على الرغم من الثورة العلمية الحديثة وتعدد أساليب التربية، وإتاحة الفرصة أمام الجميع للحصول على العلم والمعرفة عن طريق وسائل مختلفة، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية؛ فإن تربية الأبناء لا تزال فنًّا مستعصيًا على كثير من الآباء والأمهات في هذا الزمان.
جهل أمة "اقرأ" بأساليب التربية الحديثة
أمة اقرأ، التي نزلت فيها أولى كلمات الوحي "اقرأ"، لا تزال حتى يومنا هذا تجهل طرق التربية الحديثة، بل وتصر على اتباع طرق بالية أثبت الواقع فشلها في تربية الأبناء.
صدقت مقولة الإمام ابن القيم التي يُشير فيها إلى أهمية دور الأسرة في التربية: "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينفعوهم كبارًا".
حتى إن بعض الآباء عاتب ولده على عقوقه وتقصيره بحقه، فما كان من ذلك الابن إلا أن رد قائلًا: "يا أبتِ، إنك عققتني صغيرًا، فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا، فأضعتك شيخًا".
وليس أدل من هذه الكلمات على أهمية التربية في سنوات الطفل الأولى من حياته، تلك الصفحة البيضاء التي نكتب فيها وندوِّن نحن معشر الآباء ما نريد أن يصبح في شخصية أطفالنا عندما يكبرون.
كثيرًا ما نسمع بعض الآباء والأمهات، لا سيما في الأرياف، يخاطبون أطفالهم الصغار قائلين: "ابصق على عمك فلان، أو على خالك، أو على جدك أو جدتك". فما يكون من ذلك الطفل البريء إلا أن يفعل ما يطلبه والده. هنا تعلو الضحكات والصيحات من الوالدين، فيكبر الطفل حتى يأتي اليوم الذي يبصق فيه على والده الكبير أمام الجميع!
وما يقع فيه كثير من الآباء والأمهات من تسرُّع وعجلة وعدم قدرة على التحمل والتحلي بالصبر في التعامل مع أخطاء الطفل، إنما يؤشر لتقصير كبير من هؤلاء الآباء تجاه أبنائهم الصغار، وانشغالهم بمتع الدنيا الزائفة؛ لأن الآباء الجيدين يدركون جيدًا أن أفضل ما يقدمونه في حياتهم وبعد مماتهم، ولد صالح، لنفسه أولًا، ولمجتمعه وأمته ثانيًا، ولخدمة البشرية والإنسانية جمعاء.
من النادر في هذا الزمان، ومع انشغال كثير من الآباء وحتى الأمهات وخروجهن إلى العمل، وتوالي الضغوطات عليهن، أن نشاهدهم يجلسون ويتحدثون ويستمعون لأطفالهم، يشاركونهم هواياتهم وألعابهم المفضلة، ويتفهمون مشاعر الإحباط لديهم.
ثقة الطفل بنفسه: هدية الآباء لأبنائهم
إحساس الطفل بنفسه، وبأنه مقبول ممن حوله، إنما يأتي منك أيها الأب، ومنكِ أيتها الأم. بإمكانك أن تشعر طفلك أنه محبوب ومرغوب وموضع احترام وتقدير، وأنه بحق أجمل هدايا القدر لك. والنتيجة: أنه يكوِّن عن نفسه فكرة جيدة، تزداد ثقته بنفسه، ويصبح أكثر قدرة على تحمل المسؤولية. والعكس صحيح.
إذا شعر طفلك بأنه غير مرغوب فيه، أو أنه مكروه، وليس محط اهتمام والديه، فإنه يكوِّن عن نفسه صورة سلبية، تضعف ثقته بنفسه، يعاني القلق والتوتر المستمر، وينتهي به الأمر إلى الاكتئاب وربما التمرد والعصيان.
من الأهمية بمكان، أن يجمع الوالدان بين الرفق والحزم معًا، مع وجود توافق بين الزوجين على طريقة تربية الأبناء، وألا يظهران تناقضًا في المواقف أمام الطفل على نحو تقول الأم نعم لأمر يرفضه الأب، فيقع الطفل في حيرة: لمن أستمع؟ لوالدي أم لوالدتي؟
أخي المربي، أختي المربية، تذكرا أن أطفالكم أمانة لديكم، سوف تحاسبون بين يدي الله يوم لا ينفع مال ولا بنون. فإن أحسنتم فلكم، وإن أسأتم وقصرتم، فلا تلوموا إلا أنفسكم.
وأختم بمقولة جميلة للإمام الغزالي – رحمه الله – يقول فيها: "فالصبي إذا أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق: كذابًا، حسودًا، سروقًا، نمامًا، لحوحًا، ذا فضول وضحك ومجانة. وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.