هل حقا هذا هو الحب؟!
فيلم "هذا هو الحب" من أفلام الأبيض والأسود الذي يحرص التلفزيون على عرضه في عيد الحب، باعتبار أن الفيلم مصنف من ضمن الأفلام الرومانسية، وإن كنت أراه لا يمت للحب بصلة من قريب أو من بعيد!!
الفيلم من بطولة "لبنى عبد العزيز" و"يحيى شاهين" ونخبة من الفنانين المتميزين والفيلم.
من إخراج "صلاح أبو سيف" ومن تأليف السيناريست "محمد كامل حسن المحامي" وعُرض بدور السنيما عام 1958.
وعلى الرغم من أنني لا أحب هذا الفيلم ولا أطيق مشاهدته؛ فإنني قررت تلك المرة رؤيته بعين الناقد والمحلل.. وفى رأيي أن هذا الفيلم ما زال صالحًا ليومنا هذا رغم مرور أكثر من ستين عامًا على عرضه!!
فالفيلم يقدم صورة واقعية صادمة للمجتمع الشرقي وازدواجيته وذكورية الرجل وأزمة المرأة الشرقية.. تلك الصورة التي لم تتغير حتى يومنا هذا!!
ابتداءً من تسليع المرأة وقهرها والهوس بعذريتها والشيزوفرينا وعقدة البطولة التي يعاني منها الرجل الشرقي، انتهاءً بارتضاء المرأة دور الضحية الذي لا ترضى على مر العصور والأزمنة بدور غيره، وعدم قيامها بأية محاولة لرفع الظلم عنها!!
فيصور الفيلم "شريفة" البطلة وهي تجلس بمنتهى الرضوخ والاستسلام بجوار أم، وهي تعاينها وفحصها بفجاجة غير لائقة لتتأكد من أنها مطابقة لجميع المواصفات القياسية، التي يشترطها الابن الحيلة ديك البرابر في عروسه المصون ذات الشرف المكنون، وكأنها جارية تباع في سوق النخاسة يتفحصها سيدها استعدادًا لشرائها!!
شريطة ألا يكون لها أية تجارب عاطفية، وأن تكون غبية وبلهاء، وذلك كي يستطيع التحكم فيها كما يشاء وأن يشعر بأنه أفضل منه!!
ويسلط الفيلم الضوء على ظاهرة العنف والقمع المجتمعي الممارس ضد المرأة واستباحة قدسية جسدها، بسبب الهوس بعذرية المرأة من خلال تضمين إحدى عادات المجتمع الشرق وهي "الدخلة البلدي"، في أحداثه تلك العادة المذمومة القبيحة التي لم تندثر بعد، وما زالت موجودة في قرى الصعيد والريف المصري والتي تنم عن جهل وتخلف المجتمع الشرقي!!
وكيف تعلو ألسنة الزغاريد والبنادق فور انتهاء ذلك المشهد الدموي من الأهل والأقارب مالكي العروس السابقين العارفين بأمرها، والذين حموا الشرف المكنون ليباركوا تلك المذبحة، ويخرج المنديل مرفوعًا أمام الجميع ليبارك الجميع العريس مالك العروس الحالي، ثم يتصارعون فيما بينهم لأخذ المنديل الذي يعدونه علامة “النصر” ودليل "الشرف والعفة"!!
وكذلك ألقى الفيلم الضوء على شيزوفرينيا الرجل الشرقي وعقدة البطولة التي يعاني منها، فنجد "حسين" -البطل- طيلة الوقت يستنكر على زوجته "شريفة" أبسط حقوقها الإنسانية ويبيحها لنفسه، وكيف أنه يعي ويعلم جيدًا بأنه يوجد خلل ما في طريقة تفكيره، لكنّه يرفض أن يعترف بذلك!!
وتناول الفيلم أيضًا فكرة تقديس المرأة الشرقية للزوج وتقبلها ظلمه وإهانته وتعنيفه لها في خنوع واستسلام من خلال تفانى البطلة في العودة إلى زوجها السابق، رغم تعرضها لظلمه واتهامه لها في أخلاقها، ورغم أنه كان سببًا في تعرضها لنيران القيل والقال والخوض في عرضها والإساءة إلى سمعتها!!
وتعرض الفيلم إلى النظرة المجتمعية الدونية للمرأة بعد الطلاق من خلال تسليط الضوء على المجتمع الذي يلقى كل مسؤولية الطلاق على كاهل المرأة وحدها، ويعفى الرجل تمامًا من هذه المسؤولية، وينظر للمطلقة على أنها امرأة سيئة السمعة وكيف تترصدها أعين المجتمع وتحسب عليها حركاتها وسكناتها!!
الفيلم أيضًا يعزز ويرسخ الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع الشرقي بأنها تابعة للرجل وتستمد قوتها وشخصيتها منه، فصوَّر المرأة المطلقة على أنها مكسورة الجناح ومغلوبة على أمرها.
وأنها تصبح بعد الطلاق بائسة وضائعة.. فحياتها واستمراريتها تتوقف على وجود رجل فيها!!
ولم يغفل الفيلم أيضًا من خلال أحداثه عن إظهار تدخل الأم السافر في الحياة الشخصية والزوجية للابن!!
ويؤكد كذلك على أن نظرة الرجل للمرأة واحترامه لها والطريقة التي يتعامل بها معها هي بمثابة مرآة تعكس صورة تربية أمه له ونظرتها للمرأة، فمما لا شك فيه أن المرأة أمًّا وأختًا وزوجة تعمل على قولبة أزمة الرجل الشرقي في مختلف مراحل حياته، ثم تشكو بعد ذلك المجتمع الذكوري الذي أنتجته، وتؤدي دور الضحية ببراعة وامتياز في أزمة هي من صنعتها، ولا تحاول بأي طريقة أن ترفع الظلم عنها؛ لأنها لا تتخيل نفسها مكرمة أبدًا بل يجب أن تكون ضحية على الدوام!!
وأعتقد أن المؤلف تعمد أن يطلق اسم شريفة على البطلة إشارة منه إلى المجتمع الذي يريد من المرأة على الدوام أن ترتدي ثوب الشرف والفضيلة، ولا يتوقف عن التربص بها وتصيد أخطائها، متجاهلًا حقها الإنساني في الخطأ، وفي خوض جميع التجارب الإنسانية مثلها تمامًا مثل الرجل!!
ولكي يعكس تقديس مفهوم الشرف في المجتمع الشرقي حد الهوس، والذي يختزله في بكارة المرأة وفي جزء معين من جسدها!!
وتنتهي أحداث الفيلم بعودة "شريفة" إلى "حسين"
ليستفزني سؤال تبادر سريعًا إلى ذهني
هل حقًّا هذا هو الحب؟!
فبراير 19, 2023, 1:14 م
❤❤❤❤
فبراير 23, 2023, 8:57 ص
❤🌷
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.