مجلة PNAS: الإرهاق العقلي وفقدان القدرة على ضبط النفس

ظهر ما يُسمى بنظرية استنزاف الأنا في الأدبيات العلمية في بداية القرن الواحد والعشرين. فكرتها الأساسية هي أن ضبط النفس هو مورد معرفي محدود للجميع، وبذلك كلما زادت ممارسة ضبط النفس، زاد استنزافه.

قد يعجبك أيضًا كيف تغيِّر حياتك؟ من كتاب "كيف نتغير؟"

استخدمت أدبيات الاقتصاد السلوكي أنواعًا مختلفة من العمليات المعرفية النموذجية للألعاب الاقتصادية لإظهار آثار استنزاف الأنا على السلوك، مثل انخفاض التعاطف مع الآخرين، أو انخفاض الميل إلى التصرف بأسلوب إيثاري، أو ميل أكبر إلى العدوانية.

لكن في السنوات الأخيرة، تعرَّضت هذه النظرية للنقد: لم تنجح الدراسات اللاحقة دائمًا في تكرار تأثيرات "استنزاف" قوة الإرادة على الأفراد المنخرطين في مهام معرفية صعبة، أو إذا نجحت، فإن التأثيرات التي اكتشفوها كانت أقل بكثير مما قُدِّر في البداية. إضافة إلى ذلك، لا تزال العلاقة بين هذا التأثير والدماغ غير واضحة.

تتناول هذه الدراسة الجديدة المشكلة الكلاسيكية عن طريق إضافة منظور علم الأعصاب. كشفت البحوث في مجال النوم عن ظاهرة تُعرف باسم "النوم الجزئي": تحدث هذه الظاهرة عندما تبدأ بعض مناطق الدماغ لدى الأشخاص اليقظين في إظهار النشاط العصبي النموذجي في أثناء النوم، مثل موجات دلتا، على مخطط الدماغ الكهربائي (EEG).

تُشير الدراسات إلى أن هذه الحالة تحدث بوجه خاص في حالات الإرهاق العقلي. تقول إريكا أوردالي، الباحثة في معهد IMT والمؤلفة الأولى للدراسة: "كانت فرضيتنا الأولية هي أن النوم الجزئي يمكن أن يكون مظهرًا عصبيًا لظاهرة استنزاف الأنا المعروفة في علم النفس".

لاختبار هذه الفرضية، طلب الباحثون من مجموعة من الأشخاص أداء بعض المهام المرهقة التي استمرت مدة ساعة، بدلًا من 15 دقيقة المعتادة المستخدمة عادةً في هذا النوع من البحوث، لجعل التأثيرات المحتملة، إن وجدت، أكثر وضوحًا.

قد يعجبك أيضًا الصحة النفسية وأهميتها فى تشكيل حياة الإنسان.. تعرف الآن

بعد ذلك، لعب الأفراد ألعابًا اقتصادية تتطلب درجات مختلفة من العدوان والتعاون، بما في ذلك ما يُسمى بلعبة الصقر والحمامة (Eagle-Dove Game).

في هذه اللعبة، يتم تقاسم الموارد المحدودة في بيئة معادية، ويمكن للأشخاص اختيار أن يكونوا متعاونين أو متعجرفين، ما قد يؤدي إلى خسارة الموارد لكلا الطرفين. كان الأشخاص الذين عانوا الإرهاق المعرفي أقل تعاونًا وأكثر عدائية على نحو ملحوظ من المجموعة الضابطة التي لم تعانِ من الإرهاق المعرفي. بطريقة محددة، انخفضت نسبة التعاون السلمي من 86% في مجموعة "دون تعب" إلى 41% في مجموعة "التعب" (p<0.001، شملت الدراسة 447 مشاركًا).

أجريت فحوص مخطط الدماغ الكهربائي (EEG) لجميع المشاركين في التجربة (عددهم 44) في أثناء لعبهم للألعاب الاقتصادية. واتساقًا مع فرضية الدراسة، أظهر الأشخاص المتعبون موجات نوم نموذجية في بعض مناطق القشرة الأمامية، ولكن ليس على الإطلاق في مناطق أخرى.

قالت أوردالي: "تشير دراستنا إلى أن الإرهاق العقلي له تأثير قابل للقياس على السلوك، وعندما يبدأ مستوى معين من التعب، يصبح الناس أكثر عرضة لإظهار مواقف عدائية."

قال بييترو بييتريني، المؤلف المشارك للدراسة ومدير مختبر التفكير الجزيئي في معهد IMT: "تشير هذه النتائج إلى أن استنفاد التمثيل الغذائي في بعض مناطق الدماغ قد يؤثر فعلًا على عملية اتخاذ القرار لدينا، مما يوفر دليلًا علميًا للحكمة الشعبية القائلة بأنه يجب التفكير قليلًا قبل اتخاذ القرارات." "إن هذه النتائج مجتمعة لها آثار مهمة على مجموعة متنوعة من المواقف في الحياة اليومية، بما في ذلك المعاملات الاقتصادية والاتفاقيات القانونية؛ لأنها تشير إلى أنه عندما يكون الدماغ "متعبًا" قد نتصرف بما يتعارض مع اختياراتنا المتعلقة بمصالحنا. في الواقع، هذا ما يفعله الناس في معظم السلوكيات الإجرامية".

قد يعجبك أيضًا ما أهمية الراحة للإنسان وما أنواعها؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة