهل أصبحنا نتاجر في صحة الإنسان ومرضه؟ وإلى أين يقودنا هذا الاتجاه؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.