عند الحديث عن الأدب الإنجليزي؛ فإن المائدة تتسع والأسماء الكبيرة تحضر والأعمال الملهمة التي كان لها تأثير كبير على معظم الآداب العالمية تتوالى، فأنت بحضرة أحد أهم الآداب التي ارتبطت باللغة والجغرافيا، وانطلقت من إنجلترا إلى قارات العالم القديم، ثم كانت المادة الخام في تأسيس الثقافات المتنوعة في العالم الجديد؛ لذا فإن الحديث عن الأدب الإنجليزي يستلزم العودة إلى البداية مرورًا بالعصور السياسية المختلفة التي كان لها تأثير كبير في تسمية العصور الأدبية الإنجليزية حتى نصل إلى الأدب الإنجليزي في القرن الـ20.
وفي هذا المقال نأخذك في جولة سريعة إلى القرن الخامس الميلادي لنتعرف على بداية الأدب الإنجليزي، ثم نتجول في مراحله المختلفة وصولًا إلى العصر الحديث في السطور التالية.
اقرأ أيضًا: الأديب العالمي "نجيب محفوظ" وأهم أعماله
مرحلة اللغة الإنجليزية العتيقة
كانت بداية اللغة الإنجليزية التي نعرفها الآن هي مجموعة من الهجرات التي قامت بها القبائل الألمانية واستقرارها في الجزيرة الإنجليزية، إذ كانت هذه القبائل تتحدث ما يشبه اللغة التي نعرفها الآن، لكنها كانت لهجات قبلية، وهو ما يُعد الحجر الأساس في تاريخ الأدب الإنجليزي الذي يطلق عليه بعض مؤرخي الأدب الإنجليزي القديم الذي سرعان ما تطور من مجرد لغة قبلية إلى لغة عامة يتعامل بها الناس، وظهرت بواسطته مجموعة من الإبداعات المختلفة، مثل القصائد التي تتحدث عن أبطال وفرسان شجعان وقصص عن ملوك عظماء، وبعض الحكايات الدينية التي تتحدث عن الرحمة والشجاعة والكرم.
مرحلة اللغة الإنجليزية الوسيطة
في منتصف القرن الحادي عشر تغير الواقع الاجتماعي والثقافي في إنجلترا؛ نتيجة الاحتلال الفرنسي، وهو ما أدى إلى انتشار اللغة الفرنسية بين الأغنياء والطبقات الحاكمة، وهو ما أدى أيضًا إلى تراجع اللغة الإنجليزية، ومن ثم الأدب الإنجليزي الوليد، لكن القرن الرابع عشر كان يمثل عودة للغة الإنجليزية في شكل جديد، فقد تضمنت اللغة كثيرًا من المفردات والمصطلحات اللاتينية والفرنسية، سُمِي بعد ذلك (اللغة الإنجليزية الوسيطة).
في ذلك الوقت بدأت تظهر أنماط إبداعية يمكن أن نطلق عليها سمة الأدب، مثل المغامرات الخيالية والعاطفية والقصص الشعرية التي تصف الملاحم والمعارك، وتضفي عليها صبغة رومانتيكية؛ ما أدى إلى انتشار هذا الشكل في إنجلترا مدة طويلة، إضافة إلى قصص المغامرات الخيالية التي برزت في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
اقرأ أيضًا: أدب اليوميات عند العقاد
أهم أدباء المرحلة الوسيطة
عندما نتحدث عن المرحلة الوسيطة؛ فإننا نذكر مجموعة من الأسماء المهمة التي كان لها دور كبير في الأدب الإنجليزي في هذه المرحلة، ومنهم:
السير توماس مالوري
وهو شاعر نورماندي استطاع أن يكتب عملًا مهمًّا عن الملك آرثر وفرسان المائدة المستديرة في مجموعة قصصية كاملة، وكان سببًا في انتشار هذا الشكل من الكتابة، وتبعه كثير من الكتاب.
جيفري تشوسر
يُعد أحد أكبر الأسماء في هذه المرحلة الوسيطة الذي كتب مجموعته القصصية الشهيرة (حكايات كانتربري) التي انتشرت انتشارًا كبيرًا في المجتمع الإنجليزي، إذ كان الناس يتداولون هذه الحكايات في حياتهم اليومية، لكن القيمة الفنية الكبيرة التي قام بها تشوسر هي استخدامه لمجموعة من الإيقاعات الجديدة في القصيدة الإنجليزية التي لم تكن معتادة من قبل.
اقرأ أيضًا: الشعراء في العصر الأموي.. ونشأة فن النقائض في الأدب العربي
مرحلة اللغة الإنجليزية الحديثة
كانت الطفرة الكبيرة التي حدثت في أواخر القرن الخامس عشر هي اتجاه الناس إلى القراءة مع انتشار القصص والحكايات الخيالية والرومانسية والقصائد التي تتناول قصص الأبطال، إضافة إلى المسرحيات التي عُرِضت في الكنائس وساحات المدن، حتى اللغة المستخدمة في ذلك الوقت كانت تشبه كثيرًا اللغة التي نعرفها اليوم، وهو ما ارتبط أيضًا بعصر جديد على مستوى الحكم في إنجلترا، وهو عصر الملكة إليزابيت الذي يمكن عدُّه أحد أهم عصور الأدب الإنجليزي على الإطلاق، إذ ظهر في هذا العصر الذي امتد من منتصف القرن السادس عشر إلى بداية القرن السابع عشر مجموعة كبيرة من المسرحيات والأشعار التي انتقلت بعد ذلك خارج إنجلترا، وشاركت في تكوين الأدب العالمي.
خطوات كبيرة خطاها الأدب الإنجليزي في عصر اللغة الإنجليزية الحديثة لعدة أسباب، منها ظهور المطبعة في إنجلترا، وهو ما أدى إلى زيادة التعليم، ومن ثم زيادة القراءة والوعي بالأدب، إضافة إلى نزوح كثير من المثقفين والكتاب الإنجليز إلى الثقافة اليونانية والثقافة الرومانية، وهو أمر قد سبقهم إليه كثير من الكتاب في أوروبا، وقد نهل الكتاب والمثقفون الإنجليز من الأدب اليوناني والأدب الروماني على مستوى الأشكال الأدبية والمواضيع والمضامين المختلفة، إضافة إلى التوسع السياسي لإنجلترا في كل مكان في العالم، وهو ما ساعد كثيرًا على ازدهار الأدب الذي أصبح سلعة تجد من يدفع لها سواء من أجل التسلية أو حتى من أجل القيمة والمعرفة.
أهم أدباء مرحلة اللغة الإنجليزية الحديثة
مع ظهور عدد من الأنواع والأنماط الكتابية في الشعر والقصة والمسرح، ظهرت مجموعة من الأسماء المهمة التي نذكر بعضها في الحديث عن مرحلة اللغة الإنجليزية الحديثة، ومنها:
توماس كامبيون
أحد الشعراء الكبار في هذه المرحلة، فكان يؤلف الموسيقى ويكتب الأغنيات ويلحنها؛ ما ساعده على نشر أدبه وكلماته.
إيرل سري
يعود إليه الفضل في تطوير السوناتا الإيطالية وإدخالها إلى الأدب الإنجليزي بشكلها الذي عُرِف بعد ذلك، إذ نشر أشعاره في مجموعات سُمِيت (منوعات توتل)، وتبعه بعد ذلك عدد من الكتاب الكبار في كتابة السوناتا المتتالية، مثل (أدموند سبنسر) و(ويليام شكسبير).
ويليام شكسبير
بالطبع يُعد ويليام شكسبير من أبرز الأسماء في الأدب الإنجليزي والأدب العالمي الذي كان يكتب الشعر والقصة والمسرحية، واستفاد كثيرًا من الترجمات اليونانية والرومانية والآداب الأخرى التي اطلع عليها؛ وهو ما منحه الصفة العالمية في كتاباته التي انتشرت مع توغل إنجلترا في معظم قارات العالم، وما زال أدبه وأشعاره تُدرَّس حتى الآن في كل مكان.
بن جونسون
يُعد أيضًا من الأسماء الكبيرة والمؤثرة في مجال المسرح، إذ تأثر كثيرًا بالمسرح الروماني، وعمل على تطويره، وكتب عددًا من المسرحيات التي تعاملت مع مأساة الإنسان فيما يتعلق بالأخلاق والجهل والطمع والخرافة؛ وهو ما جعل مسرحياته تلاقي كثيرًا من القبول في تلك المرحلة.
جون ميلتون
لا يمكن الحديث عن مرحلة الأدب الإنجليزي الحديث دون الإشارة إلى (جون ميلتون) أحد أشهر الشعراء والكتاب الإنجليز، وأكثرهم تأثيرًا على المستوى العالمي، وقد كان نشاط جون ميلتون كبيرًا في منتصف القرن السابع عشر، وتعد (ملحمة الفردوس المفقود) التي كتبها عام 1667 هي أهم أعماله وأكثرها شهرة.
جون درايدن
كان جون درايدن أحد الكُتاب المشاهير بعد جون ميلتون، فقد كان يكتب المسرحية الشعبية والشعر، إضافة إلى قدرته الكبيرة على التنظير والنقد الأدبي، ثم إننا نتعامل مع كتابات جون درايدن بكونها كتابات تؤرخ لهذه المرحلة، وتظهر ملامح العصر السياسية والاجتماعية مثل قصيدة (الظبية والنمر)، ومسرحية (الزواج على الطريقة الحديثة)، ونشير إلى أهمية جون درايدن بصفته ناقدًا كبيرًا استطاع تحليل القصائد التي يكتبها شعراء وكتاب في عصره وعلى رأسهم شكسبير.
عصر ازدهار الأدب الإنجليزي
يُمكننا أن نطلق على بداية القرن الثامن عشر حتى بداية القرن الـ20 عصر ازدهار الأدب الإنجليزي، وهي المرحلة التي بدأت بتوهج كبير للأدب اللاتيني، استفاد منه الإنجليز كثيرًا على مستوى الشكل والمضمون، وهو ما ظهر في عدد من أنماط الكتابة في إنجلترا، مثل السخرية والهجاء التي ظهرت في القصائد كسمة مميزة، إضافة إلى المقال الذي تطور كثيرًا.
لكن أبرز الأشكال الأدبية التي ازدهرت في هذا العصر هي الرواية؛ لذلك فإن النقاد والكتاب يجتمعون على أن هذه المرحلة هي أفضل مراحل الرواية الإنجليزية التي كان لها تأثير على الأدب العالمي، مثل كتابات (دانييل ديفو) و(صمويل ريتشاردسون) (توبياس سموليت) و(لورنس ستيرن).
وشهدت مرحلة ازدهار الأدب الإنجليزي ظهور ما نعرفه الآن بالأدب الرومانسي الذي انتقل من إنجلترا إلى أوروبا والعالم، فقد اتجه الكتاب إلى الخيال والعاطفة والشخصيات التي تُعبر عن الحلم ولا تتصل كثيرًا بالواقع، إضافة إلى حب الطبيعة، وهو ما أدى إلى بروز عدد من الأسماء الكبيرة، مثل (توماس غراي) و(ويليام كوبر)، لكن الشعر الرومانسي كان مرتبطًا في الأساس بكل من (ويليام وردزورث ) و(كوليريدج) وتطور الأمر إلى أشكال عدة من القصيدة الرومانسية والكتابات الفلسفية على يدي (بيرسي شيلي) و(جون كيتس).
ومع بدايات القرن التاسع عشر أصبح للنثر أهمية كبيرة في مشهد الأدب الإنجليزي، ولا سيما النثر الرومانسي الذي ظهر في أعمال شعراء وكتاب كبار، مثل (تشارلز لام) و(دورسي وردزورث).
ومن الجدير بالذكر أن هذه المرحلة أطلق عليها أيضًا مرحلة (الأدب الفيكتوري) نسبة إلى حكم الملكة فيكتوريا منذ عام 1837 حتى عام 1901، وتميزت هذه المرحلة ببعض الخصائص الأدبية، مثل ظهور الرواية الطويلة التي تمتلئ بالأحداث والقصص الحقيقية التي كانت سببًا في شهرة (تشارلز ديكنز ) و(إيميلي برونتي) و(شارلوت برونتي).
كما ظهر مصطلح في الأدب الإنجليزي يُستخدم كثيرًا في التنظير والحديث عن هذه المرحلة، وهو مصطلح الشعراء (الفيكتوريين)، ويقصد الشعراء الذين كتبوا في تلك المرحلة الذين كان على رأسهم (روبرت براونينغ) و(جيرارد هوبكنز)، وعلى غرار هذا المصطلح يمكن أيضًا استخدام مصطلح (الروائيين الفيكتوريين) الذي نشير به إلى (جورج إليوت) و(توماس هاردي) و(ميدل مارش) و(أوسكار وايلد).
الأدب الإنجليزي في القرن الـ20
الغريب في الأمر أن بداية القرن الـ20 شهدت مجموعة من التحولات والتغيرات الكبيرة في إنجلترا، إذ ماتت الملكة فيكتوريا عام 1901، ولم يمر الوقت حتى قامت الحرب العالمية الأولى، وبذلك كان هناك تحولًا كبيرًا في شكل وحركة الأدب الإنجليزي، إذ كان هناك ما يمكن بتسميته بموجات من الكتابة المختلفة؛ فظهرت روايات ومسرحيات واقعية تتحدث عن المجتمع ومشكلاته، وظهرت أيضًا أشعار وقصائد ومسرحيات تحمل القيم الرومانسية والخيالية، إضافة إلى روايات الجريمة والبطولة، وهو ما تغير كثيرًا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
تحول الأدب الإنجليزي وربما الأدب العالمي أيضًا بعد الحرب العالمية الثانية إلى ما يعرف بالكتابة الجديدة التي فقدت كثيرًا من الإيمان؛ نتيجة الدمار الكبير الذي خلفته الحرب، ومن ثم ظهر الغموض والتعقيد في الأدب الإنجليزي، وهو ما تخلف عنه بعض الكُتاب الكبار مثل (إليوت) و( ديلان توماس).
في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ظهر عدد من الأسماء التي نالت شهرة عالمية، مثل الروائي الكبير (جورج أور ويل) والكاتب المسرحي ( جون أوزبورن) و(أنطوني باول) والكاتب المسرحي الأشهر (هارولد بنتر).
ولم يتوقف الأدب الإنجليزي في القرن الـ20 عن التنوع والإنتاج الغزير والأسماء التي يصعب حصرها، فقد أصبح جزءًا من الواقع العالمي على غرار (جريند ولسينغ) و(دونالد توماس ) والكاتب المسرحي الشهير ( توم ستوبارد)، وكذلك ( دينيس بوتر ) و(ويلي راسل).
وفي الأخير لا بد أن نُشير إلى أهمية الأدب الإنجليزي الكبيرة في تكوين الثقافة العالمية الحديثة، لكننا أيضًا نوضح أن الأدب الإنجليزي ليس مقصودًا به ذلك الأدب الذي يكتب باللغة الإنجليزية، وإنما أدب إنجلترا ومعها ويلز وإسكتلندا، وبذلك فنحن لا نتحدث عن الآداب التي كتبت مثلًا في أمريكا أو دول إفريقيا المتحدثة باللغة الإنجليزية.
ومع نهاية هذه الجولة السريعة التي حاولنا فيها ربط مراحل الأدب الإنجليزي ببعضها بإيجاز، نتمنى أن نكون قدمنا لك المتعة والمعرفة.
ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.