الحلقة الأولى: طفولتي الرائعة.. كنت طفلة تحب اللعب والحركة، ودائمًا مُصرة على الوصول إلى مبتغاها؛ ما يجعلني أدافع عن نفسي بالبكاء والصراخ. لهذا كانت عائلتي تلقبني بـ (صاحبة البكاء)؛ ما جعلهم يتجاهلونني في بعض الأحيان.
التحقت بالمدرسة الابتدائية في أواخر السبعينيات. وكنت تلميذة متفوقة على الرغم من شقاوتي وظروف العائلة البسيطة، فلم يتوفر لي كثير من حاجيات الدراسة في ذلك الوقت، فلا محفظة ولا أدوات، كنا نكتفي بدفتر واحد لجميع المواد، وقلم واحد. وأذكر أنني كنت أذهب إلى المدرسة في بعض الأحيان بدون حذاء (حافية القدمين).
في بداية العام الأول من المدرسة كنا نكتب بالريشة والمداد، كم كانت تلك المرحلة ممتعة! نتعلم أولًا كيف نمسك بالريشة، وكيف نستعمل المداد. لكن في النصف الثاني من العام الدراسي، دخل القلم إلى المدرسة. أتذكر ذلك اليوم حين سلَّمت لنا إدارة المدرسة أقلامًا مجانية، وقد كان المدير في ذلك الوقت هو أبي رحمة الله عليه.
وهكذا تابعت دراستي، أحصل على المراتب الأولى، حتى أتممت المرحلة الابتدائية التي كانت في ذلك الوقت خمس سنوات، وهنا بدأت معاناتي.
فأمي -رحمة الله عليها- رفضت أن ألتحق بالمرحلة الإعدادية؛ لأن الحي الذي نعيش فيه يبعد عن المدرسة الإعدادية بأربعة كيلومترات، وهذا أحد الأسباب التي جعلتها ترفض، لكن السبب الرئيس لرفضها هو أنني أول فتاة ستذهب إلى التعليم الإعدادي؛ فالناس في بلدتنا متحفظون ومتشددون في مسألة تعليم الفتيات في مركز الإقليم.
ولكن على الرغم من ذلك فقد كان أبي مؤيدًا لفكرة استكمال الدراسة، وسجَّل اسمي ودعَّمني كثيرًا، وهو من كان يوصلني بدراجته النارية بمساعدة أخي الأكبر، كانا يتناوبان في هذا الأمر، فقد كان أخي في تلك المرحلة أستاذًا للغة العربية في الإعدادية نفسها. لكن أمي ما زالت مصرة على انقطاعي عن الدراسة، وقاطعتني ولم تكلمني طوال العام الدراسي.
وما أن مرَّ العام الأول في الإعدادية حتى طلب مني والدي أن أُلبي رغبة أمي، وقال لي أن أذهب مع أختي إلى المدينة لكي لا أشعر بمرارة الأمر. سافرت مع أختي، ولم يفارقني أمل الرجوع إلى المدرسة، خاصة حين بدأ العام الدراسي، وشاهدت التلاميذ يلتحقون بالإعدادية.
كانت تلك المرحلة هي الأصعب في حياتي، واستمررت على هذه الحال ما بين الأمل واليأس، حتى وجدت نفسي أتقبل فكرة الهدر المدرسي. مرَّت تسعة أشهر كأنها دهر، ورجعت إلى بلدتي، حيث وجدت أبي قد اشترى لي اللباس الذي كانت الفتيات البالغات يرتدينه، فعند زيارته لنا في المدينة قال لي إنني كبرت، ويجب أن ألبس الملابس المحتشمة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.