يقال إنه إذا نظر الآباء والأمهات إلى عملية التربية على أنها اختبار، فإن ذلك أدعى أن يعقدوا العزم على النجاح فيه؛ لأن ببساطة يحتاج أي اختبار إلى شيئين: المعرفة والصبر، عندها يمكن النجاح في الاختبار، والعبور إلى بر الأمان بأبنائنا ونفسياتهم سليمة مئة بالمئة.
إحدى المشكلات السلوكية التي تؤرق الوالدين هي السلوك العدواني لدى الأبناء، سواء بالأقوال أو الأفعال، وهو ما سوف نناقشه في هذه المقالة.
ماذا تعني العدوانية؟
العدوانية هي إلحاق الأذى أو الضرر بآخرين سواء كان بطريقة لفظية كالسباب والشتائم، أو بطريقة جسدية كالاعتداء بالضرب والركل، وقد تكون بنظرة استحقار أو استهزاء أو تقليل من آخرين.
ابنك ليس العدواني الوحيد
تشير بعض الدراسات إلى أن ما نسبته 10% من الأطفال دون سن العاشرة لديهم السلوك العدواني بدرجة أو بأخرى، من بينها دراسة نُشرت في مجلة "Journal of Abnormal Child Psychology" خلصت إلى أن نحو 10% من الأطفال يظهرون سلوكيات عدوانية ملحوظة في سن مبكرة.
وأظهرت دراسة في "Child Development" أن الذكور كانوا أكثر عرضة للسلوك العدواني بنسبة نحو 1.5 إلى 2 مرة مقارنة بالإناث، ما يدل على أن السلوك العدواني بين الذكور أكثر منه بين الإناث.
بالطبع تختلف لغة الأرقام باختلاف البيئات، فالبيئة التي يسودها التوتر والحروب والعنف، يكون الأطفال أكثر عرضة لانتهاج السلوك العدواني بالقول أو الفعل، مقارنة بالأطفال في بيئات أخرى.
هذا على مستوى الدولة أو الإقليم، كذلك فإن بيئة الطفل الصغيرة، وأقصد هنا الأسرة التي ينشأ فيها، كلما ساد الهدوء والاحترام المتبادل بين أفرادها، ولغة الحوار، والصوت الهادئ، كلما كان ذلك دليلًا على طفل سوي في بيئة صحية.
متى يقلق الوالدان بشأن عدوانية طفلهما؟
يظهر السلوك العدواني لدى الطفل في عمر الثالثة، ويقل تدريجيًّا إلى أن يصل إلى سن دخول المدرسة، فإذا استمر معه السلوك العدواني حتى بلوغه العاشرة من عمره، هنا يتعين على الوالدين التوقف والتفكير قليلًا في مواجهة هذه المشكلة قبل أن تتضخم وتصبح جزءًا من شخصية الطفل عندما يكبر.
ومما يعين الوالدين على ذلك، بداية وقبل كل شيء، توفير بيئة آمنة حاضنة للطفل، يسودها الهدوء والعلاقات السوية بين أفراده التي تقوم على الود والحب والاحترام المتبادل.
وهذا يعني أنه لا إفراط ولا تفريط، فلا تدليل زائدًا، ولا قسوة مبالغًا فيها، وإنما الوسطية والاعتدال في كل شيء، والتدليل الزائد كالقسوة المبالغ فيها في نتائجهما، كلاهما يخرج طفلًا عدوانيًا.
البيئة السوية تقلل العدوانية
البيئة السوية لا تترك الأبناء يجلسون بالساعات أمام الشاشات بأنواعها، سواء أكانت شاشة التليفزيون أم التليفون أم التابلت أم الكمبيوتر أم غيرها، وإن حدث وجلس الأبناء أمام الشاشات، فعلى الوالدين أن يشاهدا المحتوى الذي يشاهده الطفل؛ للتأكد من أنه لا يحوي مشاهد العنف أو الجنس أو المثلية، وغيرها من القيم الهدَّامة التي تستهدف أبناءنا.
من أفضل وأنجع وأسهل وسائل مواجهة السلوك العدواني لدى الطفل، هو احتواء الأبناء واحتضانهم وإشعارهم بالحب والحنان، وإغراقهم بالكلمات الطيبة الحسنة التي يعبر الآباء والأمهات بواسطتها عن حبهم لأطفالهم دون شرط أو قيد.
معرفة الأبوين تقتضي إدراك أن لدى الطفل طاقة يجب عليه إخراجها، ومن ثم يعملان على توفير قناة شرعية لخروج وتفريغ هذه الطاقة، وأفضل طريقة لذلك، هي ممارسة إحدى الرياضات سواء الفردية أو الجماعية، المهم أن يحبها الطفل وألا تُفرض عليه.
وإذا كان عمر الطفل لا يسمح له بالاشتراك في إحدى الرياضات، فعلى الأبوين أن يعملا على توفير مكان مخصص للعب، وأن يحضرا ألعابًا متنوعة بألوان وأشكال مختلفة، كذلك لا بد من إتاحة الفرصة للطفل للعب في المناطق الآمنة، سواء أكانت حديقة البيت أم خارج المنزل.
التشجيع والتحفيز تقلل السلوك العدواني
مما يقلل السلوك العدواني لدى الطفل، مكافأته عندما يتصرف بإيجابية، فهذا من شأنه أن يزيد السلوكيات الإيجابية المقبولة التي يحصل الطفل من ورائها على مكافأة الوالدين، سواء أكانت مادية أم معنوية، وهنا التنويع مطلوب في مكافأة الطفل حتى يقلل سلوكياته الخاطئة.
أحد الآباء كان يقول لطفله العدواني: اذهب والعب مع ابن عمك، وإذا مرت عشرون دقيقة لا أسمع فيها صراخكما أو شجاركما، سوف نخرج سويًّا إلى النادي في المساء. أب آخر كان يعلق ورقة مدونًا بها أسماء أطفاله، وأمام كل واحد منهما، الأشياء الإيجابية والأخرى السلبية، بحيث تضع الأم في غياب الأب نجمة على كل تصرف مقبول، وحين يعود الأب ينظر إلى الورقة ليرى أيهم أكثر حصولًا على النجوم فيكافئه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية ولا يفعلها معظم الآباء والأمهات للأسف، وهي أن نرصد السلوكيات الإيجابية لأطفالنا، ونكافئهم ونحفزهم عليها بأي طريقة محببة إليهم، ما يعني النظر إلى النصف الممتلئ من الكوب وتجاهل النصف الفارغ منه، وهذا من ذكاء الأبوين في التعامل مع أخطاء الأبناء.
هل تتقن فن التجاهل؟
تقول مقولة: "تسعة أعشار السلامة في التغافل". فأين نحن معاشر الآباء والأمهات من تطبيق هذه المقولة في بيوتنا؟ مع الزوجة والأبناء، باعتبار أنهم الأقرب لنا، والأحق بأن نتجاهل ونتغافل بعض السلوكيات التي تصدر منهم.
للأسف واقع الحال، أن كثيرًا من الآباء والأمهات يتربصون أخطاء الأبناء حتى قبل أن تقع، لدرجة أنهم قد يحاسبونهم على النيات، أنت تنوي فعل كذا وكذا، أنت ولد غير مهذب وعديم الأخلاق... إلخ.
يؤكد التربويون على أن تجاهل تصرفات الطفل العدواني من شأنه أن يقلِّل هذه السلوكيات لديه؛ وذلك لأن السلوك العدواني من الطفل تجاه أقرانه يكون بهدف جذب الانتباه، فإذا ما تم تجاهله انطفأ لديه هذا السلوك تدريجيًّا.
تدريب الطفل على التعبير عن حاجاته، وهنا يقول أحد الآباء إنه وبمجرد فتحه باب البيت آخر اليوم، يندفع نحوه الأبناء ليقدم كل واحد شكايته، فيطلب الأب من كل واحد، أن يحضر ورقة ويكتب شكايته من أخيه، ويقرأها ليقرر في النهاية من المخطئ.
هذه الطريقة التربوية أسهمت ليس فقط في تقليل الشجار والعدوانية بين الأبناء، ولكنها أسهمت أيضًا في تحسين الخط، والتعبير عن الأفكار بانتظام.
عبِّر عن حقك بأدب دون عدوانية
يجب أن نعلم أبناءنا بأن صاحب الحق يطالب بحقه بأسلوب مهذب، والشخص القوي هو من يستطيع الحكم في انفعالاته، ولا ينجر للعصبية؛ لأنها نقطة ضعف وليست قوة، فإذا ما أخذ منك زميلك في الفصل قلمك أو كراستك، فقل له بأدب: هذا قلمي أو هذه كراستي.
أخيرًا، تحدَّث مع طفلك واقصص عليه القصص التي تبين رحمة الخالق وتسامحه وعفوه عن أخطاء خلقه، فكيف بنا معشر البشر، علينا أن نتسامح فيما بيننا، ولكي تصل إليه الفكرة على نحو أعمق قل له: ماذا لو وقع بحق هذا السلوك؟ ما شعورك وقتها؟
الخلاصة
تظهر حكمة الوالدين في التعامل مع السلوكيات الخاطئة التي تصدر من أطفالهما خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، وكلما أحسن الوالدان اختيار التوقيت والطريقة الأفضل لمواجهة السلوك الخاطئ، أسهم ذلك في انطفائها تدريجيًّا، هكذا العدوانية تتطلب الحكمة من الوالدين في مواجهتها، مع الحفاظ على نفسية طفلهما والعلاقة الجيدة معه، إنها معادلة صعبة لا يتقنها كثير من المربين.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.