مذبحة يافا بين الغدر والقتل والاغتصاب

تمتلئ كتب التاريخ وأحداثه المتعاقبة بمذابح ومعارك دامية، لكن مذبحة يافا التي قام بها نابليون بونابرت في أثناء حملته على بلاد الشام كانت أحقر هذه المشاهد.

إذ وعد أهلها بالأمان مقابل الاستسلام، وبعد استسلامهم وقبولهم بشرطه أعطى الأوامر بقتلهم جميعًا، في حين باشر جنوده التخريب والسلب والاغتصاب في المدينة المسالمة.

وفي هذا المقال نأخذك في جولة بين أحداث مذبحة يافا وتفاصيلها المرعبة، وكيف أدى الأمر إلى هزيمة نابليون في النهاية.

اقرأ أيضًا نابليون بونابرت إمبراطور الانتصارات الكبيرة والهزائم المدوية

الحملة الفرنسية على الشام

عندما دخل نابليون بونابرت الإسكندرية في حملته على مصر عام 1798 عرف أهل الشام أن هذه الحملة قادمة إليهم لا محالة، وأن المسألة مسالة وقت؛ لذلك بدأت المدن الساحلية في الاستعداد بالتحصينات والجنود، ومحاولة الحصول على الإمدادات التي تساعدهم حال طال الحصار.

فعلًا زحف نابليون بقواته من مصر إلى العريش في فبراير 1799، إذ خاض معركة مع بعض القوات العثمانية الموجودة هناك، وانتصر عليهم ثم زحف إلى بلدة خان يونس في فلسطين ثم إلى مدينة غزة.

وبعد توقُّف الجيش الفرنسي أيامًا عدة، زحف إلى مدينة الرملة قبل أن يصل إلى مدينة يافا يوم 3 مارس 1799.

اقرأ أيضًا جوانب خفية من حياة القائد الفرنسي نابليون بونابرت.. تعرف الآن

حصار نابليون مدينة يافا

حدث الأمر كما توقعه أهل يافا، إذ حاصر نابليون المدينة في مارس 1799، وهو الحصار الذي لم يستمر أكثر من أربعة أيام، على الرغم أن مدينة يافا من المدن ذات التحصينات القوية والأسوار العالية وفيها قوات المدفعية التي يتجاوز عددها 1200 جندي.

حاكم المدينة القائد العثماني عبد الله بك لم يستطع الثبات أمام الحصار الفرنسي، وذلك بسبب خوفه ألّا تقدر المدينة على مواجهة القوات الفرنسية مدةً طويلةً، خاصةً مع غياب الإمدادات العثمانية، إذ خاف عبد الله بك سقوط الأسوار وانهيارها، ما يؤدي إلى قتل كل الجنود وسكان المدينة على يد نابليون.

من هنا كانت فكرة الحاكم العثماني عبد الله بك بمفاوضة نابليون بونابرت على تسليم المدينة دون مقاومة، مقابل الحفاظ على أرواح الجنود والسكان، وعدم تخريب المدينة والتعاون مع القوات الفرنسية خلال إقامتها، ودفع الجزية أو الغرامات التي تفرضها قوات الحملة.

إذ كان عبد الله بك يسعى للحفاظ على الوضع الآمن حتى تصل القوات العثمانية للتعامل مع هذا الوضع، وهو ما وافق عليه نابليون بونابرت ووعد عبد الله بك وسكان يافا بالأمان، وهو ما كان يحمل مفاجأة كبيرة لأهل يافا وجنودها حتى لبعض جنود الحملة الفرنسية.

اقرأ أيضًا كيف تزوج ضباط حملة نابليون على مصر من مصريات ولماذا أسلموا ؟ وكيف هربت الجواري السود لمعسكرات الحملة الفرنسية

وقائع مذبحة يافا

تختلف المراجع وكتابات المؤرخين في عدد الجنود الذين كانوا موجودين في مدينة يافا في ذلك الوقت، إذ يراوح عددهم ما بين 4000 إلى 8000 جندي كانوا قادرين على حماية المدينة والتصدي لقوات نابليون مدة طويلة.

لكن استسلام حاكم المدينة أفقد الجنود أي قدرة على المقاومة، ما دفع نابليون إلى إصدار الأوامر بقتل الجميع، فبدأت القوات الفرنسية بقتل الجنود العُزل والأهالي واغتصاب النساء والهجوم على المنازل وسلب الممتلكات.

يقول الرافعي عن هذه الحادثة، إن جنود الحملة الفرنسية قد ارتكبوا من الفظائع ما تقشعر منه الجلود، إذ استمر النهب والقتل والاغتصاب ليومين متتاليين، ولم يتوقف الجنود عن هذه الأعمال إلا لإحساسهم بالتعب والإرهاق من كثرة القتل والنهب والاغتصاب وحاجتهم إلى الراحة، وهو ما اعترف به مؤرخون فرنسيون عدة.

يذكر أيضًا أن عددًا كبيرًا من الجنود قد تحصن بإحدى القلاع الموجودة في مدينة يافا حتى أرسل إليهم نابليون رسول يدعوهم إلى الاستسلام فوافقوا على الاستسلام بشرط ألا يحدث معهم مثلما حدث مع أهل المدينة والجنود الآخرين، وعندما أعطاهم الرسول الأمان، قبض نابليون عليهم وأصدر الأوامر بقتلهم جميعًا ليكتمل مسلسل الغدر والحقارة.

في أحد الخطابات التي أرسلها كبير صيارفة الحملة ويدعى بيروس، وكان الخطاب موجهًا إلى أمه في فرنسا، إذ وصف ما حدث في مذبحة يافا قائلًا: إن الأوامر قد صدرت لهم بقتل آلاف الجنود الذين استسلموا، إذ قُسِّموا لمجموعات.

وفي اليوم التالي اصطُحبت مجموعة منهم إلى شاطئ البحر، حيث أُعدموا بالرصاص، حتى الذين حاولوا الهروب إلى البحر، اقتُفي أثرهم بالقوارب وقُتلوا حتى تحولت مياه البحر إلى اللون الأحمر.

في حين اقتيد جنود المدفعية في اليوم التالي وعددهم يتجاوز 1200 جندي للإعدام، وكانت الأوامر تقتضي بعدم الإسراف في الذخيرة، فكان تنفيذ الإعدام عن طريق القتل والطعن، حتى إن  كثيرًا من الأطفال الذين تعلقوا بآبائهم وهم يموتون قُتلوا معهم بمنتهى الوحشية.

اقرأ أيضًا تعرف إلى أحداث الحملة الفرنسية على مصر والشام

لعنة مذبحة يافا تحل على نابليون

نستطيع أن نقول إن المذبحة الحقيرة التي قام بها نابليون بونابرت في يافا التي أسفرت عن مقتل أكثر من 4000 إنسان أعزل كانت لعنة كبيرة على الحملة الفرنسية، وقد أدت إلى هزيمتها وعدم قدرتها على دخول مدينة عكا التي تعلمت من درس استسلام يافا، وقاومت حتى مات جنود الحملة على أسوارها بالبرد والطاعون.

ثم عاد نابليون إلى مصر خائبًا، وبعدها عاد إلى فرنسا هاربًا تارًكا الحملة الفرنسية للقائد المجنون كليبر الذي قُتل بعد ذلك على يد أحد طلاب الأزهر.

وبعدها تولى القائد مينو أشهرًا عدة حتى خرجت الحملة الفرنسية من مصر وهي تجرجر أذيال الهزيمة والفضيحة، إذ خرجت على متن سفن ألد أعدائها وهي القوات الإنجليزية بعد تحطم الأسطول الفرنسي في ميناء أبو قير.

وهكذا فإننا ألقينا الضوء على ما حدث نتيجة استسلام القادة والجنود لأعداء لا يملكون الحد الأدنى من الشرف والأخلاق، لتبقى مذبحة يافا وصمةَ عار في تاريخ العسكرية الفرنسية، وليعرف عشاق نابليون بونابرت من يكون هذا الدموي الحقير..

ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، وكذلك مقترحاتك عن مقالات أخرى ترغب في قراءتها على جوك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة