تتمثل الدائرة المفرغة للتخلف في المجتمع في الفقر والجهل والمرض، وهي متاهة إذا دخل فيها المجتمع لا يستطيع الخروج منها.
هكذا علَّموني ودرَّسوا لي ورسَّخوا الفكرة بداخلي بمراحلي الجامعية؛ فالفقر يؤدي إلى الجهل، والجهل يؤدي إلى المرض، والمرض يعود بنا إلى الفقر، وهكذا ندور في حلقة مفرغة ومتاهة كبيرة، وهذه المتاهة الديناميكية تُدار بمهارة.
اقرأ أيضًا أهمية العمل وصناعة المال في تحقيق نهضة المجتمعات
هل يمكن الخروج منها؟
إن رأس المثلث والآفة الكبرى هو الفقر الذي يمكن إن تغلبنا عليه أن يكون ذلك قاطرة النجاة. والفقر كأي آفة أو مرض له أعراض وأسباب ونتائج، وهو الأكثر ضررًا من الجهل والمرض، وأعراضه ونتائجه تتمثل في الجهل والمرض وغيرهما من الآفات، وعلى سبيل المثال لا الحصر زيادة معدل الجريمة، وانعدام الأمن المجتمعي.
أما أسباب الفقر فكثيرة، منها ما يتعلق بالثروة والحفاظ عليها وتنميتها، كما أوضحنا بمقال سابق لمتخذ "القرار المكين" أنه يهدف للحماية والنمو. وتوجد دراسات وتقارير لمعالجة الفقر كلها تتعلق بالاستغلال الأمثل للموارد، وزيادة الإنتاجية، وخفض معدلات البطالة، والصناعة، ودوران رأس المال، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية.
وإن كنت متفقًا معهم معترفًا بأهمية وضرورة هذه الإجراءات، لكنني أتحفظ؛ لأن الفساد يهدم كل ما سبق، وندور ونعود من حيث بدأنا، ونجد أن المجتمع أخذ بكل هذه الإجراءات النمطية ولم تتحسن معدلات الفقر أو ما زالت بطيئة التحسن، على الرغم من أن لدينا كل مقومات النجاح والتغلب على الفقر وبذلك نستطيع الخروج من هذه الدائرة المفرغة.
لذا نناقش دور الفساد في تدعيم الفقر، وتعظيم دوره في دائرة التخلف؛ لأنه أحد وأهم أسباب الفقر؛ لتظهر أمامنا معالم الطريق، وتتضح الصورة الكاملة.
اقرأ أيضًا الفساد المالي والإداري داخل المؤسسات وكيفية مواجهته
الفساد
الفساد يعني خروج الشيء عن وظيفته التي خُلق من أجلها. فمثلًا فساد الثمار هو عطب الثمرة، أي إنها أصبحت غير مفيدة، بل ضارة، وخرجت عما وُجدت من أجله، وبذلك أصبحت هي والعدم سواء، بل إن انعدامها أفضل.
وبذلك يؤدي الفساد لتدمير المجتمع، وانهيار الاقتصاد بكامله.
واعلم جيدًا أن الفساد هو مرض معدٍ كالفيروس، ينتشر بصورة كبيرة، مثل ثمرة فاسدة في عبوة، فإنها تفسد جميع الثمار في العبوة.
والفساد مثل خطوات الشيطان كالتالي:
(1) الاسم: يختلف الاسم ويظهر بصورة جميلة، مثل إكرامية، هدية، شاي، تصوير، إفطار، وغير ذلك من الأسماء التي تلبِّس على العامة وضعيفي الثقافة.
(2) المبرر: ويظهر لهذا مبررات كثيرة، منها أن المرتبات ضعيفة، على قدر فلوسهم، الحياة صعبة، فهلوة، أنا أقدم له خدمة... وغيرها.
(3) الضرورة: ينظر الفاسد دائمًا لمن فوقه أو في مستوى أعلى وفاسد كذلك، فيقول لك إن المدير الفلاني كذلك، وله وجه جميل ومنظر مهيب، مثل قارون عندما خرج في زينته على قومه.
(4) الأبواق: قلة من الأفلام والمسلسلات والبرامج وما تحتويه من مادة إعلامية تبرر ما يقوم به الفاسد والمرتشي والسارق، وتعطيه مبررات وغير ذلك، أدى لعدم اعتبار الفساد كبيرة، بل من الأمور الحياتية الضرورية أحيانًا.
(5) التباهي والتفاخر: يتباهى البعض بالفساد والسرقة، ويعدهما فهلوة وجدعنة وذكاء، وغيرها.
اقرأ أيضًا آفة الفساد في العالم
نتحدث لاحقًا عن أقسام الفساد، والعولمة، والشركات العابرة للقارات، ودورها في فرض الأنماط الاستهلاكية، ومنظور الإسلام للفساد والفقر، والعلاج كما نراه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.