الإدراك هو معرفة الأشياء على حقيقتها، فإن زاد أدركت الباطن الغائب، ويسمى الظن الصائب، وإن قل يسهل خداعك، وقد تزداد مصائبك، وفي الحقيقة كلما زاد الشيء عن الحد انقلب إلى الضد، فلو زاد البصر عن حده لرأيت ما يضرك من الناس، وكذا الحال في جميع الحواس، وكلها للإدراك أساس.
اقرأ أيضاً تعرف على مفهوم الوعي وتأثر عقل الإنسان به
ما الوعي؟
أما الوعي فهو معرفة أبعاد هذا الإدراك، فإحساسك بالحرارة إدراك، واللجوء إلى الظل وعي، فالوعي هو عقلانية الإدراك، فالمجنون مدرك، لكنه غير واع، وزيادة الوعي عن حده من أخطر الأمور، فقد يصيبك بالهم والغم لمعرفتك بما يُحاك حولك ويدور، فتعي من الكلام ما يخفيه المتكلم، وتعي من النظرات ما يخفيه القلب.
وكذا في كل حركة أو فعل، فتبيت في حيرة وفكر، وتصبح في شك وظن، لكن كلما قل الوعي صارت حياتك جميلة، وابتسامتك عريضة، لا تحمل غمًّا ولا يثقلك الهم، ألا ترى كم هو دائم الضحك مَنْ فقد الإدراك وجُن؟
«وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا»
اقرأ أيضاً ماهية المتعة ومتعة الوعي.. معلومات لا تعرفها من قبل
ما المدركات؟
المدركات هي ما تراه العين أو يشعر به الإحساس ويفهمه العقل، والإدراك هو فهم هذه المدركات، ويتغير هذا الفهم بتغير الزمان، وقد يتغير بتغير المكان، فالمدركات حسية أو معنوية، فما تراه العين مدرك مادي، وما يشعر به القلب معنوي، والطفل في المهد يفتقد الإدراك، لا يعرف المدركات إلا إحساسه بالجوع والعطش والتعب، ودقات قلب الأم؛ لذا يفعل الطفل ما يحلو له دون خشية من عتاب أو عقاب، لا يعلم الجزاء والثواب، فيفعل دون أن يتوارى، ويطلب دون إحراج، وكلما مر الوقت زادت عنده رؤية المدركات، والشعور بها، فيبدأ بالتواري عند فعل الأخطاء خشية العقاب، والظهور عند فعل الصواب بغية الثواب، وهذه هي الفطرة.
لقد أدرك الطفل أن الخلق هم عيون الله في الأرض، ثم تختلف الانفعالات باختلاف البيئات، فما كان خطأ هنا قد يكون صوابًا هناك، وهكذا النفس أدركت الخطأ من الصواب، لكنها قد تخدعك في الانفعالات، وتنصب عليك الشراك.
فالذنوب قد لا تؤدي كلها إلى الهلاك، فما خلقت إلا لتفعل، ثم تغفر، فالغفران من الله نعمة، وقد يتبدل الذنب بعظيم الثواب، وليست كل الحسنات قد تؤدي إلى رفع الدرجات، بل منها ما يؤدي إلى الهلاك، فانظر عمن تتوارى في ذنبك وعليه يكون العقاب، فإن تواريت خشية الناس فقط، فهذا شرك، يستحق العقاب، وان وتواريت لأنهم عيون الله فهذا أدب، فعسى أن يغفره الغفار التواب.
وإن تواريت خشية الله وتأدبًا مع الناس فهذا توحيد، وعليه قد يبدله الله حسنات، فإذا لم تخش شيئًا فاعلم أنك مطرود من الرحمات، وعلى ذلك يمكن أن تقاس الحسنات، وأنت فقط من تعرف نفسك أين هي من هذه الفئات؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.