إن زيادة درجة الحرارة السطحية في العالم مع زيادة كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون، وغاز الميثان، وبعض الغازات الأخرى، يطلق عليه مصطلح (الاحتباس الحراري) كما يطلق على هذه الغازات مصطلح (الغازات الدفيئة) لأنها تساعد على تدفئة جو الأرض السطحي، حيث إن درجة حرارة الأرض حالياً هي تقريباً ضعف درجة الحرارة قبل (200 عام) كما أن النموذج البيئي الملخص في تقرير اللجنة الدولية للتغيُّرات المناخية أشار إلى أن درجة حرارة السطح العالمية سترتفع على وجه محتمل بمقدار (1.1 إلى 6.4 درجة مئوية) خلال القرن الحالي {1}.
ابتكر مصطلح الاحتباس الحراري العالم الكيميائي السويدي سفانتي أرينوس في عام 1896م، وقد أطلق آرينوس نظرية أن الوقود الحفري المحترق سيزيد من كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو وأنه سيؤدي إلى زيادة درجات حرارة الأرض ولقد استنتج بأنه في حال تضاعف تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو فإننا سنشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة بمعدل (4 إلى 5 درجات مئوية) وهذا ما يقدر بتوقعات العلماء اليوم {2}.
انقسم العلماء حول أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري فمنهم من قال بأن الظاهرة طبيعية وأن مناخ الأرض يشهد طبيعياً فترات ساخنة وأخرى باردة، مستشهداً بذلك الفترة الجليدية الَّتي مرَّت بها قارة أوروبا بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، وفريق آخر من العلماء يقول بأن الظاهرة عبارة عن تراكم للغازات الدفيئة في طبقات الغلاف الجوي للكرة الأرضية ويعزون الأسباب لذلك، إما لأسباب طبيعية كالبراكين، وحرائق الغابات، وحركة الأرض حول الشمس، وما ينتج عنها من تغيُّر في كمية الإشعاع الشمسي وعدد ساعات السطوع الشمسي، أو صناعية ناجمة عن فعل ونشاطات الإنسان المتزايدة على سطح الأرض وخاصة احتراق الوقود ( نفط -غاز -فحم... إلخ).
وقطع الأشجار والنباتات الَّتي تقوم بامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون في عملية التركيب الضوئي اللازم لنموها وطرح غاز الأوكسجين اللازم للحياة.
فعندما تسقط أشعة الشمس على سطح الأرض فإن الأرض تقوم بامتصاص جزء من هذه الأشعة وجزء منها ينعكس إلى الفضاء الخارجي حيث تقوم الغازات الدفيئة بامتصاصها، ونتيجة نشاطات الإنسان المتزايدة واللاوعي والاستهتار من قبله بظاهرة الاحتباس الحراري، أدى إلى زيادة الغازات الدفيئة لدرجة أكبر من احتياج الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة ثابتة على سطح الأرض ويؤدي إلى زيادة في درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض.
إن زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض أو ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري أدى إلى ارتفاع في منسوب مياه البحار والمحيطات (19 سم) حتَّى عام 2011م، ومن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر (24-30 سم) في عام 2065م، و(40-63 سم) عام 2100م {3}، وذلك نتيجة ذوبان الجبال الجليدية والبحيرات ومجاري الأنهار المتجمدة في كل من القطبين الشمالي والجنوبي كما تؤدي الحرارة المتزايدة إلى تغيُّر في كميات ونمط الهطولات المطرية (غزارة شديدة أو لا هطول) وتوسع الصحاري وانحسار الأنهار الجليدية والأراضي دائمة التجمد...
وفي حال استمرار ذلك وعدم اتخاذ خطوات فعالة ومعالجة هذه الظاهرة من قبل كافة دول العالم، فإن ذلك سيؤدي إلى غرق أجزاء من اليابسة بما في ذلك المنازل والأراضي والمحاصيل الزراعية وبالتالي نزوح الملايين من سكان الأرض إلى المناطق الأكثر أماناً وهذا ما يشكل خطراً على جميع الأجناس بما فيها الجنس البشري، وهذا ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في جلسة طارئة لمجلس الأمن في شباط /فبراير 2021م، حول صون السلم والأمن الدوليين حين قال "كان العقد الماضي الأكثر ارتفاعاً في درجات الحرارة في تاريخ البشرية ومستويات ثاني أوكسيد الكربون سجلت ارتفاعاً قياسياً وأصبحت حرائق الغابات والأعاصير والفيضانات هي الوضع الطبيعي الجديد، وهذه الصدمات لا تضر بالبيئة الَّتي نعتمد عليها فحسب ولكنها أيضاً تضعف أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية" {4}.
كما دعا غوتيرش وحثّ دول العالم والحكومات على العمل معاً ويداً بيد من أجل الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى (1.5 درجة مئوية) مع نهاية القرن مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية وحماية الناس والمجتمعات الَّتي تتأثر باضطراب المناخ وقال "يجفف تغيُّر المناخ الأنهار ويقلل المحاصيل الزراعية ويدمر البنية التحتية ويشرد المجتمعات ويؤدي إلى تفاقم مخاطر انعدام الاستقرار والصراع "{5}.
كما تحدثت السيدة جانين كوبر الرئيسة السابقة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في كينيا عن احتمالية حدوث النزاعات والهجرات بسبب تغيُّر المناخ، وذلك في مقابلة نشرتها مدرسة بيل لعلوم الغابات والبيئة حيث قالت "في أوقات الجفاف ينتقل السكان إلى أي مكان تتوفر فيه الموارد وهذا يؤدي إلى النزاع في كثير من الأحيان وفي سنوات القحط يحدث ذلك تقريباً، هل سنشهد ازدياداً في النزاعات المتعلقة في المياه؟ بالتأكيد لكن هناك عدد كبير من الحلول المختلفة" {6}.
إن تأثير تغيُّر المناخ على الموارد الطبيعية لأي دولة من الدول بالإضافة إلى الضغوط السياسية والديموغرافية الَّتي من الممكن أن تتعرض لها هذه الدول ستقلل من قدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها من الغذاء والمياه والطاقة وبالتالي ستكون هذه الحكومات ضعيفة وهشة وستزداد الصراعات الداخلية الَّتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار هذه الحكومات؛ لذا فيُمكن القول إن تغيُّر المناخ يشكل تحدياً خطيراً وكبيراً على استقرار البلدان من الداخل والخارج ويؤثر على شرعية الحكومات، كما يُمكن لهذه الدول أن تتسبب في ظهور التنظيمات المتطرفة في ظل غياب الاستقرار والأمن وازدياد الفقر وخاصة بالنسبة للدول النامية، وما يزيد الأمر صعوبةً هو ارتباط هذه التنظيمات بدول كبرى خارجية يُمكن أن تعمل دور المحرك والممول، مما يؤدي إلى انعدام الاستقرار، والأمن، واحتمال ظهور النزاعات بين الدول الكبرى نفسها، كما أن هذه الدول المسماة بالكبرى ليست بمنأى عن أثر التغيُّرات المناخية وخاصة تأثرها بحرائق الغابات وما تسببه من نزوح داخلي، وأيضاً نزوح إليها من قبل مواطني الدول النامية، وبشكل غير شرعي أو شرعي، نتيجة الصراعات هناك وبالتالي تحمل أعباء اجتماعية واقتصادية كبيرة.
يُمكن أن يتسبب الطقس المتطرف غير الثابت الناجم عن تغيُّر المناخ والكوارث الناتجة عنه في إلحاق الضرر بالاقتصادات وانخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني وعدم المساواة بين الفئات الاجتماعية في الدول، هذه العوامل وغيرها قد تقترن بدوافع أخرى للصراع قد تزيد من مخاطر العنف والحرب.
لقد أدَّت العواصف والفيضانات وحرائق الغابات والجفاف في أنحاء العالم إلى نزوح أكثر من (30 مليون) شخص في عام 2020م، حيث تسببت درجات الحرارة المرتفعة نتيجة حدوث فوضى مناخية وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي والَّذي يتخذ من مدينة جنيف مقراً له في إرغام أكثر من (9.8 مليون) شخص على الفرار والنزوح بسبب الحروب والصراعات والعنف، فيما أدى الطقس السيِّئ إلى ارتفاع حصيلة النزوح الداخلي الجديدة في عام 2020م إلى (40 مليون) شخص، كما أفاد التقرير بأن التقديرات تُشير إلى أن (55 مليون) شخص شردوا داخل بلدانهم في نهاية العام 2020م، وهو ما يُعدّ رقماً قياسياً إذ إنه يعادل ضعف عدد اللاجئين في العالم.{7}
لذا يُمكن القول بأنه عندما تنحبس الأمطار أو تهطل بغزارة كبيرة وتسبب فيضانات فإن ذلك يكون كارثياً وخطيراً للغاية لأنه يؤدي إلى كوارث وموجات نزوح سواءً داخلية (تشرد) أو خارجية (لاجئي المناخ)، حيث تنبأت وثيقة مشتركة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية في عام 2012م، أن الكثير من الدول الهامة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ستعاني من خلال السنوات العشر المقبلة من نقص في الماء أو من فيضانات وهذا سيرفع خطر عدم الاستقرار والدول الفاشلة، إضافةً إلى توترات إقليمية، وبعد ذلك صنفت وزارة الدفاع الأمريكية أن تغيُّر المناخ كخطر أمن قومي حيث اعترف في حزيران/يونيو عام 2016م الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أيضاً بالبعد الأمني السياسي لتغيُّر المناخ {8}.
إن الخلل في النظام البيئي والَّذي تحدثه الحروب عبر تهديد حياة الحيوان، والحشرات، وتلف المحاصيل الزراعية، وإلحاق الضرر بالتربة وتسميمها له انعكاسات ضرورية حتمية على البشرية وعلى الرغم من أن الطبيعة قادرة على مداواة نفسها بنفسها، فإنه تبقى الحاجة إلى حماية البيئة بعناصرها كافة أولوية كبرى تفادياً لكوارث طبيعية مماثلة، بناءً على ذلك فإنه على المدى البعيد قد تتضرر جميع البلدان في العالم جراء التغيُّرات في المناخ؛ لذا يجب إعطاء اهتمام خاص ومسؤول للتعامل مع الصدمات الرئيسية للأمن الغذائي الناجمة عن الصراعات والكوارث الطبيعية، والآفات، والأمراض النباتية، والحيوانية، وتأثيراتها المحتملة الناجمة عن تغيُّر الطقس، كما أن عدد الحالات الطارئة ذات الصلة بالأمن الغذائي ونطاق النزاعات والصراعات يتزايد حيث إن نسبة الحالات الطارئة الَّتي يُمكن اعتبارها ناجمة عن فعل الإنسان قد ارتفعت بشكل كبير مع مرور الزمن.
ما هو تغيُّر المناخ أو الاحتباس الحراري؟
ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.
ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.