مديحة كامل.. حكاية فنانة اختارت الهداية على الشهرة

توجد لحظات فارقة في حياة الإنسان، لحظات تحمل في طياتها إشارات خفية لا يفهمها إلا أصحاب القلوب اليقظة، لحظات كأنها جرس إلهي يدعو للتأمل وإعادة النظر في الطريق الذي نسلكه، هكذا كانت قصة الفنانة الجميلة التي أبهرت الجميع بموهبتها وجمالها الهادئ، ثم فاجأت الجميع بقرار اعتزالها المفاجئ، قرارٌ لم يكن وليد لحظة عابرة، بل جاء بعد سلسلة من المواقف التي جعلتها ترى الحياة بعيون مختلفة.

لحظة التحول بين النور والظلام

كانت الفنانة مديحة كامل تقف أمام المرآة في استوديو التصوير تستعد لمشهد جديد، لكن ما رأته لم يكن انعكاسًا لوجهها الجميل كما اعتادت، كانت ترى ملامح شيطانية غريبة، جعلتها تصرخ منزعجة في حالة من الفزع الحقيقي، أسرع فريق العمل إليها، يظن أن مكروهًا قد أصابها، لكنها لم تستطع تفسير ما رأته.

كانت تلك اللحظة بداية التحول، لحظة جعلتها تشعر بأن الفن، بكل أضوائه البراقة، ربما لم يكن طريقها الصحيح، وجاءت وفاة الفنانة الرقيقة هالة فؤاد التي تركت الأضواء واختارت الهداية، لتكون بمنزلة الرسالة الأخيرة التي أكدت لها أن وقت الرحيل قد حان.

أثر وفاة هالة فؤاد في حياة مديحة كامل

لم يكن الاعتزال مجرد قرار مهني، بل كان رحلة روح نحو النور، نظرت إلى الحياة بعمق أكبر، بعيدًا عن عدسات الكاميرا وصخب الشهرة، حتى عندما ظهرت في حفل زفاف ابنتها الجميلة ميريهان، كانت عيناها تحملان نظرة وداعية دافئة، نظرة أمٍّ تعلم أن رحلتها في هذه الحياة اقتربت من نهايتها. نظرة تقول: "هتوحشيني يا حبيبتي"، وكأنها تودع جزءًا من قلبها.

وفي حوار مؤثر مع المذيعة القديرة سلمى الشماع، تحدثت عن الجلطة التي ألمَّت بها في أثناء تصوير مسلسل الأفعى. كانت الكلمات تخرج من بين شفتيها كأنها قطرات ألم. قالت بصوت مكسور: "قلبي هش... لا يحتمل الحزن". وكأن قلبها كان يرفض الاستمرار في دروب الألم والشهرة الزائفة، فآثر الانسحاب في هدوء.

ربما كان التزام أسرتها بالحجاب سببًا آخر دفعها لاتخاذ قرارها الحاسم. فقد عاشت ابنتها ميريهان مع خالتها وزوج خالتها الملتزمين، فشعرت أن هذا هو المسار الطبيعي الذي يجب أن تسلكه. طبيعتها المتحفظة التي لم يعرفها عنها أحد، كانت الوجه الحقيقي لشخصيتها. كانت تكره الضوضاء وتخشى الظلام على الرغْم انجذابها إليه.

كانت كلاسيكية في أبسط تفاصيل حياتها، تعشق الورد وبراءة الأطفال، وتكره الخيانة وصديق السوء والأفلام التافهة التي لا تحمل رسالة أو قيمة، حتى التليفون ذلك الاختراع البسيط لم يكن له مكان في بيتها؛ فقد كانت تفضل العزلة الهادئة على صخب المكالمات.

أعمال المرء بخواتيمه

لكن، تذكروا جيدًا، أن أعمال المرء بخواتيمه، لا بما حصَّله من شهرة أو مجد زائل في هذه الدنيا، إن قصة اعتزال الحاجة مديحة -ودعوني ألقبها بهذا اللقب الشريف العظيم- هي قصة حب من الله إليها، حب اصطفاها به، تمامًا كما اصطفى الحاجة فاطمة شاكر "شادية" سابقًا. فكل فنانة معتزلة كانت لها قصة حب مختلفة مع الله، قصة لا يعرف تفاصيلها إلا هو، لكنها تتلاقى جميعًا في نقاء القلب وصفاء الروح.

الحاجة تحية كاريوكا، مثلًا، التي رحلت عن الدنيا وهي تحتضن كتاب الله، قدَّمت لنا درسًا في أن القلوب التي تحب الله حقًّا لا تضل الطريق مهما طال، وأن النهاية قد تكون أجمل من كل بداية.

أما الحاجة مديحة فكان ختامها مسكًا، اختتمت مشهد حياتها في أجمل صورة؛ أدَّت صلاة العشاء جماعة، ثم جلست تتابع حفظ سورة البقرة، وكأنها كانت تُجهِّز قلبها للقاء الله، قامت بضبط المنبِّه لصلاة الفجر كعادتها التي لم تتخلَّ عنها يومًا، لكنها لم تستيقظ، فقد كان للموت رأي آخر.

رحيل مديحة كامل

رحلت وهي على طاعة، رحلت ووجهها يشع بنور الهداية، وكأن الله أراد أن يقول لنا جميعًا: "تلك هي الخاتمة التي يُرتجى لها الجنة".

إنني عندما أنظر إلى صورتها، أشعر وكأنني أنظر إلى جزء مني. ملامحها تحمل شيئًا غامضًا يشبهني، كأنها كانت أنا في عالم آخر موازٍ. حياة تتأرجح ما بين النور والظلام، الشهرة والانزواء، الحب والعناد.

إنها الحكاية التي تثبت أن بعض الوداعات ليست نهاية، بل بداية جديدة في عالم أكثر صفاءً وصدقًا؛ لأن النور الحقيقي لا يأتي من أضواء الكاميرات، بل من نور القلب عندما يهتدي إلى الطريق الصحيح.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.