كلما ازداد التعليم وارتقى وانتشرت التكنولوجيا والحضارة، ازدادت القدرات العقلية عند الإنسان وأصبح يحسن التصرُّف والحكم الصحيح على الأشياء.
اقرأ أيضاً حروب الإنسان ضد الإنسانية
الفرق بين اليابان والعرب في حل المشاكل
اليابان ومعظم دول أمريكا الشمالية والأوروبية مثلاً، تميل إلى حل مشاكلها بالحوار وإذا استعصى شيء منها، يلجؤون لدوائر القضاء بما فيها المحامين والمستشارين والمُحكِّمين أو إلى المحاكم المختصة.
أما نحن العرب فوضعنا مختلف. كانت القبائل العربية في الجاهلية تحارب بعضها بعضًا لأسباب كثيرة، كلها لا تستحق الحرب.
وكان من الممكن جدًا حل تلك المشاكل، مثل سرقة جمل أو إلحاق الأذى به، بالتعويض المعقول مع شيء من الغرامة كعقوبة.
اقرأ أيضاً كيف كانت أثيوبيا سببا في اشتعال الحرب العالمية الثانية
الحروب الأهلية
والجدير ذكره أن بعض هذه الحروب كانت تستمر لسنوات طوال مثل حرب البسوس بين قبيلة تغلب وقبيلة بني شيبان التي استمرت أربعين سنة وسببها إلحاق الأذى بجمل.
وحرب داحس والغبراء بين بني عبس وذيبان، وهما فخدان من قبيلة غطفان.. وكان يتم في هذه الحروب قتل الصغير والكبير وحرق البيوت أو نهبها وسبي النساء مع قليل من الأسرى.
وبعد أكثر من ألف سنة، وفي الوقت الحالي، هناك حروب قبلية، أو ما يسميه الإعلام "حروبًا أهلية". وبدلاً من السيف والرمح والخيل، تستعمل البندقية والرشاش والمدفع والسيارة حتى المصفحات الحربية.
اقرأ أيضاً إيرنست هيمنجواي.. حازعلى الأنواط والنياشين ولم يدخل الخدمة العسكرية
الدول العربية في حل المشاكل
وهذا الوضع قائم في الدول العربية ذات الطبيعة البدوية والتي تكون بها الحكومات ضعيفة أو تهاب هذه القبائل وربما تجاملها.
أما في المدن العربية الكبرى عمومًا، فتكاد هذه الظاهرة أن تختفي.. في الدول العربية الأكثر تطورًا، تكون على شكل شجارات بين العائلات وأحيانًا يحدث بها القتل.
وأيضًا، مثلما كانت القبائل زمن الجاهلية تتحارب على أشياء يمكن حلها حلّاً منصفًا ومُرضيًا لطرفي النزاع، تتشاجر العائلات أو القبائل في الوقت الحاضر، على أشياء بسيطة يمكن حلها بسهولة ويسر بدلاً من الذهاب للحرب.
فيصبح الجار عدوًا لجاره الذي كان قد سهر معه في الليلة الماضية، تصديقًا لقول الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة: "وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت إن ترشد غزية أرشد ".
فيحرق سيارته ويتلف مزرعته أو المصلحة التي يعيش منها، وربما يصل الحال، وحسب المشكلة، إلى نهب البيوت وأحيانًا إلى القتل الفردي أو حتى الجماعي.
قصص مأساوية
وتحضرني قصة مأساوية.. اعتدى مراهق على شرف طفلة بعمر ثماني سنوات.
وكان ذوو الطرفين، الجاني والمجني عليها، من الفئة المتنوّرة من الناس. ومنعًا لسفك الدماء والخسارة المادية والبشرية، اتفق الطرفان أن يلجئا للقضاء القبَلي.
وجرت المحاكمة أمام ذوي الفتى الجالسين في جهة من الساحة، ويقابلهم ذوي الطفلة في الجهة الأخرى.
وحشد من الناس يقدر بالمئات، فحَكَم القاضي العشائري أو القبلي على الفتى، أمام المَلأ، بغرامة تعادل ستة ملايين دولار كندي.. يعني أسرة ذلك الفتى، لا تستطيع أن تجمع ربع ذلك المبلغ حتى لو باعوا كل ما يملكون وجلسوا أمام المساجد يتسوّلون.
رغم قسوة الحكم، فإنه أرحم من الحكم البديل وهو إجلاء ذوي الفتى وأقاربه، من الدرجتين الأولى والثانية، عن بيوتهم ومنعهم من العودة إليها ولا يحق لهم بيع تلك البيوت أو المزارع أو المصالح الأخرى التي تخصهم لمدة تمتد من خمسين إلى مائة عام.
في هذه الحالة، لا يتدخل القضاء النظامي مطلقًا، بل يصادق على ما أقرَّه القاضي القبلي. وإذا رفض ذوو الجاني ذلك ولم ينصاعوا للحكم، هي الحرب إذاً، بما يلحقها من أحزان وويلات ودموع.
وإذا كان ذوو المجني عليه ضعفاء، فإنهم إما يلجؤون إلى القضاء النظامي وإما يتحالفون مع عشيرة أو قبيلة أو حتى قبائل أخرى ليشدوا أزرهم للوصول إلى حقهم.
مع كل أسف، لا يزال وضعنا في الأغلب على ما كان عليه قبلما يزيد على ألف سنة بكثير.. فهل من أمل في التغيير؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.