قلَّما تجد بين سير الشعراء والكُتَّاب العرب من سخر إمكاناته الأدبية والإبداعية في الكتابة للأطفال بجودة عالية واهتمام أصيل، إذ كان أدب الطفل دائمًا نشاطًا فرعيًّا لبعض الكتاب والأدباء؛ لذا لم يرتقِ في كثير من الأحيان للمستوى المطلوب إلا في بعض الحالات الاستثنائية التي نضعها على رأسها حالة الشاعر والأديب الأردني صاحب الأصول الفلسطينية محمد أحمد الظاهر الذي ترك لنا تجربة ثرية وزاخرة في أدب الطفل تستحق الدراسة والاهتمام.
وفي هذا المقال ندخل إلى عالم محمد أحمد الظاهر، ونتعرَّف على أهم المحطات التي مر بها على المستوى الشخصي والمستوى الإبداعي في رحلة قصيرة لا تخلو أبدًا من المتعة والإثارة والجمال في السطور التالية.
اقرأ أيضًا: الأديب العالمي "نجيب محفوظ" وأهم أعماله
مولد محمد أحمد الظاهر والنشأة
ولد محمد أحمد الظاهر في أحد مخيمات مدينة أريحا يوم 31 أغسطس عام 1951، واستطاع الفتى المجتهد أن يكمل دراسته على الرغم من الظروف الصعبة، ويحصل على دبلوم اللغة الإنجليزية من معهد التدريب في عمان عام 1974؛ وهو ما ساعده كثيرًا بعد ذلك في العمل مع مؤسسات دولية، إضافة إلى ترجمة عدد من الأعمال من الإنجليزية إلى العربية.
وبعد التخرج بدأ العمل في مهنة التدريس في وكالة الغوث الدولية، ومنها اتَّجه إلى الصحافة والعمل في التحرير والمراسلة لصحف أردنية وإنجليزية، إضافة إلى عمله مع الإذاعة الأردنية في كتابة قصائد الأطفال.
مع أنَّ محمد أحمد الظاهر بدأ في تهجي حروف اللغة العربية وهو لم يكمل عامه السابع، وكان مُحبًّا للقراءة والاطلاع، لكنه عاش حبيسًا في محل والده الذي كان يعمل في مهنة السمكرة، فكان يذهب إلى المدرسة ويعود إلى المحل ليساعد والده؛ ما حرمه من اللعب ومخالطة الأطفال، ثم إن والده كان يعاقبه عندما يضبطه متلبسًا بقراءة صحيفة أو مجلة، فكان الولد الصغير يبدأ في القراءة بعد نوم أبيه، وهو ما تغيَّر بعد مدة، فقد اقتنع الأب بأن هذا الولد العنيد لن يرث صنعة السمكرة، وأنه سيغدو ذو شأن في هذا العالم.
حياة محمد أحمد الظاهر
بدأ محمد أحمد الظاهر رحلته في الاعتماد على نفسه وهو في السابعة عشرة من عمره عندما استأجر غرفة صغيرة في جبل اللويبدة في عمان، وعمل في وظيفة صغيرة في إحدى الصحف التي منحته الفرصة ليحصل على المأكل والملبس في أثناء الدراسة، وهو ما أغضب والده جدًّا، لكن الفتى كان قادرًا على مصالحة والده من حين لآخر.
انتقل بعد ذلك محمد الظاهر إلى العمل في صحيفة فارس المتخصصة في أدب الطفل التي تصدر أسبوعيًّا، فأصبح بعد مدة سكرتيرًا للتحرير، إذ كان يتولَّى كل العمل من شعر وقصة وتحقيقات وسيناريوهات، إضافة إلى كل المواد العلمية والأدبية التي تحتاجها المجلة، وهو ما وضع محمد الظاهر على الطريق الصحيح الذي جعله بعد مدة أحد أكبر الأسماء في الكتابة للطفل على مستوى الوطن العربي.
كان الشاعر محمد أحمد الظاهر شديد الحماس مُتعدِّد المواهب، وهو ما جعله يعمل في عدة مجالات في الوقت نفسه، إذ كان يكتب الشعر وينشره في الصحف والمجلات المحلية في الأردن، وكذلك كان يراسل عددًا من المجلات في دول أخرى، إضافة إلى اهتمامه بكتابة سير الشخصيات الأدبية في الأردن من ناحية وفي الوطن العربي من ناحية أخرى، لكن سعيه الأكبر الذي برز اسمه في هو الكتابة للطفل وهو ما جعلهم يطلقون عليه شاعر الأطفال.
عمل الشاعر محمد الظاهر مديرًا للتحرير في صحيفة الدستور الأردنية، إضافة إلى عمله مراسلًا لمجلة ميدل إيست الإنجليزية، كما كان في الوقت نفسه ينشر في عدد من الصحف في لندن وباريس وقبرص والكويت والعراق ومصر، إضافة إلى انتسابه لرابطة الكُتاب الأردنيين منذ إنشائها عام 1974.
كان الشاعر الكبير محمد الظاهر يحلم بتأسيس وكالة صحفية كبيرة ذات طابع دولي تعمل على إرسال الأعمال والمقالات والتغطيات إلى الصحف الكبرى خارج الأردن، لكن سعيه لتحقيق هذا الحلم لم يكلل بالنجاح مع أنه تعاون مع عدد من الجرائد والمجلات في الأردن على مدار حياته الغنية بالعمل الأدبي والصحفي.
اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيله.. الشاعر خالد نصرة صوت فلسطين ووجع الأمة العربية
أدب محمد أحمد الظاهر
دائمًا يُعرَّف بالشاعر والأديب الكبير محمد أحمد الظاهر بكونه أحد رموز الكتابة للطفل في الوطن العربي، لكن الرجل كان شاعرًا مكتملًا يمارس الكتابة في عدد من الأشكال الإبداعية، وهو ما ظهر في بداية حياته حينما أصدر ديوانه الأول بالاشتراك مع الشاعر الأردني غسان زقطان للتعبير عن رفضه للواقع الصعب في الوطن العربي في ذلك الوقت، وكان الديوان بعنوان (عرض حال للوطن).
كتب محمد أحمد الظاهر أيضًا عددًا من المسرحيات التي برزت فيها قدرته على صنع الحوار والشخصيات وعرض الجوانب النفسية العميقة لما يدور داخل الشخصيات، لكن إبداعه وتميزه في مجال الطفل قد غطَّى كثيرًا على قدراته وإمكاناته المتميزة في الشعر والمسرحية؛ فعلى سبيل المثال يقول الناقد الكبير أحمد المصطلح عن الشاعر محمد الظاهر: "لم تشهد الساحة الأدبية في الأردن شاعرًا مكتملًا ومبدعًا في أدب الطفل مثل الشاعر محمد الظاهر".
كذلك كان لمحمد أحمد الظاهر عددًا من التقنيات والإبداعات التي سبق بها غيره في مجال الكتابة للطفل، مثل كتابة القصة الشعرية التي يستطيع الأطفال حفظها بسهولة، إضافة إلى مشروعه الرائع (هذا كتابي)، وهو ما منح الأطفال القدرة على تعلم الحساب والأرقام بأسلوب فكاهي وشعري ومُسلٍ في الوقت نفسه، مع العلم أن هذه الإبداعات ظهرت في وقت لم يكن به هذا التراكم الهائل من المعرفة وتكنولوجيا الاتصال والإنترنت، وهو ما يوضح لنا تميز هذا المبدع الكبير وقدرته على الإنتاج المدهش في أجواء فقيرة.
اقرأ أيضًا في ذكرى رحيله.. عمر أبو ريشة شاعر حلق بالشعر فوق صخور الأيدولوجيا
أعمال محمد أحمد الظاهر
كان محمد أحمد الظاهر شاعر غزير الإنتاج يكتب في عدد من الأشكال الإبداعية مثل المقالات الصحفية والترجمات، إضافة إلى كتابته لأناشيد بطاقات اليونيسيف ونشيد الأطفال العرب، أضف على ذلك المسرحيات والقصائد والقصص التي كان يكتبها للإذاعة الأردنية، فضلًا على عدد من أعماله التي لم تُنشَر حتى الآن، ومن أهم أعماله المعروفة والمنشورة ما يلي:
في مجال الشعر:
- ديوان عرض حال للوطن عام 1978
- ديوان لم أكن نائما لكنه الحلم والواقع عام 1981
- ديوان قمر المذبحة يمامة الوطن عام 1988
- ديوان أغنيات للعراق عام 1991
في مجال أدب الطفل:
- قصائد للأطفال عام 1982
- لينا النابلسي عام 1982
- تغريد البطمة عام 1984
- دلائل المغربي عام 1985
- الطائرات الورقية عام 1986
- أغنيات للوطن عام 1987
- أطفال الوطن الجميل عام 1988
- أين كنت عام 1992
- أغنيات للظاهر
- حكايات ترويها البنات عام 2012
في مجالات أدبية أخرى:
- كتاب رحلة إلى مصر وسيناء عام 1991
- كتاب موسيقى الحكمة مذكرات منير بشير عام 1996
جوائز وتكريمات محمد أحمد الظاهر
- حصل على جائزة الدولة التقديرية في أدب الطفل عام 1999.
- حصل على جائزة الملكة نور في أدب الطفل عام 1989 في مجال الشعر.
- حصل على جائزة أدب الأطفال من الجمعية الأردنية للمكتبات.
- حصل على جائزة مصطفى عزوز لأدب الطفل عام 2015.
- حصل على جائزة أفضل مسرحية للأطفال ضمن فعاليات مركز (هيا الثقافي).
- حصل على درع مجلس أمناء الكلية العصرية الجامعية عام 2014 كتقدير له على مجمل أعماله.
من أقوال الشاعر محمد الظاهر
- "أنا لا أجد متعتي إلا في الإبداع، ولذلك فأنا أقضي معه الساعات دون أن أشعر بمرور الوقت".
- "لم يعرفني الناس على مستوى الساحة الإبداعية إلا بعد أن أصبحت رمز من رموز الكتابة للطفل على مستوى الوطن العربي، وبعد أن ترجمت قصائد إلى العديد من اللغات الحية".
- "الكتابة هي أعلى جرف في العالم، وأن تكون كاتبا فقد رزقت بأشرف وأمتع حرفة في العالم".
- "أنا أتنقل بين الأشكال والتجارب الأدبية بحرية كبيرة، فهناك أدب الطفل والشعر وأناشيد الطفولة، بالإضافة إلى الكتابة الصحفية والترجمة".
وفاة محمد أحمد الظاهر
توفي الشاعر الأردني صاحب الأصول الفلسطينية وأحد رموز أدب الأطفال في الوطن العربي محمد أحمد الظاهر يوم 17 يوليو عام 2020، إثر إصابته بأزمة قلبية حادة عن عمر ناهز 68 عامًا، ليرحل الكاتب والمبدع الكبير تاركًا خلفه أثرًا جميلًا ومدهشًا على المستوى الإنساني والإبداعي.
وهكذا انتهت رحلتنا سريعًا في عالم الشاعر الأردني محمد أحمد الظاهر أحد أهم الأسماء العربية في الكتابة للأطفال التي نتمنى أن نكون قدَّمنا بواسطتها المتعة والإضافة.
ويُسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.