متى بدأ اكتشاف التخدير؟ وما أهم أنواعه؟

ثوانٍ معدودة لا أكثر، تُغمض فيها عينيك ثم تفتحهما لتجد أن عملية جراحية ما تمت في جسدك، وتشعر فقط بأن أطرافك متجمدة لا تقوى على الحراك، في حين يعود وعيك ببطء. في هذه الثواني المعدودة تكون قد تخلَّصت من عضو طالما أثار متاعبك، أو أصلح الأطباء عطبًا ما في جسدك، أو ربما ولدتِ جنينًا إن كنتِ امرأة.

تغيير جذري حدث لحياتك خلال تلك الثواني المعدودة التي تناثرت فيها أشلاؤك وفقدت بعض دمك، لكنك لم تشعر بكل هذا الألم لحسن الحظ بسبب التخدير.

ما التخدير؟

هو إجراء طبي يتم قبل العمليات الجراحية في الغالب؛ بهدف فقدان المريض بعض حواسه، وعلى رأسها حاسة الشعور بالألم، وذلك باستخدام أدوية معينة، وتكون عملية التخدير مدة محددة من قبل الطبيب.

كيف بدأ التخدير؟

قديمًا لم يكن التخدير أو استعمال البنج بهذا التطور، بل كانت توجد وسائل قديمة وغريبة للتخدير، منها:

  • استخدام أعشاب معينة بغرض ذهاب العقل مثل خشخاش القنب أو الحشيش المعروف حاليًا بوصفه مخدرًا.
  • التنويم المغناطيسي، فيوحي الطبيب للمريض بأن آلامه اختفت، ويظل على هذه الحال حتى انتهاء الجراحة، بفصل العقل الواعي عن اللاواعي وكأنه في حالة نوم.
  • استخدام مطرقة ثقيلة على الرأس؛ فيفقد المريض وعيه مدة تساعد في إجراء العملية الجراحية، بلا شك الضرب بالمطرقة يجب ألا يكون قويًّا لدرجة أن يموت المريض، وحينئذ لن يحتاج عملية جراحية من الأساس.
  • وضع ثلج بكميات كبيرة على الجزء المصاب حتى يفقد المريض الإحساس بالعضو بسبب شدة البرودة.

وسائل التخدير القديمة

اكتشاف التخدير

كانت حضارة بلاد الرافدين أول من اشتهر بالصيدلة وتحضير الأدوية، وفي عام 2000 قبل الميلاد سجلوا محاولات لاستخراج أدوية مخدرة من بعض النباتات وأهمها الخشخاش.

ثم جاء الطب الصيني واستخدم الأفيون عن طريق الإبر في بعض الجراحات البسيطة، ثم تطور استخدام الإبر الصينية لتستخدم في إغلاق مسارات الألم المارة في الحبل الشوكي، فتمنع وصولها إلى الجهاز العصبي المركزي؛ ومن ثم يفقد المريض حاسة الشعور، وهي طريقة مباشرة بالعمل على مركز الألم نفسه في الجهاز العصبي وليس العضو المصاب.

الطب الصيني في التخدير

إلى أن أتى المسلمون وعملوا على خلط نباتات معينة مع بعضها مثل القنب الهندي والأفيون وست الحسن وغيرها، وتُستخدم تلك الخلطة بالاستنشاق، وتعرف باسم الأسفنجة المنومة، وأول من استخدمها في التخدير كان العالم المعروف ابن سينا.

وعمل العالم المسلم أبو بكر محمد بن زكريا الرازي بعده على استخدام نبات البنج، وهو نبات سام ينمو في دول البحر الأبيض المتوسط وبعض مناطق أوروبا وآسيا، وتُستخدم أوراقه الخضراء الزاهية في طب الأعشاب للمساعدة في النوم لكن بجرعات بسيطة، وأمكن استخدامه أيضًا في بعض العلاجات الطبية مثل ألم الأسنان والمفاصل وغيرها نظرًا لقدرته على تسكين الألم وتهدئته.

الرازي واستخدام البنج

حتى جاء الطبيب الأمريكي وليام مورتون، وهو طبيب أسنان، وبسبب عمليات خلع الأسنان وتركيب الأسنان الاصطناعية كان مورتون يلاحظ أن المرضى يعانون آلامًا كبيرة، ومن ثم فكَّر في استخدام مسكنات الألم المعروفة مثل الأفيون والتنويم المغناطيسي، لكن لم يعطه أيهما النتيجة المرجوة.

حتى علم مورتون في إحدى المحاضرات الطبية عام 1844 أن استنشاق غاز الأثير قد يسبب فقدان الوعي، فأُعجب مورتون بالفكرة، وجرَّب فعلًا استخدام هذا الغاز على بعض مرضاه في خلع الأسنان، وكانت النتيجة جيدة، ثم كانت تجربته الأولى عام 1846 باستخدام الأثير في عملية جراحية لمريض بحاجة إلى إزالة ورم في الرقبة.

استخدام غاز الأثير للتخدير

تم إجراء التجربة أمام طلاب كلية الطب بجامعة هارفارد، وكانت النتيجة مبهرة، ولم يشعر المريض بأي ألم، وحينئذ كانت بداية استخدام الأثير مخدرًا في العمليات الجراحية.

أنواع التخدير

للتخدير نوعان يحدد الطبيب أي نوع يصلح للمريض، وهما:

التخدير العام

أو البنج الكلي، وفيه يُعطى المريض مواد معينة عن طريق الاستنشاق عبر قناع أو حقنة وريدية بهدف فقدان كل حواسه، مع الحرص على المحافظة على أداء القلب والدورة الدموية والجهاز التنفسي في حالة جيدة؛ لذا فهو غيبوبة مؤقتة يغيب فيها المريض عن الوعي ربما لثوانٍ تكون في الواقع بضع ساعات.

التخدير العام

في التخدير العام تُستخدم مجموعة أدوية هدفها تسكين الألم ومنع شلل العضلات أو حركتها في أثناء العملية، وكذلك العضلات المسئولة عن التنفس والشهيق والزفير؛ لذا يضع طبيب التخدير جهاز تنفس صناعي على رئة المريض في التخدير العام.

مراحل التخدير العام

تتم عملية التخدير العام أو الكامل على 3 مراحل:

  • مرحلة البدء: وهي ما بين تناول المريض المادة المخدرة إلى فقدانه الوعي، ومن مرحلة تسكين الألم إلى فقدان الشعور كليًّا.
  • مرحلة الإثارة: وفي هذه المرحلة قد يهذي المريض بكلمات غير مفهومة أو يرى أحلامًا لا يذكرها؛ لأن التنفس وضربات القلب لا تزال غير منتظمة.
  • مرحلة التخدير الجراحي: حيث تتوقف حركة العينين وترتخي العضلات ويصبح المريض مستعدًّا لإجراء الجراحة.

التخدير الجراحي

وفيه يحدث استرخاء للعضلات وثبات عملية التنفس وانتظام ضربات القلب، ويكون جسد المريض على أتم استعداد لإجراء العملية الجراحية.

في هذا النوع تكون عملية الإفاقة بطريقة معينة تدريجية من قبل طبيب التخدير؛ حتى لا يتسبب أي خطأ في ضياع وعي المريض وفقدانه في غيبوبة غير معروفة.

التخدير الموضعي

أو البنج الموضعي، وهو تخدير منطقة معينة من الجسم بغرض إجراء جراحة بسيطة فيها مثل خلع الأسنان أو عمليات التجميل، وفيها يكون المريض واعيًا بكل ما يحدث، لكن حاسة الشعور لديه في هذا العضو بالذات غائبة، فهو يشعر بأطرافه كلها، بل ويمكنه التحدث أحيانًا لكنه لا يشعر على الإطلاق بالعضو المصاب في أثناء عمل الطبيب فيه.

التخدير الموضعي

هذا النوع يكون مدة قصيرة في الغالب، ويستغرق مدة معينة ثم يختفي أثر المادة المخدرة من الدم بمرور الوقت، وهو ليس خطرًا كالنوع السابق، ويمكن أن يكون المريض جالسًا أو مستلقيًا على جنبه.

ختامًا.. إننا مدينون بالشكر لكل عالم قطع شوطًا في اكتشاف التخدير حتى وصل إلى صورته الحالية، فلولاهم لما احتمل بعضنا الألم عند أي إجراء جراحي، فألم العملية نفسها دون تخدير قد يفوق ألم المرض الذي يمكن احتماله.

 

المصادر

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة