متلازمة إسبرجر مصطلح كان يُستخدم لوصف اضطراب نمائي ضمن طيف التوحد، يؤثر في المهارات العاطفية والتواصلية والسلوكية، وعادةً ما تُكتشف أعراضه في مرحلة مبكرة من الحياة، مع العلم أنه قد يصيب البالغين أيضًا، ويثير تساؤلات عدة عن أعراضه وعلاجاته وتأثيره على حياة المصابين، ومنذ ملاحظات هانز إسبرجر في أربعينيات القرن الماضي، تطورت معرفتنا بهذا الاضطراب. في هذا المقال الشامل، نجيب عن أهم الأسئلة حول متلازمة إسبرجر، ونوضح أعراضها، وطرق تشخيصها، والعلاجات المتاحة، وإمكانية عيش حياة طبيعية للمصابين بها.
تعريف متلازمة إسبرجر
متلازمة إسبرجر مصطلح يُستخدم أحيانًا لوصف اضطراب نمائي يُصنف ضمن اضطراب طيف التوحد (Autism Spectrum Disorder - ASD)، وهو مجموعة من الاضطرابات العصبية النمائية المعقدة. يعاني المصابون بهذا النوع من اضطراب طيف التوحد من صعوبة في التواصل الاجتماعي مع الآخرين. عادةً ما يلتزمون بروتين محدد للغاية، ولديهم اهتمامات محدودة، ويتصرفون بأساليب متكررة مثل رفرفة أيديهم.
ويطلق الأطباء في بعض الأحيان على اضطراب إسبرجر اسم «النوع عالي الأداء أو الكفاءة» من اضطراب طيف التوحد، وهو ما يعني أن أعراضه لا تميل إلى أن تكون شديدة مثل أنواع أخرى من اضطراب طيف التوحد.
ما تاريخ متلازمة إسبرجر؟ ولماذا سُميت بهذا الاسم؟
سُمِّيت متلازمة إسبرجر نسبةً إلى هانز إسبرجر، وهو طبيبٌ في فيينا خلال عهد الحزب النازي. في أربعينيات القرن الماضي، كان إسبرجر أول من لاحظ نمط المشكلات الاجتماعية لدى بعض الأطفال الذين كانوا تحت رعايته، والتي تُعرف الآن بهذا الاضطراب، حتى صارت أفكاره بشأن هذا الاضطراب منذ ذلك الوقت، مرجعًا للخبراء والمختصين في هذا الميدان.
خلال تلك الفترة كانت السياسات النازية تقضي بقتل الأشخاص ذوي الإعاقات المحددة وتعقيم آباء هؤلاء الأطفال، لذلك يتحدث البعض عن أن إسبرجر ابتكر لغةً لوصف الأطفال في الطرف الأعلى أداءً من طيف التوحد كوسيلةٍ لإنقاذهم من هذه السياسات النازية.
أبرز أعراض متلازمة إسبرجر؟ كيف تظهر في مراحل العمر المختلفة؟
يتحدث المصابون بمتلازمة إسبرجر عادةً بنبرة صوت مسطحة أو حادة أو غير مألوفة، ويواجهون صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية وفهم المشاعر، وتميل أحاديثهم إلى التركيز على أنفسهم أو التركيز على موضوع محدد، تدور حوله معظم أحاديثهم، وهو ما يجعل الأقران يبتعدون عنهم، لتمركزهم حول ذواتهم، وعدم تبادل الاهتمامات المشتركة مع الأقران، فكل شخص يريد من الآخر أن يستمع له كما يحب هو أن يسمعه.
تبدأ أعراض إسبرجر في مرحلة مبكرة من الحياة، بين سن الخامسة والتاسعة، مع أن بعض الأشخاص يكونون بالغين قبل تشخيص حالتهم. اللافت في الأمر أنه لا يتشابه شخصان في الأعراض، ولكنها عادةً ما ترتبط بالمهارات العاطفية والتواصلية والسلوكية.
أعراض متلازمة إسبرجر لدى الأطفال.. علامات مبكرة تستدعي الانتباه
قد يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب مما يلي:
- صعوبة في التواصل البصري: تجنب النظر في العينين.
- الشعور بالحرج والتصرف على نحو غريب في المواقف الاجتماعية: عدم فهم قواعد السلوك الاجتماعي غير المعلنة.
- صعوبة في الاستجابة للأشخاص في أثناء الحديث: قد يبدو غير مهتم أو لا يفهم متى يجب أن يرد.
- عدم القدرة على فهم الإشارات الاجتماعية: التي يراها الآخرون واضحة مثل الإيماءات أو التعبيرات الدقيقة.
- صعوبة في قراءة لغة الجسد: عدم فهم ما يعنيه ضم الذراعين أو التوتر في الملامح.
- عدم فهم معاني تعبيرات الوجه: صعوبة في معرفة ما إذا كان شخص ما سعيدًا أو حزينًا أو غاضبًا.
- إظهار قليل من المشاعر: قد يبدو غير مبالٍ أو لا يظهر ردود فعل عاطفية متوقعة.
- التحدث بنبرة مسطحة وآليَّة: دون تغيير في النبرة للتعبير عن المشاعر أو التأكيد.
- التحدث كثيرًا عن موضوع واحد: مثل الصخور أو إحصائيات كرة القدم، واهتمام مكثف قد يستحوذ على معظم المحادثات.
- تكرار الكلمات أو العبارات أو الحركات: مثل ترديد عبارات سمعها أو القيام بحركات نمطية.
- يكره التغيير ويفضِّل الروتين: ويظهر انزعاجًا شديدًا عند حدوث أي تغيير في الجدول المعتاد.
- الحفاظ على الجدول نفسه والعادات نفسها: مثل تناول الوجبات نفسها صلابة في السلوك والروتين.
أعراض متلازمة إسبرجر لدى البالغين
تحديات مستمرة وأكثر شيوعًا لا توجد أعراض خاصة بالبالغين، على الرغم من أن بعضها أكثر شيوعًا، وقد تكون أكثر وضوحًا بسبب التوقعات الاجتماعية الأكبر، بما في ذلك:
- ضعف المهارات اللفظية في بعض الحالات: قد يجدون صعوبة في اختيار الكلمات المناسبة أو فهم التعبيرات المجازية.
- الهوس بموضوع ما: قد يستمر الاهتمام المكثف في مرحلة البلوغ ويؤثر في العلاقات والعمل.
- الصعوبات الاجتماعية: قد يجدون صعوبة في تكوين صداقات والحفاظ عليها وفهم ديناميكيات العلاقات.
- فرط الحساسية للحواس: مثل الضوء أو الصوت أو اللمس، ما قد يسبب إزعاجًا أو قلقًا.
كيفية تشخيص متلازمة إسبرجر؟
الخطوات والمتخصصون إذا لاحظت علامات متلازمة إسبرجر لدى طفلك، فاستشر طبيب الأطفال، عندها يمكنه إحالتك إلى خبير في الصحة النفسية متخصص في اضطراب طيف التوحد لإجراء تقييم شامل. من المرجح أن يطرح الطبيب أسئلة حول سلوك طفلك، بما في ذلك:
- ما الأعراض التي يعاني منها، ومتى لاحظتها أول مرة؟
- متى تعلَّم طفلك الكلام أول مرة، وكيف يتواصل؟
- هل يركز على أي موضوعات أو أنشطة؟
- هل لديه أصدقاء، وكيف يتفاعل مع الآخرين؟ بعد ذلك، سيراقب طفلك في مواقف مختلفة لمعرفة كيفية تواصله وسلوكه لتقييم مهاراته الاجتماعية والتواصلية. لا يوجد اختبار لتشخيص هذه الحالة لدى البالغين، ولا حتى معايير تشخيصية لمتلازمة إسبرجر لدى البالغين، ويعود ذلك جزئيًا إلى أنها عادةً ما تُكتشف في سن مبكرة. ولكن إذا كنت تعتقد أنك قد تكون مصابًا بمتلازمة إسبرجر، فتحدَّث إلى طبيبك، فيمكنه أيضًا إحالتك إلى الأطباء المناسبين أو المختصين لتقييم الأعراض والتاريخ النمائي.
الأطباء المختصون في تشخيص وعلاج متلازمة إسبرجر
- الأطباء النفسيون (Psychiatrists): يشخصون ويعالجون مشكلات العواطف والسلوك؛ نظرًا لأنهم يتمتعون بخبرة في علاج اضطرابات الصحة النفسية، ويمكنهم وصف الأدوية اللازمة لعلاجها الأعراض المصاحبة مثل القلق والاكتئاب.
- أطباء الأعصاب (Neurologists): يعالجون حالات الدماغ، وقد يكون لهم دور في التشخيص لاستبعاد حالات أخرى.
- أطباء الأطفال النمائيون (Developmental Pediatricians): يتخصصون في مشكلات النطق واللغة، ومشكلات النمو الأخرى لدى الأطفال، وهم غالبًا ما يكونون جزءًا أساسيًا من فريق التشخيص للأطفال. مع الأخذ في الاعتبار أنه غالبًا ما تُعالج هذه الحالة بنهج جماعي (Multidisciplinary Approach). وهذا يعني أنك قد تراجع أنت أو طفلك أكثر من طبيب واحد لرعاية اضطراب طيف التوحد، بالإضافة إلى معالجين متخصصين في النطق واللغة والمهارات الاجتماعية والعلاج السلوكي.
هل يمكن للمصابين بمتلازمة إسبرجر عيش حياة طبيعية؟
نظرة على إمكانيات التعافي مع العلاجات المناسبة سواء كانت دوائية أو سلوكية، يمكن للمصابين بمتلازمة إسبرجر تعلُّم كيفية التحكم في بعض التحديات والمواقف الاجتماعية والتواصلية التي يواجهونها وتطوير استراتيجيات للتكيف، ويمكنهم أيضًا التفوق في الدراسة والعمل والنجاح في الحياة على نحو طبيعي أقرب للأشخاص الطبيعيين، مع الاستفادة من نقاط قوتهم واهتماماتهم الخاصة.
الأسباب المحتملة لمتلازمة إسبرجر
دور الجينات والدماغ حتى هذه اللحظة، لا يعرف الباحثون والمختصون أسباب الإصابة بمتلازمة إسبرجر معرفة قاطعة، لكنهم يعتقدون أنها قد تكون مرتبطة بالجينات وتشوهات الدماغ لا سيما في مناطق مسؤولة عن التواصل الاجتماعي والسلوك، والمؤكد هو أن متلازمة إسبرجر ليست نتيجة أساليب التربية أو التنشئة الخاطئة كما يعتقد البعض وهو مفهوم خاطئ يجب تصحيحه.
هل متلازمة إسبرجر هي نفسها التوحد؟ التطور في التصنيف الطبي
الأطباء في السابق كانوا يعدون إسبرجر والتوحد حالتين منفصلتين، لكن طبعة عام 2013 من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, 5th Edition - DSM-5)، وهو المرجع الذي يعتمده خبراء الصحة العقلية، غيَّرت كيفية تصنيف هذه الحالة.
اليوم، لم تعد متلازمة إسبرجر تشخيصًا قائمًا بذاته، بل هي جزء من الفئة الأوسع لاضطراب طيف التوحد (ASD). تشترك هذه المجموعة من الاضطرابات المترابطة في بعض الأعراض ، لاسيما في مجالات التواصل الاجتماعي والسلوكيات المتكررة، ومع ذلك، لا يزال كثيرون يستخدمون مصطلح إسبرجر لتحديد الأفراد في الطرف الأعلى أداءً من الطيف.
اضطراب التواصل البراغماتي الاجتماعي تشخيص متداخل مع إسبرجر
يتضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) أيضًا تشخيصًا آخر، يُسمى اضطراب التواصل البراغماتي الاجتماعي (Social (Pragmatic) Communication Disorder - SCD) الذي تتداخل بعض أعراضه مع إسبرجر، لا سيما في صعوبات التواصل الاجتماعي، ويستخدمه الأطباء لوصف الأشخاص الذين يعانون صعوبات في التواصل اجتماعيًا وأكاديميًا وفي العمل، ولكنهم عادةً ما يكونون طبيعيين معرفيًا، ولا يظهرون السلوكيات المتكررة والاهتمامات المحدودة التي تميز اضطراب طيف التوحد.
هل توجد علاجات لمتلازمة إسبرجر؟
يختلف كل شخص عن الآخر، لذلك لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع. قد يحتاج الطبيب المعالج تجربة بعض العلاجات لإيجاد العلاج المناسب. وعلى أية حال يعالج الأطباء متلازمة إسبرجر بأنواع مختلفة من العلاج.7 وتشمل العلاجات ما يلي:
تدريب المهارات الاجتماعية
التدريب على المهارات الاجتماعية أحد الأساليب التي يلجأ إليها المعالجون سواء في جلسات جماعية أو فردية، فيتم تدريب الطفل على كيفية التفاعل مع الآخرين والتعبير عن أنفسهم بأساليب أكثر ملاءمة، وذلك من خلال محاكاة السلوكيات النمطية.
علاج النطق واللغة
يُحسِّن هذا العلاج مهارات التواصل لدى الأطفال المصابين بهذه المتلازمة. على سبيل المثال، ستتعلم أنت أو طفلك كيفية استخدام نبرة صوت طبيعية عند التحدث بدلًا من نبرة صوت ثابتة، ويُساعدك هذا العلاج أيضًا في تعلم الحفاظ على محادثة ثنائية الاتجاه وفهم الإشارات الاجتماعية مثل إيماءات اليد والتواصل البصري.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يُساعد هذا النوع من العلاجات في تغيير أنماط التفكير؛ ما يُمكِّنك أنت أو طفلك من التحكم على نحو أفضل في المشاعر والسلوكيات المتكررة. وتُساعدك هذه الطريقة أنت أو طفلك في التحكم في أمور مثل نوبات الغضب والانهيارات العصبية والهواجس.
تحليل السلوك التطبيقي
تُشجِّع هذه التقنية على المهارات الاجتماعية والتواصلية الإيجابية، وتُثبط السلوكيات غير المُجدية. في هذه التقنية سوف يستخدم المعالج الثناء أو المدح أو غيره من «التعزيزات الإيجابية» لتشجيع الطفل على تحقيق نتائج أفضل.
الأدوية
لا توجد أدوية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج متلازمة إسبرجر أو اضطرابات طيف التوحد تحديدًا. مع ذلك، يمكن لبعض الأدوية أن تساعد في علاج الأعراض المرتبطة بها، مثل الاكتئاب والقلق.
تثقيف وتدريب الوالدين
مما لا يغيب عنا، أهمية التثقيف والإرشاد الأسري للوالدين وتدريبهم على الأساليب التي يتعلمها الطفل بما يُسهم في تنمية مهاراته الاجتماعية في المنزل.
على الرغم من التحديات التي قد تصاحب متلازمة إسبرجر؛ فإن الفهم الصحيح للأعراض والتشخيص الدقيق والحصول على العلاجات المناسبة يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في حياة المصابين. مع الدعم والتفهم، يستطيع الأفراد ذوو متلازمة إسبرجر تطوير مهاراتهم والاندماج في المجتمع وعيش حياة مُنتجة وذات معنى. شارك هذا المقال لزيادة الوعي بمتلازمة إسبرجر ودعم المصابين بها وأسرهم.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، حول أبرز التساؤلات بشأن متلازمة إسبرجر، لنفرد لها مقالًا خاصًا للرد عليها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.