قصة الإنسان عند المؤرخ تبدأ منذ ظهوره على سطح الأرض في العصر الجيولوجي الرابع، أي منذ حوالي 200,000 سنة قبل الميلاد، وتمتد حتى بداية الحضارة البشرية الأولى.أما قصة الإنسان مع الحضارة والفكر فتبدأ منذ نحو 6,000 سنة قبل الميلاد.
فائدة دراسة التاريخ
لقد سعى كل فرد من كل جيل لتحقيق أغراضه الخاصة ومتطلباته اليومية، لكن لو ابتعدنا عن مراقبة الفرد سوف نرى حركة على مستوى أشمل، حركة إجمالية على مستوى الدول بل والجنس البشري، ويستطيع الفرد أن يحس بفارق هذا التطور لو قارن حياة المصريين القدماء كما يظهرون على الآثار، وبين حياة الإنسان المصري المعاصر، فسوف يلاحظ فرقًا كبيرًا وسوف يزداد هذا الفرق كلما تقدمت الحضارة، وتصبح المسافة بين الجد الأول للإنسان: ذلك المخلوق البدائي، وبين الإنسان الراقي المعاصر أكثر بُعدًا.
هذه الحركة والتقدم، ودراسة أسباب تقدم النوع البشري وحركته التاريخية تُعرف عند المؤرخين باسم فلسفة التاريخ، ويسمونها "بمفهوم التاريخ"، لأن علم التاريخ كما يجب أن يكون عليه، ليس هو ذلك العلم الذي يكتفي بمعرفة كيف حدثت الوقائع.
إن إدراك المؤرخين للمفهوم التاريخي أو لفلسفة التاريخ شيء حدث نسبيًا، وهي ككل شيء آخر مرت بمراحل مختلفة؛ لأن لكل جيل نظرة يمليها عليه واقعه الحضاري وظروفه الخاصة، فينظر إلى مفهوم التاريخ من زاوية خاصة.
إن لكل عهد فلسفة عامة، وإن ظهرت أكثر من فلسفة في عصر واحد، فإنها تشترك في إطار عام واحد وتشغل نفسها من أجل قضية مشتركة.
مدرسة التفسير الديني والأخلاقي للتاريخ
يُحلل بعض المفسرين وجود إحساس فطري يدفع الإنسان إلى إضفاء الصفات الإنسانية على كل شيء حوله، بل وبث الروح والحياة فيها. ولا يزال هذا ملحوظًا في لغاتنا وتفكيرنا.
وبمرور الزمن، حاول الإنسان في المراحل الأولى من تفكيره وأطواره الحضارية اكتشاف القدرة الخلاقة التي نظمت الكون على النحو الذي هو عليه، وإظهار القدرة الخلاقة التي تتحكم فيه من أجل تفسير الظواهر الطبيعية.
ولما كانت قدرات الإنسان العلمية في تلك العهود السحيقة محدودة، فقد لجأ إلى الأساطير الدينية لتفسير الظواهر الطبيعية كالبرق والرعد والمطر وشروق الشمس وغروبها.
وكم يكون من المفيد لو اهتم علماء المسلمين بإظهار التفسير القرآني للتاريخ بصورة أكثر تفصيلًا، وإن كان الأستاذ الدكتور راشد البراوي قد ألَّف كتابًا أسماه "التفسير القرآني للتاريخ"، ركز فيه أكثر على التحليلات التي جاء بها الإسلام من أجل تنظيم العلاقات بين الناس.
أما في مدارس الفكر المسيحي، فتتمثل آراء مدرسة التفسير الديني للتاريخ على نحو أكثر وضوحًا، وأول ما يطالعنا من آراء في ذلك الحال: مؤلفات القديس أوغسطين (354-430م)، وهو من أشهر آباء الكنيسة ومؤلف كتاب "مدينة الله"، وتتلخص آراء هذا الفيلسوف في أن الأحداث التاريخية ليست سوى بنت الإرادة الإلهية، وأن العناية الإلهية تؤدي دورها في الأحداث التاريخية.
وينطوي تحت لواء التفسير الديني للتاريخ مدرسة صغيرة محدودة، وهي مدرسة التفسير الأخلاقي للتاريخ، وترجع أصول هذه المدرسة إلى أنصار الأفلاطونية الجديدة وبعض المفكرين اللاهوتيين، وتفسر هذه المدرسة التاريخ على أنه دروس أخلاقية يجب على الناس أن يتعظوا منها.
المفهوم العقلاني المثالي للتاريخ
كان لقيام الثورة الفرنسية تأثير عظيم على تغيير النظرة إلى تفسير الأحداث التاريخية، فقد مهَّد مفكرو هذه الثورة لها إبان القرن الثامن عشر الميلادي، ويأتي على رأس هؤلاء فولتير (1694-1778م)، الذي نادى بأن الإيمان يجب أن يكون بالعقل والتفكير العلمي.
وقد جاءت هذه المدرسة كرد فعل لجبروت الكنيسة وتعاونها مع الإقطاع والملكية، ومن ثم عُرفت بعدائها السافر والشديد للمسيحية ولمدرسة التفسير اللاهوتي للتاريخ.
وخلاصة رأي فولتير أن التطور التاريخي هو نتيجة لتطور أخلاق وعادات وطبائع الشعب في مراحل متعددة، ما يؤدي إلى تطور آرائهم وأفكارهم.
وبنفس المنطق الذي حلل به فولتير سقوط الإمبراطورية الرومانية، كتب المؤرخ إدوارد جيبون كتابه عن تدهور وسقوط الإمبراطورية الرومانية.
ومن أعلام الفلاسفة الطبيعيين الذين ظهروا إبان القرن الثامن عشر، الفيلسوف الفرنسي المجري الأصل هولباخ (1723-1789م)، الذي قال إن تدهور الأمم ليس سوى نتيجة لتدهور أخلاقها وتفشي الشرور والفساد فيها.
مدرسة التفسير الاجتماعي
من أبرز العلماء في هذه المدرسة سان سيمون (1760-1825م)، وقد أكد في مؤلفاته أن ميدانه هو ميدان علم الفيزياء الاجتماعي، وكان سان سيمون من ألمع المفكرين الفرنسيين الذين وصفوا فلسفة الثورة، وأحدثت آراؤه تغييرًا كبيرًا في الفكر التاريخي.
ويؤكد على وجوب دراسة الحوادث المتعلقة بحياة الإنسان الماضية، لأننا لا نستطيع التنبؤ بمستقبل الأحداث إلا إذا فهمنا الماضي الجماعي للإنسان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.