تُعد الفئة العاطفيّة من أكثر الفئات التي يتجه لها القرَّاءُ بشغفٍ ورغبةٍ. فما رأيكَ أن تتعرف على مقوماتها وأهم العناصر التي تتميَّز بها؟
الفئة العاطفية
العاطفة هي مشاعر ذاتية نعبِّر عنها عن طريق الكتابة، ومع التعبير عنها على نحو قصصي نحصل على الروايات التي تُظِلها الفئة العاطفية.
نتيجةً لكون هذه الفئة تعبِّر عن مشاعر ذاتية فهي تظهر بواطن الشخصيات على نحو واضح. ولا ننسى أنها تتميز بالحيوية والقوة، بغض النظر عن نوعية هذه العواطف/ المشاعر (سلبية أم إيجابية) لتؤثر بذلك في مشاعر القرَّاء.
فتجد روايات هذه الفئة لها أثر كبير في نفوس القراء، ما جعلها مستمرةً وثابتةَ التأثير.
تعتمد هذه الفئة على قوة الأسلوب. فالأسلوب يُعد مدخلًا كبيرًا في إثارة العواطف، فلا يستطيع الأديب نقل أحاسيس وعواطف شخصيات روايته إلَّا بقوة أسلوبه.
وتعتمد كذلك على ترابط العواطف بعضها ببعض طوال الرواية؛ فلا ينتقل الأديب من عاطفة إلى أخرى من غير صلة بينهما.
كذلك فإن هذه العواطف تكون خصبة وغنية ومتنوعة، فحتى تتمكن من خلق شخصية تمثِّل نواحي الحياة ووصفها وصفًا دقيقًا، فأنت تحتاج إلى غزارة العاطفة وتنوعها.
وعلى عكس ما يُشاع، فلا تقتصر هذه الفئة على الحبِّ بين العاشقين، فهي ترتبط بجميع المشاعر، كحب الأبناء آباءهم، أو مشاعر الحب والاحترام بين الأخوة، وغيرها من المشاعر الأخرى، وليست حِكرًا على نوع واحد فقط.
قد تكون الروايات من الفئة العاطفية قريبةً من فئات أخرى كذلك، فقد نجد روايات عاطفيةً خيالية، أو عاطفيةً كوميدية، وغيرها.
وتحديد ما إن كانت الفئة الرئيسة في هذه الروايات هي العاطفية أم لا يعتمد على الخصائص الأكثر ظهورًا في الرواية.
اقرأ أيضًا وظيفة الأدب وأهميته في الحياة
أهم العناصر في هذه الفئة
تُعد العناصر القصصية الأساس في أيِّ عملٍ روائي، ولكل فئة من الفئات عناصر تبرز أكثر من غيرها، وهنا في هذه الفئة تبرز لدينا العناصر التالية:
الشخصيات
هي التي تُشكِّل بتفاعلها في محيطها ملامح الرواية، وتتكوَّن بها الأحداثُ؛ لذا فعلى الناقد أن يعرف ما إن كان الكاتب قد أحسن انتقاء شخوص روايته بحكمة، بما يجعل الشخصية المناسبة في المكان المناسب، ﻻ سيما وإن أحداث الروايات المندرجة تحت هذه الفئة تعتمد على تركيب الشخصيات فيها على نحو كبير.
تنتشر سمات بين الكُتاب لبطلات الروايات الرومانسية، كأن يكُنَّ جميلات أو على الأقل جذابات أو على خُلق، عازبات... إلخ.
وأما البطل يكون عازبًا، لطيفًا، ذكيًّا، مرتاحًا ماديًّا، جميلًا… إلخ. وهنا نذكر أن هذه الصورة النمطية تحتاج إلى تغيير؛ فليس على كل شخصيات هذه الفئة الرئيسة أن تحمل من الجمال والغِنى الكثير، فيمكن للبطل أن يكون فقيرًا، لديه عيبٌ خلقي، وغير ذلك.
ولا يجب أن تكون البطلة دائمًا تلك الفتاة الفقيرة، شديدة الجمال؛ إذ يمكن ألا تكون جميلة.
ولكن هذا ليس كلَّ شيء هنا؛ فلجوانب الشخصيات أثر كبير في نجاح أيِّ شخصيَّةٍ، كالجانبين النفسي والاجتماعي.
فلو كان لدينا شخصيَّة رافضة للحبِّ على نحو مطلق مثلًا، فهنا سنعلم أن لهذا علاقة بماضيها، قد تكون عادات مجتمعية معينة كوَّنت لها هذا الرفض، كاعتداء تعرَّضت له سابقًا أو غير ذلك.
وهذا ينعكس على نفسية الشخصية مباشرة، وكذلك على جانبها الخُلقي مع مرور الوقت؛ إذ إنه هو ما جعلها على ما عليه من خُلق في زمن الرواية.
غير أن الحبكة في هذا النوع من الأدب ستتأثر كثيرًا بطبيعة الشخصية، وحالتها وجوانبها المختلفة، وكلِّ ما يتعلق بها.
اقرأ أيضًا توفيق الحكيم (1898م _1987م ) بين ريادة المسرح وريادة الرواية
الوصف
لن تستطيع إيصال مشاعر شخصياتك إلى القارئ ما لم تكن قادرًا على وصفها بطريقة مميزة، قادرة على نقلها جميعها إلى القارئ وجعله يتأثر بحزنهم وفرحهم.
فيجب عدم الإطالة في الوصف، ويجب عدم الإسهاب فيه أيضًا، ويجب هنا نقل مشاعر الشخصيات ووصفها وصفًا كافيًا للتعبير عنها وتفاعل القارئ معها (فمثلًا إن تحدثنا عن فتاة تبكي ودموعها تنزل بغزارة كحبات اللؤلؤ تنزل بهدوء على وجنتيها المحمرتين من شدَّةِ بكائها، وشعرها منثورٌ حولها وصدى سقوط دموعها على الأرض الصلبة مع صوت شهقاتها هو الوحيد المسموع هنا...)
هذه كارثة وليست وصفًا، وهذا هو المقصود من الإطالة في الكلام، كان باستطاعته القول إن الفتاة وحيدة تبكي بانكسارٍ، بدلًا من كلِّ ذلك الكلام، وهذا يوصلُ مشاعر الحزن بكل وضوح ويوصلُ أن الفتاة حزينة ونفسيتها متعبة، وهذا هو المطلوب؛ لذا يجب الانتباه هنا.
الحوار
الحوار مهمٌّ في هذه الفئة وأساسيٌّ أيضًا، وﻻ سيما الحوار الداخلي الذي يظهر لنا الجانب النفسي للشخصية وانعكاسها وتأثيره في تصرفاتها، ويظهرُ لنا الحزن والفرح والانكسار.
ويمكن أن يبين لنا جانبها الاجتماعي كذلك، فنعرفُ عن ماضيها وحياتها وما جعل أفكارها تصبح على ما عليه.
لهذا فإن للحوار علاقة وثيقة بفك شيفرات الشخصية وتوضيح جزء من جوانبها المختلفة. لكن الحوار الخارجي لا يقل أهميةً عن الداخلي؛ فهو الذي يعكس علاقة الشخصيات بعضها ببعض.
ففي روايات هذه الفئة من المهم أن يعرف القارئ ماهيةَ العلاقةِ التي تربط بين الشخصيات، وذلك يظهر عن طريق الحوار فيما بينها؛ إذ إنه يكون مثل مرآةٍ تعكس هذه العلاقات وتجعلها واضحةً أمام القارئ.
اقرأ أيضًا الفرق في الأدب العربي بين الماضي و الحاضر.. معلومات لا تفوتك
الراوي
يُفضَّلُ في الفئة العاطفية اختيار الراوي بصيغة الأنا؛ حتى يتمكن الكاتب من جعل القارئ يتفاعل مع الشخصية في كلِّ لحظة وحدث من القصة؛ لأنه يُظهر المشاعر والمواقف بالتدريج مع الأحداث، ويُظهرُ الشخصيَّة بوضوح.
وهنا ننوه إلى أن كونَ الراوي بضمير الأنا هو ما يفضل استخدامه فإن ذلك لا يعني أنه لا يمكن استخدام باقي أنواع الرواة، وهو ما يتعلق بعدة عوامل منها فكرة الرواية.
وكذلك فإن تنوع الرواة في الرواية الواحدة ليس بالأمر الجيد دائمًا؛ فتنويعهم على نحو مبالغ فيه في الرواية -ﻻ سيما إذا كانت حبكتها بسيطة- يشتِّت القارئ؛ لهذا فمن الأفضل الاكتفاء براوٍ واحد أو اثنين.
اقرأ أيضًا قراءة في كتاب تاريخ الآداب الأوروبية للكاتب روبرت ديفيس
المغزى
يجب وجود مغزى واضح في نهاية القصة، فما الفائدة من قصة لا تحملُ مغزى؟
يجب ظهور العلاقة ما بين الأحداث وغاية الكاتب من وجودها. فمثلًا لو كان لدينا قصَّة عرضت الحبَّ بين فتاة وشاب تعرَّضوا لكثير من المشكلات حتى نجحوا بحياتهم، فالمغزى أن الحب سينتصر وأن علينا دعم نصفنا الآخر في حياته.
أو قصة عرضت فتاة تفضِّل البقاء ورعاية والدتها المريضة على الزواج من حبيبها الذي رفض أن تعتني بوالدتها وأراد وضعها في دار المسنين.
وهنا نرى المغزى هو أن والدتك أو والدك هما أهم أشخاص في حياتك واهتمامك بهما أهم بكثيرٍ من أي شخص في هذه الحياة.
وهكذا يجب الاهتمام بالمغزى والتركيز عليه؛ فهو دعامة أساسية لجميع الفئات وليس فقط العاطفية.
بالنهاية أتمنى أن ينال المقال إعجابكم.
سبتمبر 17, 2023, 9:27 م
موضوع شيق وجميل ومفيد
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.