مدينة مصراتة من أهم وأكبر المدن الليبية، ويعتبرها الليبيون ثالث مدينة من حيث الأهمية، بعد العاصمة طرابلس وبنغازي، وهي في أصل تأسيسها كانت واحدة من المحطات التجارية، التي أسسها الفينيقيون على الأجزاء الشمالية الغربية من الساحل الليبي على البحر المتوسط، حوالي القرن العاشر قبل الميلاد، وكان الغرض من تأسيس هذه المحطات إراحة السفن أثناء العواصف، والتجارة مع سكان البلاد التي أسسوا فيها تلك المحطات، سواء في ليبيا أو تونس، أو حتى على الساحل الأوروبي، وكان الفينيقيون ينزلون على مصراته، ويبيعون تجارتهم مع السكان الأصليين الموجودين فيها بذلك الوقت.
وقد عرفت المدينة عند الرومان، حوالي القرن الثالث ميلادي باسم (توباكتس)، واستمدت المدينة أهميتها من كونها ملتقى العديد من الطرق التجارية بين الشرق والغرب، والجنوب حيث البلاد الإفريقية، والشمال حيث الأوروبيون، ولأنها أيضًا تتوسط منطقة زراعية، ورد ذكر اسم منطقة (كيفالاي) في الوثائق اليونانية القديمة المسماة (أطوال المسافات)، ويقصد بها اليوم منطقة (قصر أحمد)، وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد، والتي تعتبر أقدم المصادر التي ذكرت فيها منطقة (قصر أحمد)، وهذه المنطقة سميت باسم قصر بُني فيها، ينسب إلى أمير بناه، يحمل اسم أحمد، ويُعتقد ويُرجح أنه من الأمراء الأغالبة، وقد وصفه الجغرافي (سترابو) في القرن الأول الميلادي بأنه: "رأس شامخة مغطاة بالغابات"، ولكن للأسف الشديد، اختفت هذه الغابات اليوم.
أما (بطليموس) الجغرافي الشهير، فقد أورد مصراتة باسم (ترايرون أكرون)، أي (الرؤوس الثلاثة)؛ لأنها تتكون من ثلاثة رؤوس من اليابسة ممتدة في البحر المتوسط، وقد سكنتها قبيلة (ميسراتة)، وهي قبيلة أمازيغية بربرية من هوارة، فسميت المدينة باسم هذه القبيلة (مصراتة)، وهو الاسم الذي تُعرف به اليوم، وقد ورد ذكر اسم هذه القبيلة وشيء من تاريخها عند ابن خلدون في تاريخه، خاصه في القسم السادس، كما أنها عُرفت باسم (ذات الرمال)، بسبب انتشار الكثبان الرملية فيها، والتي تسمى في مصراتة (القيزان)، ومُفردها (قوز)، وكانت هناك رواية، أو بالمعنى الصحيح خُرافة شعبية، تذكر أن أصل الاسم يعود إلى اسم شخص جاء من مصر، وقاد المسلمين وحارب الروم وانتصر عليهم، فقيل له: "الرجل الذي من مصر أتى"، وهذا طبعًا الخطأ فيه واضح، والتصنع فيه ظاهر؛ لأن الاسم كان موجود قبل قدوم الإسلام إلى المنطقة بقرون كثيرة.
وقبيلة مسراتة هي بطن من بطون بني اللهان، من قبيلة هوارة الأمازيغية البربرية، وهي قبيلة تنتشر بشكل واسع في الشمال إفريقيا، وقد ذكرها ابن خلدون كما بينا، وقد رسم ابن خلدون الاسم بالسين بدل من الصاد كما هو الآن (مصراتة).
May 18, 2022
رائع
May 19, 2022
العفو
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.