مدينة مأدبا.. قصة التشكل الأول وأسرار الاقتصاد الشعبي والسياحة الدينية

مدينة مأدبا تُعد واحدة من أهم المدن الأردنية تاريخيًا وسياحيًا، إذ نشأت في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر نتيجة لهجرة عائلات مسيحية من الكرك. أدت الزراعة دورًا محوريًا في تكوين اقتصادها الشعبي، فيما عززت مواقعها الدينية قيمتها السياحية، لتصبح وجهة رئيسة للزوار الباحثين عن التراث والتاريخ. كيف بدأت هذه الهجرة؟ وما تأثيرها في الحياة الاقتصادية والثقافية في مأدبا؟

الهجرة من الكرك إلى مأدبا وأسبابها

بدأت مدينة مأدبا في التشكل من عوائل وافدة من الكرك في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، إذ نقلوا حياة الزراعة من منطقة الكرك، وواجهوا خطر البدو، حتى الربع الأول من القرن الفائت.

ويقول المؤرخ الدكتور بسام البطوش إن تلك الهجرة نشأت نتيجة للخلاف العشائري الذي قام بين أتباع الكنيسة الكاثوليكية وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية، وذلك في ورقة بحثية حملت عنوان «العيش الإسلامي المسيحي المشترك: الكرك أنموذجًا»، وذلك عام 2012م، ضمن منتدى الوسطية.

الاقتصاد الشعبي في مأدبا.. الزراعة ونظام المرابعة

وعمد الوافدون الجُدد إلى زراعة القمح والشعير والعدس والحمص والسمسم والكرسنة، فيما أفادوا من الطبيعة الخصبة والغنية بالمياه التي تميزت فيها مأدبا عن الكرك.

واستعان هؤلاء الوافدون بفقراء البدو والفلسطينيين في الأعمال الزراعية، ضمن نظام المرابعة، فيُقدم صاحب الأرض أرضه وأدوات الزراعة، ويقدم المُرابعي جهده في ممارسة الأعمال الزراعية، من حصاد وبذار ورجادة ونقل... إلخ. وأدخل الفلسطينيون مزروعات جديدة، مثل الخضراوات التي منها البندورة والباميا والخيار والكوسا والباذنجان والبصل والقثائيات.

وتقاسم الرجال والنساء العمل الزراعي، وتبادلوا الأدوار فيما بينهم، وخفف نظام المرابعة التوتر بين العشائر الوافدة، وزعامات البدو المحيطين.

النمط الغذائي في مأدبا من الخبز إلى المنسف

وشكَّل الخبز بنوعيه الخامر والعويص اللذين كانا يُطبخان على شكل الشراك، وأحيانًا كان يطبخ العويص في الطابون، ومثَّل المادة الغذائية الأساسية في مأدبا، فكان الطابون يتم على الطين الأحمر.

وبينما مارس الوافدون الجدد الرعي، فقد لجأوا إلى تعيين الرعاة مقابل بعض الكسوة والطعام، وكان السكان ينزحون إلى الأغوار طلبًا للمرعى في سنوات القحط التي تأثرت فيها المنطقة.

وبحكم جذورهم الكركية، عرف الوافدون الجُدد منتجات الأغنام خاصة الألبان ومنها الجميد، إلى جانب السمن والجبنة والزبدة، ونقلوا معهم غذاءهم الأصيل خاصة المنسف والهفيت.

وفي أعياد الميلاد، كان الوافدون الجدد يطبخون الدجاج والديوك خاصة المحشية منها، فيما طبخوا الرشوف والجريشة ومشوطة البرغل والفطيرة من خبز الطابون.

وتناولوا البيض والشاي في الفطورات الصباحية، وكحال بقية الأرادنة، عرفوا القهوة بآدابها وتقاليدها المشهورة في المنطقة.

السياحة الدينية في مأدبا وجهة تاريخية فريدة

تُعد مدينة مأدبا واحدة من أبرز الوجهات السياحية الدينية في الأردن، حيث تحتضن مواقع تاريخية مسيحية تعود إلى القرون الأولى للميلاد. وتشتهر المدينة بفسيفسائها الفريدة التي توثق الإرث الديني والثقافي للمنطقة، ما جعلها مقصدًا مهمًّا للحجاج والسياح المهتمين بالتاريخ الديني.

أهم المواقع الدينية في مأدبا

وهي على سبيل المثال:

1. خريطة مأدبا الفسيفسائية

تعد خريطة مأدبا الفسيفسائية، الموجودة داخل كنيسة القديس جورج، واحدة من أهم المعالم الأثرية في المدينة. وتعود هذه الخريطة إلى القرن السادس الميلادي، وتعد أقدم خريطة جغرافية للأراضي المقدسة، حيث تصور القدس وبيت لحم ونهر الأردن والمناطق المجاورة بتفاصيل مذهلة.

2. جبل نيبو

يقع جبل نيبو على بعد بضعة كيلومترات من مأدبا، وهو أحد المواقع الدينية البارزة في الأردن. ويُعتقد أن النبي موسى وقف على قمة هذا الجبل ورأى الأرض المقدسة قبل وفاته. ويضم الموقع كنيسة أثرية ولوحات فسيفسائية رائعة، إضافة إلى إطلالة بانورامية خلابة على وادي الأردن والبحر الميت.

3. كنيسة الرسل

تُعد كنيسة الرسل من الكنائس التاريخية في مأدبا، وتشتهر بأرضيتها الفسيفسائية التي تصور مشهدًا بحريًا فريدًا، يرمز إلى المسيحية المبكرة في المنطقة.

4. مكاور (قلعة هيرودس)

تقع مكاور، أو قلعة هيرودس، جنوب مأدبا، وتعتبر موقعًا تاريخيًا مهمًا، إذ يُعتقد أنها المكان الذي سُجن فيه يوحنا المعمدان وقُطع رأسه بأمر من الملك هيرودس.