إن علاقة العلماء بالقهوة ليست قائمة فقط على الشرب، بل على الدراسة أيضًا؛ فهم يحاولون إدراك: هل القهوة نافعة أم ضارة؟ ولكن تُظهر بحوث عدة نتائج مغايرة؛ لذلك فإن مهمة الخبراء الجديدة هي تقديم إجابة مبهرة على هذا السؤال.
كيف تؤثر القهوة على صحة الإنسان؟
على مدار السنوات الخمس الماضية، اعتمدت روسيا على القهوة بدرجة كبيرة، متفوقة بذلك على مشروبها المفضل الشاي، إذ أصبحت في قائمة الدول الست الأكثر استهلاكًا لتلك الحبوب ذات الرائحة القوية، وتستمر في الزيادة أسرع من باقي الدول، وفقًا للدلائل العالمية عام 2022-2023 بمعدل 7%، ما جعل القهوة جزءًا أساسيًّا في حياة الإنسان المعاصر، وبرز هذا الأمر بوضوح في ثقافات الشعوب الأخرى لاحقًا.
غير أنه لم تظهر حتى الآن أي معلومات تفيد بتأثير القهوة على صحة الإنسان. في غضون ذلك، ظهر على الساحة عمل بحثي جديد يركز على وجهة نظر تُدرَس على نحو موسع حول مدى تأثير القهوة على جسم الإنسان دون النظر إلى وقت تناولها.
يجمع في الوقت الحالي مجموعة من العلماء الأمريكيين بيانات من بحث علمي كبير يضم أكثر من 40 ألف شاب أمريكي بعمر 18 عامًا، بداية من عام 1999 حتى 2018، إذ شاركت هذه المجموعة بجرعتها اليومية من القهوة بالتزامن مع مراقبة الخبراء لصحتهم.
القائمون على هذا العمل قسَّموا الذين يشربون القهوة إلى نوعين: صباحًا من (4 إلى 12)، وعلى مدار اليوم. وقارنوا بينهم وبين مجموعة أخرى لم تتناول القهوة على الإطلاق.
وعند انتصاف مدة المراقبة (نحو 10 سنوات)، سُجلت 4295 حالة وفاة لأسباب عدة، منها 1268 حالة بسبب أمراض الأوعية الدموية والقلب، و934 حالة بسبب السرطان.
واتضح أن تناول القهوة صباحًا أسهم في تقليل نسبة الوفاة بوجه عام بنحو 16%، و31% تقليل خطر الوفاة نتيجة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن لم يتضح بعد إذا كانت توجد اختلافات كبيرة بين الذين شربوا القهوة في وقت آخر أو لم يشربوا.
توقيت تناول القهوة
حُفِظت النتائج لاعتبارات مختلفة مثل مستوى الدخل، والوضع الأسري، وكذلك السجل المزمن للأمراض، وأيضًا جودة النوم. فضلًا على ذلك، يوجد أمر آخر ليس بالأهمية نفسها، وهو ما إذا كانت القهوة تحتوي على كافيين أم لا. نُشرت المقالة في مجلة European Journal.
واعترف الباحثون بالنواقص الموجودة في عملهم البحثي، إذ تناولوا العلاقة بين الصحة وتوقيت تناول القهوة دون التطرق إلى أسباب حدوث ذلك. بهذا الشكل، تركوا مساحة كبيرة للتأويلات.
"لا داعي للذعر"
يقترح الخبراء مقترحات عدة: "الكافيين يعيق عمل الميلاتونين، لذلك إذا استمر الشخص في تناول القهوة باستمرار في النصف الثاني من اليوم، سيحدث خلل في ساعته البيولوجية وتقل جودة النوم لديه"، وقد ذكر الباحثون القائمون على هذا العمل ذلك مرات عدة.
في الإطار نفسه، صرحت اختصاصية الجهاز الهضمي، إيكاترينا كاشوخ، المتخصصة بمعمل (جيماتيست): أن الحصول على نوم جيد هو واحد من أهم الشروط للصحة الجيدة واستمرارية الحياة.
زيادة على ذلك، وفقًا لما ذكرته، فإن أولئك الذين يتناولون القهوة على مدار اليوم كثيرًا، بوجه عام لديهم نمط حياة أقل صحية. ربما لديهم عمل حساس يستلزم تركيزًا مستمرًا، أو أنهم يحاولون باستمرار ألا يستغرقوا في النوم، ويتغلبون على كسل اليوم عن طريق الكافيين.
"تتحقق الفوائد الصحية الرئيسة للقهوة بسبب التأثير المضاد للالتهابات للمواد النشطة بيولوجيًا الموجودة فيها"، يضيف، بدوره، اخصتاصي التغذية، عضو مركز الخبرة الصناعية، جوليا تشيرنوبروفكينا: "تحتوي بعض السيتوكينات المؤيدة للالتهابات وعلامات الالتهاب في الدم أيضًا على أنماط يومية داخلية - يكون تركيزها أعلى في الصباح، ثم ينخفض تدريجيًا".
لذلك، وفقًا لما تعتقده، فإن أفضل توقيت لتناول القهوة هو صباحًا، لكن هذا لا يعني أن شرب القهوة في ساعات أخرى ضار بالضرورة.
شارت كاشوخ: "تستند الدراسة نفسها إلى إحصائيات من قواعد البيانات التي تحتوي معلومات عما يأكله الناس ويشربونه ويعانون منه، ولكن لا توجد صورة شاملة لأسلوب حياتهم. لذلك، يجب ألا تخيف نفسك بالبيانات المستقاة من هذا المنشور".
الجرعة الآمنة لتناول القهوة
الجرعة الآمنة الموصى بها من الكافيين لمعظم الناس تصل إلى 400 مجم في اليوم، وهو ما يعادل حوالي ثلاثة إلى أربعة أكواب من القهوة. تنصح تشيرنوبروفكينا: "ومع ذلك، من المهم مراعاة الحساسية الفردية للجسم وتجنب تجاوز هذا المعيار، خاصة إذا لاحظت ردود فعل مثل زيادة القلق أو الخفقان."
توجد قيود طبية أخرى، على سبيل المثال تحفز القهوة الإسهال، لذلك يجب على الأشخاص المصابين بأمراض معوية أخذ ذلك في الاعتبار، كما تقول كاشوخ: فضلًا على ذلك، يمكن لعدد من المواد الموجودة في القهوة أن تهيج الغشاء المخاطي للمريء والمعدة، وتثير حرقة المعدة، ما يجعلها غير مرغوب فيها للالتهاب في الجهاز الهضمي العلوي.
تلاحظ ناتاليا روداكوفا، مرشحة العلوم البيولوجية: "إذا كان للكافيين تأثير محفز بجرعات منخفضة، فمن المرجح أن يعمل الجسم بجهد أكبر بتركيزات أعلى، ما قد يؤدي لاحقًا إلى الاكتئاب والإرهاق وإصابات التعب." وأظهرت دراسة حديثة أن الكافيين "يمنع" استعادة المادة الرمادية إذا استمرت عملية عدم النوم.
على أي حال، لا يزال لدى العلماء الكثير لتعلمه حول كيفية تأثير المشروب المحبوب على البشر، ومع ذلك فمن الواضح فعلًا أن القهوة نفسها ليست ضارة، ولكن في استخدامها بطرية آمنة. في الجرعات الصغيرة، من المرجح أن تكون مفيدة، لا سيما في الصباح.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.