ما هي مراحل الدعوة العباسية؟

لقد تمكن الخليفة مروان بن محمد من القضاء على حركات التمرد في أكثر من جهة وموقع في طول البلاد الإسلامية وعرضها، في بلاد الشام والعراق واليمن والحجاز.

ثم إن الظروف خدمت عامل الأمويين على خراسان، وبدأ يستعيد سيطرته على الإقليم لولا ظهور أبي مسلم الخراساني داعيًا للعباسيين، مستغلًا إنهاك القوى العربية المتصارعة بين قيس ويمن، في أثناء الصراع الدائر بين نصر بن سيار والكرماني. 

  المعروف أن الدعوة العباسية هي دعوة شيعية في الأصل، وأن الدعوة الشيعية قامت باسم آل البيت، ونادت بأن العلويين هم الورثة الطبيعيون لخلافة النبي (ص)، وقد لاقت تلك الدعوة تأييدًا كبيرًا في بلاد خراسان لأسباب وظروف موضوعية عدة منها:

اقرأ ايضاً كم عدد خلفاء الدولة العباسية؟ ومن هم؟

خطوات الدعوة العباسية

1- تهجير أعداد كبيرة من شيعة العلويين من العراق في العهد الأموي.

2- بدأت الولايات الإيرانية بالخروج على سلطان الخلافة في بلاد الشام منذ عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، ما هيأ لظهور حركة مناهضة للأمويين. 

3- لقد أخذت النزعة القومية الإيرانية تقوى تحت قناع الشيعة، وزادت نقمة المسلمين غير العرب لا سيما الفرس منهم على العرب لإحساسهم بالتمييز ضدهم، وعدم مساواتهم بالمسلمين من العرب. 

4- الخصومة المستمرة بين قبائل الأزد (يمانية) ومضر (قيسية).

5- وقوع خراسان في أقصى الإمبراطورية الإسلامية، بعيدة عن مركز الحكم والخلافة، ما سمح باتخاذها مركزًا لنشاطات أبي مسلم في دعوته للعباسيين من دون معارضة تذكر.

6- لقد كانت غاية أهل خراسان الأولى هي التخلص من ظلم الأمويون، ولا يهمهم أكان الإمام عباسيًّا أم علويًّا، وقد ظهر ذلك من تأييدهم للعباسيين عندما استأثروا بالسلطة، وقد كان في خراسان أناس أسلموا رغبة في الإسلام، وهو حاقدون على الأمويين لإهمال الأخيرين مبادئ الإسلام.

وأناس أسلموا طمعًا في الامتيازات، وقد خاب ظنهم بالمساواة مع الأمويين، وأناس حافظوا على دينهم الأصلي، وهم أيضًا ينتظرون الفرصة كذلك لإنقاذ دينهم.

   منذ مطلع القرن 2هـ/8م كان دعاة الشيعة يظهرون في خراسان بين الحين والآخر بانتظام، حَسَبَ أوامر كانت تأتيهم من الكوفة -المركز الأول للفكر الشيعي-، وذلك من دون أن يعرفوا لحساب من يعملون، ويذكر الطبري بأن الدعوة العباسية الشيعية بدأت في خراسان منذ أيام خلافة عمر بن عبد العزيز في سنة 100هـ/719م. 

اقرأ أيضاً خلفاء الدولة العباسية.. وما سبب سقوطها؟

ماذا اعلنوا العباسيون؟

   ولما رأى العباسيون أن الاستياء من حكم بني أمية قد أخذ يزداد ويعم، انتهزوا الفرصة فأعلنوا أنهم حماة الدين القويم، وتزعموا صفوف الخارجين على سلطة الأمويين.

واختاروا لحركتهم مركزًا قرية صغيرة تقع إلى الجنوب من البحر الميت تدعى (الحميمة)، إذ أعدوا فيها العدة لدعوتهم. وقد تمكن العباسيون من احتواء العلويين بالقول أن دعوتهم ترمي إلى الدفاع عن حقوق بني هاشم المغصوبة.

   وتنقل المصادر التاريخية أن مطالبة العباسيين بالخلافة وادعائهم لها قد انتقل إليهم من أبي هاشم (عبد الله بن الحنفية) أحد ذرية علي (رض). أما الرواية الشيعية فتقول: إن أبا هاشم كان قد أوصى إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وهو الذي نادى به الشيعة في الكوفة إمامًا في عهد مروان بن محمد.

لكن عبد الله بن معاوية -كما سبق شرحه- انهزم أمام الأمويين إلى فارس واستقر في إصطخر، ثم هرب إلى هراة، ثم انتهى أمره بمقتله على يد أبي مسلم الخراساني.

   يعد محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أول منظم للدعوة العباسية السرية، وقد التقى رؤساء دعاة بني هاشم في سنة 125هـ/ 743م وهم سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، وقحطبة بن شبيب، ومعهم أبو مسلم الخراساني. فأخبرهم أنه يسند الأمر من بعده إلى ابنه إبراهيم، فإن قُتل فيسند الأمر إلى عبد الله، وعين أبا مسلم قائمًا على الدعوة في خراسان، وأمَّره عليهم.

   بعد وفاة محمد بن علي  تسلم الأمر ابنه إبراهيم الإمام -حَسَبَ وصية والده- في سنة 126هـ/744م. فكان المفجِّر للدعوة إذ نقلها من السرية إلى العلنية. وكان الأتباع الأوائل للدعوة العباسية ينتمون إلى قبائل يمانية، وقد قرر الإمام نقل مركز نشاط الدعوة إلى خراسان.

مع الاحتفاظ بالكوفة بوصفها نقطة ارتباط بين مرو (خراسان) والحميمة -مقر الإمام-. وينسب إلى إبراهيم الإمام أنه اتخذ السواد شعارًا للعباسيين مقابل الراية البيضاء شعار الأمويين. يذكر أن راية الرسول (ص) كانت سوداء، وكذلك راية علي بن أبي طالب (رض)، وبذلك سميت الدولة العباسية دولة المسودة. 

   قرر إبراهيم الإمام في سنة 128هـ/746 اختيار أبي مسلم الخراساني ليمثله في خراسان، وأوصاه بالاعتماد على قبائل العرب من اليمانية، وقد حدد أبو مسلم مرو مكانًا لانطلاق الدعوة العباسية، كما حدد شهر رمضان سنة 129هـ/747م موعدًا لها. 

   وقد نجح أبو مسلم الخراساني على الرغم من حداثة سنه في استقطاب عدد من المؤيدين والأنصار للدعوة، إذ انضم إليه علي بن جديع الكرماني، انتقامًا لوالده من نصر بن سيار، مع العلم أن أبا مسلم لا يتورع عن التخلص ممن يعترض طريقه، ولكن في الوقت المناسب، وكذلك فعل مع ابني جديع الكرماني، إذ قتلا على يد أبي مسلم في سنة 130هـ/748م.

وباتفاق الشيعة وأهل خراسان والعباسيين أصبحت الظروف مواتية لاندلاع الثورة التي تزعمها العباسيون بقيادة أبي مسلم الخراساني، وقد تم ذلك في شهر رمضان سنة 129/ 747م كما كان مخططًا لها.

   لقد كانت الدعوة التي تزعمها أبو مسلم منذ البداية حتى ذلك التاريخ هي إلى (الرضا من آل محمد)، ولم يكن أبو مسلم قد كشف بعد عن أنه يعني بآل محمد أبناء العباس، لا أبناء علي بن أبي طالب، وكلاهما من أعمام النبي (ص). ولكن الناس كانوا يعتقدون أن الأمر سيؤول إلى أحد أبناء علي بن أبي طالب، وقد كان العباسيون أنفسهم يوهمون بني طالب بذلك.

وحينئذ تبرز قدرة العباسيين على استثمار الشعور والمواقف العامة لمصلحتهم، التي تتمثل في التخلص من الحكم الأموي بأية طريقة، مفيدين في ذلك من النزاعات القائمة بين القبائل العربية (قيس ويمن). ومن الناحية الأخرى استثمارهم لمواقف الشيعة من العلويين الذين وقفوا إلى جانبهم من دون خطة مدروسة أو بيان واضح لحقيقة ما يجري. 

اقرأ أيضاً دروس وعبر من أصحاب البريد والخبر في الدولة العباسية

ماذا فعل حزب ابي مسلم بعد الاستيلاء علي مرو؟

   وبفضل كل هذا التدبير، وانقسام العرب على أنفسهم، وتماسك حزب أبي مسلم نجح الأخير في الاستيلاء على مرو -عاصمة إقليم خراسان- وكان دخولها بفضل انحياز اليمنية وعلى رأسهم علي بن جديع الكرماني. 

   ثم عين أبو مسلم قحطبة بن صالح، وهو من قبيلة طيء العربية على رأس قوة عسكرية تطارد قوات الأمويين في الإقليم. وعبثًا حاول نصر بن سيار الاستنجاد بالخليفة مروان بن محمد.

لكن الخليفة لم يستطع نجدته على الرغم مما كان يتصف به مروان من شجاعة ومقدرة ونشاط لم يكن عند أسلافه المباشرين من الخلفاء. وذلك أنه كان مشغولًا بإخماد الثورات التي قامت عليه في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية.

وقد توفي نصر ابن سيار وهو يفر أمام قحطبة في ساوا بالقرب من الري -جنوبي طهران- في 12/ربيع الأول 131هـ، إذ تمكنت قوات أبي مسلم  بقيادة قحطبة من الاستيلاء على خراسان من الأمويين بلدًا بلدًا.

وقد استمر تقدم العباسيين من جهة وتراجع الأمويين باتجاه الغرب من جهة أخرى حتى بلغ قحطبة العراق، وانتصر على واليها الأموي يزيد بن عمر بن هبيرة في محرم 132هـ/آب 749م. وقد قُتل قحطبة في تلك الموقعة، وتسلم ابنه الحسن قيادة قوات العباسيين، حتى دخل الكوفة، وساعدهم في ذلك محمد بن خالد القسري الذي خرج في الكوفة على الأمويين، وكتب إلى قحطبة بذلك وأعلن ولاءه لهم.

أما إبن هبيرة فقد انسحب إلى واسط، وتحصن بها مدة 11 شهرًا، ولم يسلم نفسه وجنده إلا بعد مقتل الخليفة مروان بن محمد في نهاية سنة 132هـ/750م. 

   ولما كان إبراهيم الإمام في هذه الأثناء محبوسًا في حرَّان عند الخليفة، أعلن أبو مسلم أن الخلافة لآل العباس وأن الخليفة الأول حَسَبَ وصية محمد بن علي بن عبد الله بن العباس -والد إبراهيم الإمام- ووصية إبراهيم الإمام نفسه قبل أن يهلك في سجن مروان.

هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الذي عُرف فيما بعد بـ(السفّاح)، فبويع بالخلافة في الكوفة، وكان ذلك في ربيع الأول سنة 132هـ/تشرين أول 749م.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة