مدرسة أبولو.. النشأة والسمات الأدبية وأبرز الرواد

في مطلع القرن العشرين، بزغت مدرسة أبولو منارة أضاءت سماء الأدب العربي، مُعلنةً ثورة على الجمود الكلاسيكي ودعوة للتجديد والتحليق في آفاق رومانسية جديدة، وهو الوقت الذي شهد تراجعًا كبيرًا في الأدب العربي، وهو ما كان سببًا لظهور مثل هذه الحركات التي أطلقها أدباء وكُتَّاب ذلك الزمن بغرض التطوير. يستعرض هذا المقال الظروف التاريخية والأدبية التي أدت إلى نشأة هذه الجماعة المؤثرة، ويكشف عن أهم سماتها الأدبية الثورية التي نقلت القصيدة العربية نقلة نوعية. ونسلط الضوء على أبرز الأسماء اللامعة التي قامت عليها هذه المدرسة الرائدة.

أسباب نشأة مدرسة أبولو.. ميلاد حركة أدبية في عصر التراجع

قبل ظهور مدرسة أبولو، كانت توجد مدرستان سائدتان في الكتابة، وهما مدرسة التقليد ومدرسة الديوان، وهي مدارس تعتمد على النمط التقليدي في الكتابة، وكان أبرز شعراء مدرسة التقليد كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، في حين شهدت مدرسة الديوان ابتعاد عدد من كُتَّابها عن كتابة الشعر، مثل المازني وعبد الرحمن شكري وعباس محمود العقاد.

كانت مدرسة التقليد تعتمد على النمط التقليدي في الكتابة وأبرز شعرائها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم

كان المناخ الأدبي يسمح بظهور جماعة جديدة، خاصة إذا كانت تنادي بأفكار يمكنها أن تنقل القصيدة العربية إلى آفاق أخرى مع الحفاظ على الأصالة والقيم الجمالية المعروفة، إذ كان الأدب العالمي في مرحلة تطور كبير ومستمر، وهو ما لمسه عدد من الكُتَّاب والمثقفين الذين خرجوا للتعليم أو الإقامة لأسباب مختلفة في أوروبا.

أضف إلى هذه الأسباب تراجع الثقافة العربية في ذلك الوقت نتيجة تراجع التعليم والصحافة، فكان لا بد للأدب أن يؤدي دوره التنويري والتجديدي في دفع المجتمع إلى الأمام ورفع مستوى الوعي العام لدى الناس.

من الناحية الفنية، كان تأثير الشعر الرومانسي الغربي قد وصل مداه إلى الوطن العربي، فكان أقرب الكتاب والشعراء إلى ذلك النمط هم أصحاب جماعة الديوان، إذ كانت تتميز كتاباتهم بالألفاظ والمفردات والتراكيب البسيطة والابتعاد عن الأشكال القديمة والتقليدية من البلاغة، إضافة إلى اتجاه جماعة الديوان إلى التعبير الداخلي والنفسي، وهو ما سهل من عملية تكوين جماعة أبولو على بقايا جماعة الديوان.

تأسيس مدرسة أبولو.. أحمد زكي أبو شادي ومجلة المنبر

كان تأسيس مدرسة أبولو عام 1932 على يد الشاعر المصري أحمد زكي أبو شادي، وقد توازى مع إعلان التأسيس صدور مجلة تابعة للمدرسة تُسمى أيضًا مجلة أبولو، لكنها لم تكن تمتنع عن نشر كل المذاهب الأدبية والشعرية الأخرى، إذ نشرت أعمال أحمد محرم وأحمد شوقي وأبو القاسم الشابي، لكن القائمين على مجلة أبولو كانوا ينتقون الأعمال التي تتوافق مع الثقافة الجديدة وتبتعد عن النمط الكلاسيكي الجامد، لذا لم تُنشر فيها أعمال علي محمود طه القديمة، كما لم ينشر فيها أحمد زكي أبو شادي نفسه ديوان «أنداء الفجر» الذي يعد من النمط القديم في الكتابة.

من الغريب أن تكون أول اجتماعات مدرسة أبولو في منزل أمير الشعراء أحمد شوقي، على الرغم من أنه أحد الكتاب التقليديين، فإنه احتفى كثيرًا بجماعة أبولو وافتتح الجلسة بقصيدة تقول:

أبوللو مرحبًا بك يا أبوللو *** فإنك من عكاظ الشعر ظل
عكاظ وأنت للبلغاء سوق *** على جنباتها رحلوا وحلوا

ومن الغريب أيضًا أن يتوفى أحمد شوقي بعد هذا الاجتماع بأيام قليلة، ما جعل أعضاء مدرسة أبولو يختارون خليل مطران رئيسًا للجماعة التي سُميت نسبة إلى أحد الآلهة الإغريقية الذي تُنسب إليه الفنون والعلوم.

السمات الأدبية لمدرسة أبولو.. أسس التجديد في الشعر العربي

توجد مجموعة من الأفكار التي قامت عليها جماعة أبولو التي اتفق عليها الأعضاء، مثل:

الابتعاد عن شعر المناسبات

إذ كان رواد مدرسة أبولو يبحثون عن الكتابة الخالصة المملوءة بالمشاعر والأحاسيس، لذا كان شاعر المناسبات يمثل الوجه السيئ للشعراء والكتاب، وهو ما لا يتفق أبدًا مع الاتجاه الرومانسي الذي قامت عليه المدرسة.

قامت مدرسة أبولو على الاتجاه الرومانسي فبحث روادها عن الكتابة المملوءة بالمشاعر والأحاسيس

الوحدة العضوية

كانت دعوة مدرسة أبولو لكتابة قصيدة تتسم بالوحدة العضوية أمرًا مهمًا وشديد الخطر في ذلك الوقت، إذ كان النمط التقليدي في الكتابة يمزج بين الصور المتباعدة ويخرج عن جسد النص الشعري ويعود كما يشاء، وهو ما يتنافى مع الوحدة النفسية والوجدانية للنص الذي سعت إليه مدرسة أبولو.

التصوير

مع أنَّ الصورة الشعرية هي صلب الكتابة منذ بداية ظهور فن الشعر، فإن مدرسة أبولو كانت تنادي بتكوين الصورة كأساس للقيمة الجمالية والفنية، والابتعاد عن التعبير بلفظة أو لفظتين، ودفع الشعراء إلى مزيد من الجهد في نسج الصور الكلية والجزئية، لتتحول القصيدة إلى لوحة كبيرة تضم عددًا من اللوحات الفنية الجميلة.

الفن للفن

دعا أيضًا رواد مدرسة أبولو إلى تحرير النص الشعري من القيود القديمة الخاصة بالنمط والمضمون التي تسببت في دخول القصيدة العربية إلى نفق الملل، لذا بدأ شعراء مدرسة أبولو في تنويع الأوزان والقوافي بغرض الوصول إلى المتعة الفنية، وهو ما ساعدهم كثيرًا على الانتشار في تلك المدّة.

القضايا الشعرية عند جماعة أبولو.. أغراض ومضامين التجديد

حتى نفهم أكثر نمط النص الأدبي عند جماعة أبولو، يجب أن نعرف الأغراض والقضايا الشعرية التي اتجه إليها كتاب هذه المدرسة، ومن بينها:

الحب

أوضحنا من قبل أن مدرسة أبولو تأثرت كثيرًا بالرومانسية التي ظهرت في أوروبا في ذلك الوقت؛ لذا فقد كان الحب حاضرًا بقوة في الأغراض الشعرية لكتاب مدرسة أبولو، إضافة إلى مفرداته من حزن وألم ولوعة وفراق، وألفاظ جريئة تعبر عن هذه المشاعر.

الطبيعة

مع أن اللجوء إلى الطبيعة ليس أمرًا جديدًا على الشعر العربي، فإن تناول رواد مدرسة أبولو للطبيعة كان مختلفًا، إذ أصبحت الطبيعة عنصرًا رئيسًا في هذه الكتابات التي تمتزج بالحالة النفسية والوصفية والمشاعر التي جعلت من المكان بطلًا وحدثًا قائمًا بذاته في كتابات المدرسة الجديدة.

الفلسفة

نتيجة للتأثر الكبير الذي طال كتاب مدرسة أبولو من الثقافة الأوروبية، فإن الفلسفة قد برزت في كتابات رواد أبولو على نحو واضح، بفضل التساؤلات الفلسفية والحس النقدي الذي أضاف كثيرًا للقصيدة العربية في تلك المدّة.

الوجدان

كان الوجدان حاضرًا في كتابات وأفكار مدرسة أبولو، إذ كان الكاتب ينشغل كثيرًا بالتعبير عما يدور في وجدانه من مرارة أو ألم أو إحساس بالضياع، أو حتى إحساس بالفرح العميق والسعادة المتناهية في تجربته أو بتبني تجارب الآخرين، وهو ما جعل تجربة أبولو تجذب إليها الكثير من القراء والمتابعين والكُتَّاب من أنحاء الوطن العربي كافة.

أهم رواد مدرسة أبولو.. أسماء لامعة في سماء الشعر العربي الحديث

إضافة إلى مؤسس المدرسة أحمد زكي أبو شادي، فقد ضمت عددًا من الأسماء، سواء من مصر أو من جميع أنحاء الوطن العربي، مثل علي محمود طه، وأبو القاسم الشابي، ومحمد عبد المعطي الهمشري، وعلي العناني، وكامل كيلاني، وصالح جودت، وجميلة العلاليلي، ومصطفى السحرتي، وحسن كامل الصيرفي.

وهكذا، فإن مدرسة أبولو التي أُطلق عليها أيضًا (مدرسة الوجدان)، كانت مرحلة مهمة من مراحل تطور القصيدة العربية، قد تختلف معها أو تتفق، لكنك لا تستطيع أن تتخطاها، نظرًا لما مثلته من نقلة نوعية على مستوى الكتابة والأفكار والنقد والقيم الجمالية.

أحدثت مدرسة أبولو ثورة شعرية عاطفية كوَّنت جسرًا بين المدرسة الكلاسيكية والتيارات الحديثة في الأدب العربي، وأسّست مرحلة جديدة عبّرت عن الذات والخيال والحلم الإنساني بجرأة فنية غير مسبوقة. لا تزال بصماتها حاضرة في تجارب شعراء كثر ممن ساروا على درب الوجدان والحرية الإبداعية.

وفي الختام، يُسعدنا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومقترحاتك عن مقالات أخرى ترغب في قراءتها على جوك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم سيد علي عبد الرشيد
بقلم سيد علي عبد الرشيد
بقلم سيد علي عبد الرشيد
بقلم سيد علي عبد الرشيد
بقلم سيد علي عبد الرشيد